كتبت: ناني محسن
هل مر بك يوم شعرت فيه بألم مفاجئ فقررت أن تتجاهل الألم لكن الألم لم يتجاهلك، فبدأت رحلتك مع الاطباء بحثاً عن سكون الألم، حتى أتت تلك اللحظة التي أخبرك فيها الطبيب بحقيقة مرضك، وحينها فقط شعرت بأن أحداً قد أطفأ الشمس وأوقف الأرض عن الدوران، وباتت حياتك كأنها نفق مظلم تسير فيه دون أن تعلم له نهاية أو متى تكتب لك النجاة ؟.
هل مر بك يوم تعرضت فيه لوقوع حادث تسبب في فقدك جزء من جسدك وأصبح ذلك الفقد معيقاً لك عن ممارسة الحياة ؟ .
كثير من الناس مر بهذه الأحداث أو بعض منها، وحينها بيد لهم حقاً أن أحداً قد أطفأ الشمس، فعجزت أن تأتيهم بإشراقة يوم جديد، ولم يكن المرض أو الإعاقة فقط سبباً لتلك المشاعر، بقدر ما أحدثته قسوة المواقف، فمن كانوا قريبين منهم أبتعدوا، ومن كانوا يجزلون لهم العطاء باتوا أول من يرموهم بالسهام، وهو متسمرين في مكانهم يتلقون طعنات المرض والغدر معاَ، وقد طويت من حياتهم صفحات الصحة والسعادة، وفتحت لهم صفحات أخرى مسوده بسواد القلوب، تقطر دماً من جرحهم النازف، ويستمر الحال حتي يصبحون أسرى اليأس وربما أسرى أنتظار الموت.
إن كنت من أولئك الناس فأعلم أنك لست وحدك فكلنا هذا الرجل، ولن يتثنى لك أن تدرك حقيقة المرض إلا إذا أدركت حقيقة الصحة التي تظن أنك فاقدها، وإذا طبقنا مبدأ أن أهل مكة أدرى بشعابها فعلينا الرجوع لتعريف منظمة الصحة العالمية عن الصحة أنها:
"حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز"
والسؤال هنا ... من منا يملك تلك الحالة من الإكتمال؟!
ربما تكون الاجابة لا أحد، وحينما تدرك أنك لست وحدك، وأن على هذا الكوكب الملايين وربما المليارات ممن يشاطرونك نفس الألم ونفس المشاعر، حينها فقط ستهون عليك وطأة المرض وألآمه.
لكنك رغم ذلك الإدراك بأنك لست وحيداً في معاناتك المرضية، تظل أسيراً لوحدتك وغربتك الداخلية التي خلفتها صدمتك فيمن تحب وقت مرضك وألمك، تسمع صوت صرخات روحك تقول لماذا ؟! ... ماذا جنيت ليكون هذا هو الجزاء ؟! ... كيف تحولت الناس وتبدلت ؟!
الحقيقة أنه لا شيء تحول، ولا أحداً تبدل، وهذه هي الحقيقة كما تراها، وما كان المرض سوى شمس حارقة كشفت لك حقيقة الوجوه من حولك، بلا أقنعة وبلا ألوان مصطنعة، وكثيراً ما تبهرنا الألوان لكنها لا تصمد مع حرارة الشمس التي تذيب الالوان وتسقط الاقنعة، فتجعل الوجوه أشد سوء وقبحاً.
إن المرض وإن بلغ من الشدة مبلغ فهو شمس متوهجه وجب عليك أن تتعلم كيف تنعم بنورها وتتقي حرارتها، ليكون المرض إنطلاقة لحياة جديدة أصدق وأعمق وأنجح من ذي قبل، والتاريخ الانساني حافل ببطولات كانت صنيعة المرض والالم، ففقد بيتهوفين لحاسة السمع لم يعوقه عن تأليف أروع سيمفونياته، ولم يكن فقد هيلين كيلر لثلاث حواس مجتمعة النظر، والسمع، والنطق معيقاً لها عن التعلم حتى استطاعت الحصول على درجة الدكتوراة، وكذلك طه حسين، وغيرهم الكثيرين، فالتاريخ الإنساني حافل، وأنت وحدك القادر على أن تصيغ لنفسك صفحة من صفحات هذا التاريخ، أو تصبح سطور بائسة على صفحة ماء.
ساحة النقاش