أكدت أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية في أحدث فتاواها أن ما يفعله بعض المسئولين عن مخازن الأنابيب من التواطؤ مع بعض الجشعين ببيعها لهم بأسعار مبالغة لاستغلال حاجة الناس يعد شرعًا خيانة للأمانة.
وقالت إن خيانتهم للأمانة جاءت لأنهم مستأمنون على هذه السلع المدعومة للمواطنين ليحصلوا عليها من غير عناء، فتفريطهم في هذه الأمانة وتسهيلهم للجشعين أن يحصلوا على الأنابيب ليبيعوها للناس بأغلى من سعرها هو مشاركة لهم في الظلم والبغي والاستيلاء على حقوق الناس.. حسب تعبير الفتوى.
وشددت أمانة الفتوى على أن الواجب الشرعي يفرض على من يعلم بهم أن يقوم بواجبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بالنصح لمن ينتصح منهم، أو السعي في دفع شرهم بتبليغ الجهات المسئولة لتقوم بواجبها تجاههم.
جاء ذلك في رد أمانة الفتوى بالدار على سؤال يقول "تعاني بعض الأماكن في مصر من عوز شديد في أنابيب الغاز، ويستغل بعض الناس هذه الأزمة فيعقدون اتفاقات مع القائمين على المستودعات ليشتروا منهم حصصًا كاملة فيبيعوها بأسعار مضاعفة. فما حكم ذلك في الشرع ؟"
ولفتت الفتوى إلى أن فعل القائمين على المستودعات ومن يتعاون معهم في هذا الأمر لا يقتصر على خيانة الأمانة وإنما يتعداه إلى أبواب كثيرة من الإثم، حيث افتأتوا على ولي الأمر، واستولوا على المال العام، ومنعوا الناس حقوقهم، وضيعوا الحقوق، وأجحفوا بالمحتاجين ومحدودي الدخل.
وعقبت الفتوى قائلة "وكل واحدة منها من كبائر الذنوب، وبالتالي فهم مرتكبون بذلك لهذه الكبائر التي لا طاقة للإنسان بأحدها فضلا عن أن تتراكم عليه كلها".
وأشارت الفتوى في تعليلها لهذا الحكم، إلى أن أنابيب الغاز من السلع الأساسية التي تدعمها الدولة، وتلتزم بتوفيرها وبيعها بثمن مخفض للمواطنين حتى لو ارتفعت أسعار التكلفة، وتتحمل الدولة أعباء ذلك من أجل معونة قطاع كبير من المجتمع يعاني من شظف العيش وضيق الرزق وقلة الموارد، وهي أيضًا طريقة من طرق سد حاجة محدودي الدخل ورفع مستواهم المادي بإيصال المال إليهم بصورة غير مباشرة، وهي صورة الدعم، وهذا كله من الواجبات الشرعية على الدول والمجتمعات تجاه مواطنيها خاصة محدودي الدخل منهم.
وأوضحت الفتوى أن هذا الفعل يدخل في باب الاحتكار المنهي عنه، حيث يحبس بعض التجار سلعا معينة ليغلو سعرها ويحققوا أرباحا من وراء ذلك. مؤكدة أن ما يفعله مسئولو المستودعات بالاتفاق مع بعض الجشعين يدخل في هذا الإطار. وساقت الفتوى مجموعة من الأدلة على حرمة هذا العمل منها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن دَخَلَ في شيء مِن أسعارِ المسلمين لِيُغْلِيَهُ علَيهِم، فَإِنَّ حَقًّا على الله أَن يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِن النَّارِ يومَ القِيَامَة"، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً، يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ خَاطِئٌ".
وردت الفتوى على من يرى أن الاحتكار لا يكون إلا في الطعام فقط، مؤكدة أنه لا يقصد حصر مفهوم الاحتكار في الطعام بخصوصه، بل باعتبار أن الطعام هو أظهر ما يصدق عليه هذا المفهوم؛ من جهة شدة حاجة الناس إليه وديمومة هذه الحاجة في كل يوم، ومن جهة أن الطعام هو أكثر ما يجري فيه الاحتكار من الاحتياجات الضرورية خاصة في الأزمنة القديمة. وعليه قررت الفتوى أن الاحتكار يحرم في كل ما يحتاج إليه الناس دون تحديد للطعام أو لغيره؛ لأن العلة هي الإضرار بالناس، فحيثما وجدت العلة مع أي سلعة وجد الحكم.
من جانب آخر ناشدت دار الإفتاء المصرية الدولة ممثلة في مؤسساتها المختلفة بالتعاون من أجل إيجاد الحلول اللازمة لأزمة أنابيب البوتاجاز الأخيرة.
وطالبت الدار بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه السلع الأساسية التي هي حق أصيل لكل المصريين، وأن تأمينها من واجبات الدولة المصرية، مشددة على ضرورة الضرب بيد من حديد على كل من يحاول المساس بأي من مقومات الحياة لأي مواطن. وشددت الدار على ضرورة أن تضطلع كافة المؤسسات بدورها في اتخاذ الإجراءات الوقائية ضد حدوث مثل هذه الأمور مستقبلا على أية سلعة من السلع الأساسية.. سواء كانت خبزا أو أنابيب أو غيرها.
الاهرام