<!--

<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman","serif";} </style> <![endif]-->

الحقوق الاقتصادية للمرأة في الإسلام والمواثيق الدولية

د. شعبان عبده أبو العز المحلاوي

تعرف الحقوق الاقتصادية بأنها تلك الحقوق التي يكون موضوعها مصلحة اقتصادية مادية أو معنوية كحق التملك وحق التصرف بالأموال شراءً وبيعاً ورهناً. والحق في حيازتها واستعمالها وإدارتها والإشراف عليها، والحق في الحصول على القروض المصرفية والرهون العقارية وغير ذلك من أشكال الائتمان المالي وحرية الإنتاج أو الاستثمار، وحق العمل، والحق في أجر عادل([1]).

يتمثل الهدف الرئيسي من وراء إقرار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير التأمينات الاجتماعية كالتقاعد والتأمين ضد المرض والفقر والشيخوخة والبطالة والعجز عن العمل، والرعاية الصحية وتهيئة فرص العمل اللائق للأفراد، وهو ما دفع الكثير من البلدان المتقدمة والنامية على السواء إلى النص على هذه الحقوق في تشريعاتها وإحاطتها بالرعاية.

الحقوق الاقتصادية في المواثيق الدولية.

هذه الحقوق هي موضوع العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، وكان من الضروري الفصل بين هذه الحقوق والحقوق المدنية والسياسية التي وضع لها عهد خاص؛ إذ أن تحقيق وتنفيذ الحقوق المدنية والسياسية لا يحتاج عادة إلى خطط اقتصادية واعتمادات مالية واستثمارات وطنية وأجنبية([2]).

تعهدت الدول تعهدا عاما وفقاً لنص المادة الثانية من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بأن تبذل ما في وسعها من أجل ضمان تمتع الأفراد بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وفقا لمواردها المتاحة، وبأن تسخر آلتها التشريعية لتنفيذ ما يمكن تنفيذه بسن التشريعات، وقد ألقت المادة 23 من العهد الدولي واجبات على الدول الأطراف الأخرى في العهد الدولي بأن تتعاون مع الدولة المعنية في توفير الإمكانيات المادية لتنفيذ التزاماتها بالعهد من خلال الاتفاقيات الاقتصادية، وتوفير المساعدات الفنية وتنظيم المؤتمرات والاجتماعات لبذل المساعدات الفنية والمالية.

وقد عدد الجزء الثالث من العهد الدولي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، نذكر منها الحقوق الاقتصادية والمتمثلة في:

-   الحق في العمل: نصت عليه المادتان السادسة والسابعة، ويشمل حق كل شخص في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، وأن توفر الدولة برامج التوجيه والتدريب الفني والمهني التي تيسر للفرد اكتساب مهارات تعاونه على العمل.

-        حق تكوين النقابات: تعهدت الدول الأعضاء بكفالة الحق في تكوين النقابات وحق الأفراد في الانضمام إليها دون أية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون وتكون ضرورية من أجل المحافظة على النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.

-   الحق في الإضراب: نصت المادة الثامنة صراحة على حق العمال في الإضراب، بشرط ممارسته وفقاً للقانون. ويترك للدولة تنظيم ممارسة حق الإضراب بالقانون.

-   المستوي المعيشي الكافي: أقرت الدول الأطراف بحق كل شخص في مستوي معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجاتهم من الغذاء والكساء والمأوي، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية، وتعمل الدول في سبيل ذلك على تحسين طرق إنتاج وحفظ وتوزيع المواد الغذائية.

-   حق التملك: نصت المادة السابعة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق كل شخص في التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره، ولا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً.

الحقوق الاقتصادية في الإسلام.

وفقاً للبيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام، فقد نص على الحقوق الاقتصادية، وفق التقسيم التالي:

(أ) الطبيعة - بثرواتها جميعا- ملك لله تعالى: "لله ملك السموات والأرض وما فيهن"([3]). وهى عطاء منه للبشر، منحهم حق الانتفاع بها: "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا"([4]). وحرم عليهم إفسادها وتدميرها: "ولا تعثوا في الأرض مفسدين"([5]). ولا يجوز لأحد أن يحرم آخر أو يعتدي على حقه في الانتفاع بما في الطبيعة من مصادر الرزق: "وما كان عطاء ربك محظورا"([6]).

(ب) لكل إنسان أن يعمل وينتج، تحصيلا للرزق من وجوهه المشروعة: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها"([7])، "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه"([8]).

(ج) الملكية الخاصة مشروعة - على انفراد ومشاركة - ولكل إنسان أن يقتني ما اكتسبه بجهده وعمله: "وأنه هو أغنى وأقنى"([9]). والملكية العامة مشروعة، وتوظف لمصلحة الأمة بأسرها: "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"([10]).

(د) لفقراء الأمة حق مقرر في مال الأغنياء، نظمته الزكاة، "والذين في أموالهم حق معلوم. للسائل والمحروم"([11]). وهو حق لا يجوز تعطيله، ولا منعه، ولا الترخص فيه، من قبل الحاكم، ولو أدى به الموقف إلى قتال مانعي الزكاة: "والله لو منعوني عقالا، كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه"([12]).

(هـ) توظيف مصادر الثروة، ووسائل الإنتاج لمصلحة الأمة واجب، فلا يجوز إهمالها ولا تعطيلها: "ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بالنصيحة إلا لما يجد رائحة الجنة"([13])، كذلك لا يجوز استثمارها فيما حرمته الشريعة، ولا فيما يضر بمصلحة الجماعة.

(و) ترشيدا للنشاط الاقتصادي، وضمانا لسلامته، حرم الإسلام:

1- الغش بكل صوره: "ليس منا من غش"([14]).

2- الغرر والجهالة، وكل ما يفضي إلى منازعات، لا يمكن إخضاعها لمعايير موضوعية: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر"([15])، "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد"([16]).

3- الاستغلال والتغابن في عمليات التبادل: "ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون"([17]).

4- الاحتكار، وكل ما يؤدي إلى منافسة غير متكافئة: "لا يحتكر إلا خاطئ"([18]).

5- الربا، وكل كسب طفيلي، يستغل ضوائق الناس: "وأحل الله البيع وحرم الربا"([19]).

6- الدعايات الكاذبة والخادعة: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن غشا وكذبا محقت بركة بيعهما"([20]).

(ز) رعاية مصلحة الأمة، والتزام قيم الإسلام العامة، هما القيد الوحيد على النشاط الاقتصادي، في مجتمع المسلمين.

نخلص إلى أن الإسلام والمواثيق الدولية كفلت للإنسان حقوقا اقتصادية، ولكن هل هذه الحقوق خاصة للرجال أم للرجال والنساء مع تمييز الرجال، أم أنها للرجال والنساء دون تمييز؟

أولاً: حق المرأة في المساواة مع الرجل في الحقوق الاقتصادية.

المساواة بين الجنسين تعني المساواة في الحقوق والمسؤوليات والفرص بين المرأة والرجل. ولا تعني المساواة بين المرأة والرجل أن يغدو الاثنان شيئاً واحداً، إنما تعني ألا تعتمد حقوق المرء ومسؤولياته وفرصه على ما إذا كان سيولد ذكراً أم أنثي.

(1) المساواة في الحقوق الاقتصادية بين الرجل والمرأة في المواثيق الدولية.

كفلت المواثيق الدولية للمرأة بالمساواة مع الرجل التمتع بكافة حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية؛ حيث نصت المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه: "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أي تفرقة بين الرجال والنساء".

كما نصت المادة (2) من العهد العالمي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أنه: "تتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بضمان ممارسة الحقوق المدونة في الاتفاقية الحالية بدون تمييز من أي نوع، سواء كان ذلك بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة...".

وكانت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة قد أكدت في المادة (13) منها على مساواة الرجل والمرأة حيث تنص على أنه: "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في المجالات الأخرى للحياة الاقتصادية والاجتماعية لكي تكفل لها على أساس تساوي الرجل والمرأة نفس الحقوق ولاسيما:

-        الحق في الاستحقاقات الأسرية.

-        الحق في الحصول على القروض المصرفية والرهون والعقارات، وغير ذلك من أشكال الائتمان المالي".

كما نصت المادة 1 فقرة ح من نفس الاتفاقية على أنه: "يكون للزوجة نفس حقوق الزوج فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات والإشراف عليها وإدارتها والتمتع بها والتصرف فيها".

(2) المساواة في الحقوق الاقتصادية بين الرجل والمرأة في الإسلام.

جاء الإسلام ليعطي المرأة الحق في الميراث الشرعي وأن تباشر المعاملات الاقتصادية والمالية المشروعة مثل: إبرام العقود والشهادة والوكالة والإجارة والهبة والوصية وحق التملك وحق الصداق وأن تزكي مالها وأن تتصدق منه وهذا في إطار قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية والتي تسمو على كافة القوانين الوضعية والتي تفتقت عنها عقول البشر حتى الآن([21]).

قبل الإسلام كانت المرأة من أشياء البيت تورث إذا مات زوجها كما تورث العقارات والأنعام والأموال. وكانت سلعة تباع وتشترى، وتحرم من الميراث ومن التصرف في مالها، والمهر من حق والدها أو أخيها أو ولى أمرها؛ بمعنى أنه لم يكن لها ذمة مالية أو كيان مالي مستقل. يقول عمر بن الخطاب في هذا المقام: "كنا في الجاهلية ما نَعُدّ النساء شيء حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم ([22]).

نظام الأسرة الأبوية في المجتمعات القديمة كان هو السائد، وما تبع هذا النظام من تدني مركز المرأة فأصبحت في حكم المملوك لصاحب السلطان عليها كالأب والأخ قبل زواجها، والزوج بعد زواجها، فهي أداة لديه لكسب الحقوق، ومن حقه بيعها، ومن حقه طلاقها أو الإبقاء عليها والزواج من أخرى([23]).

كفل الإسلام مساواة تامة للمرأة مع الرجل من حيث الحقوق الإنسانية. ولم يقر التفاضل إلا في بعض الملابسات المتعلقة بالاستعداد أو التبعة، ومن ثم فإن الإسلام كفل للجنسين حقوقاً اجتماعية واقتصادية وسياسية. وقد شملت هذه الحقوق حق التعليم وحق العمل وحق التملك وحق المساواة الاجتماعية وغيرها من الحقوق؛ ذلك أن الإسلام لم يعزل المرأة ويحرمها من أي مجال من مجالات الحياة، لأن في ذلك إهدارا لطاقة عضو فعال في هذه الحياة، وإنقاصاً لشأن المرأة، وعدم الاستفادة من خبراتها وطاقتها، مما يؤدي إلى هبوط مستواها واهتماماتها، وهذا ما لا يريده الإسلام لأي فرد من أفراده رجلاً كان أو امرأة([24]).

يقر الإسلام بأنه لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة في الأهلية المالية، وما يتبعها من تصرفات، ذلك أنه قد أباح لها كل ما أباح للرجل سواء بسواء. وجعل لها حق مباشرة العقود المدنية بكافة أنواعها، وجعلها صاحبة الحق المطلق على ملكها، ولم يجعل لرجل أي سلطان عليها؛ فلها أن تتملك الأرض والمباني وكافة أنواع الممتلكات والأموال. ولها أن تمارس التجارة من بيع وشراء وكافة تصرفات الكسب الحلال.

بل أعطي الإسلام للمرأة المكلفة الرشيدة الأهلية الاقتصادية التامة، فالأحكام التي تنطبق على الرجل في كل المعاملات المالية هي نفسها التي تنطبق على المرأة، أي يحل لها من المعاملات المالية ما يحل له، ويحرم عليها ما يحرم عليه، ولها من الحقوق، وعليها من الواجبات وسائر ألوان الالتزام ماله وما عليه.

ثانياً: حق المرأة في العمل.

العمل هو الجهد البشري سواء كان عضلياً أو ذهنياً الذي يبذل في سبيل إنتاج سلعة معينة، فكل من الطب والمحاماة والبناء والتصنيع، ما هي إلا أنواع متعددة من الأعمال تنتج أنواعاً مختلفة من السلع والخدمات. وعُرف أيضاً بأنه الجهد الذي يبذله الإنسان لخلق منفعة سواء كان هذا الجهد يدوياً كعمل الفلاح أو الصانع، أو عقلياً كعمل المدرس أو الطبيب أو المحامي. كما يشمل عمل المنظم وهو الذي يوجه العملية الإنتاجية ويوائم بين عناصر الإنتاج المختلفة بما يحقق سير الإنتاج ومضاعفته([25]). والعمل ورأس المال يمثلان عناصر الإنتاج في النظام الاقتصادي الإسلامي. رأس المال هي الثروات كالأرض والماء والحيوان والمناجم، والأموال ورؤوس الأموال العينية كالمباني والآلات. وعنصر رأس المال وحده ليس له عائد في الإسلام، وإنما يتحقق عائده إذا شارك عنصر العمل.

(1) حق المرأة في العمل وفق المواثيق الدولية.

يعتبر الخبراء أن العمل أساس الاقتصاد؛ فهو المصدر الرئيس للكسب الحلال. والعمل مجهود شرعي يقوم به الإنسان لتحقيق عمارة الأرض التي استخلف فيها، والاستفادة مما سخره الله فيها لينفع نفسه، وبني جنسه في تحقيق حاجاته وإشباعها([26]).

كلفت المواثيق الدولية الدول الأعضاء بإصدار التشريعات التي تكفل العمل المناسب لشعوبها؛ ذلك أن توفير فرص العمل أمر لازم وضروري لكفالة العدالة والمساواة بين الشعوب. هذا التكليف لا يقتصر علي إيجاد فرص عمل للرجال فقط بل للجميع دون التقرفة بين الرجال والنساء.

(2) حق المرأة في العمل في الإسلام.

حقوق العمل وفق قواعد الإسلام متساوية بين المرأة والرجل، فالنساء شقائق الرجال كما قال الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم. فحق المرأة واضح في الإسلام بالمساواة التامة مع الرجل في كافة الأعمال سواء كانت دينية أو دنيوية، فطالما عملت المرأة ستجد الإسلام يعطيها الأجر كاملاً، حيث يقول تعالي: "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثي بعضكم من بعض"([27]). فمن حق المرأة أن تمنح أجرها كاملا، وبمساواة تامة مع الرجل، ما دامت الكفاءة واحدة والعمل واحد والوقت كذلك([28]).

والمرأة مستقلة بذمتها المالية، حرة في التصرف في أموالها، ومن أمثلة ذلك أن السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها زوج النبي صلي الله عليه وسلم، كانت تعمل في دباغة الجلود وحياكتها، وكانت تتصرف في نتاج عملها من أموال كيفما تشاء، وأم مبشر الأنصارية رضي الله عنها كانت تعمل بالزراعة من أجل كسبها الخاص المستقل عن زوجها. وامرأة من الأنصار تدير عملاً صناعياً خاصاً بحرفة النجارة، فتصنع من خلاله منبرا لرسول الله صلي الله عليه وسلم، ليضعه في المسجد النبوي الشريف: فعن جابر بن عبد الله أن امرأة قالت: يا رسول الله .. ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه، فإن لي غلاماً نجاراً، قال: "إن شئت، فعملت المنبر"([29]). ولقد ثبت من السنة النبوية ومن التاريخ الإسلامي أن المرأة عملت في صفوف الجيش محاربة كخولة بنت الأزور، أو كممرضة أو كمدعمة للجيش بالمؤنة والغذاء وتجهيز لوازمه([30]).

(3) طبيعة المرأة ونوعية العمل.

حق المرأة في العمل حق لا شبهة فيه سواء في الإسلام أو المواثيق الدولية؛ ومن ثم فليس هناك ما يمنعها من أن تزاول أي عمل فكري أو بدني شريطة أن تتقيد بما يحفظ صحتها وكرامتها وبما يصونها عن التبذل، وألا يمس بكرامتها أو سمعتها أو أخلاقها.

والعمل ليس فرضا على المرأة في الإسلام بشكل عام، بل على الرجل المتكفل بالنفقة عليها نظير عملها الأساسي كزوجة وأم ومربية ومعلمة ومدبرة لشئون أسرتها، ولقد أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أم المرأة تختلف عن الرجل في كثير من الأشياء، في الصورة والسمات والتركيب الجسماني، ومن الفروق الظاهرية بين الرجل والمرأة القوة الجسمانية لدي الرجال مما ليس مثله عند النساء([31]).

ولا بد أن نقول أن إقحام المرأة في الأعمال الشاقة بدنياً، أو التي تحتاج إلى جهد متواصل ظلم لها وإجحاف في حق المجتمع؛ لأنه صرف للقوي النافعة عن وظيفتها الأساسية، وتعطيل للكفاءات والقدرات كذلك. ومن هنا فأنه لابد للمرأة من ممارسة العمل اللائق بها إذا أرادت ذلك، فالعمل ليس فرضا عليها في كل الأحوال. وبوجه عام فإن طبيعة الشخصية الأنثوية لا تتناسب مع الأعمال الشاقة، ولا تسمح به أجهزتها الحيوية، ومن ذلك العمل في المناجم، والمحاجر، وصناعة المفرقعات([32])

ثالثاً: حق المرأة في الاستثمار.

من أهم الحريات والحقوق الاقتصادية، حرية الإنتاج واستثمار رؤوس الأموال في مختلف النواحي الزراعية والصناعية والتجارية والمالية، ويقضي مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة أن تتمتع المرأة بهذه الحريات والحقوق بنفس القدر الذي يتمتع به الرجل.

أعطي الإسلام المرأة المكلفة الرشيدة الأهلية الاقتصادية التامة فالأحكام التي تنطبق على الرجل في كل المعاملات المالية هي نفسها التي تنطبق على المرأة؛ أي يحل لها من المعاملات المالية ما يحل له، ويحرم عليها ما يحرم عليه، ولها من الحقوق، وعليها من الواجبات وسائر ألوان الالتزام ماله وما عليه([33]).

وتطبيقا لذلك في مجتمع نشوء الإسلام كانت المرأة تحتل مكانة عالية في كثير من الأعمال، وكان بعض النسوة يقمن بأعمال تجارية واسعة النطاق، وأبرز الأمثلة السيدة خديجة بنت خويلد، كانت تمارس التجارة وبرأس مال كبير، وفي المدينة كان بعض النساء يتاجرن بالعطور ومنهن من كان يتاجر بالتمور. إلي جانب العمل في التجارة زاولت المرأة بعض النشاطات المهنية والحرفية، وقد روي أن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها زوج النبي صلي الله عليه وسلم، كانت تعمل في دباغة الجلود وحياكتها، وكانت تتصرف في نتاج عملها من أموال كيفما تشاء([34]).

أكثر من ذلك تستطيع المرأة أن تباشر مسؤوليات اقتصادية كبيرة حسب درجة الكفاءة والأهلية التي تتمتع بها، فيروي في هذا الصدد أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، استعمل امرأة على أحد أسواق المدينة وولاها شؤون الحسبة ومراقبة أحوال السوق وفعالياته الاقتصادية. ولاشك أن هناك أعمالاً كثيرة قامت بها المرأة وحفل بها التاريخ الإسلامي ومنها ما ذكره مؤرخو الإسلام عن أم الخليفة الإسلامي الرشيد وكانت تدعي الخيزران، وما قامت به من مشروعات لاستثمار وإحياء الأرض الموات([35]).

ومن هنا فإن المرأة عموماً والمرأة المسلمة بصفة خاصة قد مارست وتستطيع أن تمارس في كل عصر من العصور أنشطة اقتصادية كثيرة، وأن تباشر وفقاً لما منحها الله تعالي من طبائع واستعدادات أعمالاً كثيرة تنتفع بها وتنفع أفراد المجتمع والاقتصاد القومي عموماً.   

رابعاً: حق المرأة في التملك.

حق التملك من أهم حقوق المرأة الاقتصادية، وقد أقرت الشريعة الإسلامية للمرأة هذا الحق وشرعت بشأنه أحكاماً لصيانته وعدم العبث بتطبيقه. وقد أعطي الإسلام المرأة الحق في تملك الأموال على اختلاف أنواعها من ثابت ومنقول. وقد عرف الفقهاء التملك بأنه علاقة أقرها الشارع بين الإنسان والمال، هذه العلاقة تبقي مدة بقاء الشيء ما لم يخرج من ملكه بتصرف شرعي([36]).   

منح الإسلام المرأة الأهلية الاقتصادية والمالية الكاملة، فهي تتحمل الالتزامات وتكتسب الحقوق الناجمة عن تصرفاتها. وأعطاها الإسلام ذمة مالية مستقلة كما منحها الإسلام حق الميراث، فقال تعالي: "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون"([37])، ويقول أيضاً: "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"([38]). الأمر الذي يعني أن الإسلام منح للمرأة حرية التملك وحرية التصرف.

(1) الذمة المالية المستقلة للمرأة.

للمرأة استقلالية في ذمتها المالية، وفي أموالها ولها حق التملك والتصرف بل والتبرع؛ ذلك أن الإسلام يقر بأنه لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة في الأهلية المالية وما يتبعها من تصرفات؛ ذلك أنه قد أباح لها كل ما أباح للرجل سواء بسواء، وجعل لها كالرجل حق مباشرة العقود المدنية بكافة ألوانها، وجعلها صاحبة الحق المطلق علي ملكها، ولم يجعل للرجل أي سلطان عليها، فلها أن تتملك الأرض والمباني، وكافة أنواع الممتلكات والأموال([39]).

استقلالية الذمة المالية للمرأة تؤكد على استقلالية شخصية المرأة في الإسلام، ومسئوليتها عن تصرفاتها المالية، حيث لا وصاية عليها، ولا مسئولية لغيرها على تصرفاتها، سواء كانت التصرفات متعلقة بالكسب أم الخسارة أم الهبة أم التنازل، أم تكون في موقف الدائن أم المدين. فذمتها المالية مستقلة استقلالاً تاما، وتبع ذلك مسئوليتها التامة عن تصرفاتها دون أن يتحمل أحد معها تبعية.

والشريعة الإسلامية إذ أقرت للمرأة هذا الحق فإنها شرعت بشأنه أحكاماً لصيانته وعدم العبث بتطبيقه؛ ففصلت كامل ملكية الزوجة عن زوجها، فإنها تملك مالها بالاستقلال وتبعاً لهذه الاستقلالية �

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 185 مشاهدة
نشرت فى 8 إبريل 2014 بواسطة shabanElmahlaw

ساحة النقاش

دكتور / شعبان عبده أبوالعز المحلاوي

shabanElmahlaw
اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,159