<!--
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
الشهر العقاري وظاهرة الكذب الموثق
د. شعبان عبده أبو العز المحلاوي
الشهر العقاري والتوثيق من المصالح الجماهيرية التي تتعامل مع الآلاف إن لم يكن الملايين يومياً، وتنجز يوميا آلاف المعاملات، من التصرفات للعقارات والمنقولات والتوكيلات وعقود الايجار وغيرها من الخدمات التي تقدمها للمواطنين عبر مكاتب الشهر العقاري المنتشرة في جميع أنحاء مصر يوميا اعتبارا من التاسعة صباحا وحتى الرابعة والنصف مساءً.
ونظرا لثقة الشعب المصري في الشهر العقاري كجهة توثيق، وجب علينا أن ننبه لظاهرة قد تمس مع الوقت بهذه الثقة، ألا وهي ظاهرة الصورية، أو الكذب الموثق، والذي يلجأ إليه المواطنون يوميا بصور مختلفة ولأسباب عديدة، الأمر الذي يرتب آثارا اقتصادية بالطبع آثارا سلبية، كما يجب ايجاد علاج لهذه الظاهرة.
أولاً: صور الكذب الموثق.
(1) توثيق عقود ايجار لعلاقات إيجاريه وهمية.
نسبة 80% أو أكثر من عقود الايجار التي يقوم الشهر العقاري بإثبات تاريخها أو التصديق عليها هي عقود ايجار لا تمثل علاقة إيجاريه صحيحة، انما عبارة عن عقود صورية، يهدف من خلالها صاحب الشأن القيام بإحدى الأمور التالية:
- توصيل المرافق، أو خط تليفون أرضي.
- الحصول على قرض.
- نقل محل اقامة أو الحاق أحد أبناءه بمدرسة معينة لا يستطيع اللحاق بها بسبب التوزيع الجغرافي.
- الحصول على شقة من الاسكان الاجتماعي أو اعانة سكن.
- الحصول على أجرة مسكن في قضايا الأسرة.
- لإثبات أن أصحاب الشأن من ذوي الأملاك، والدخل الثابت.
- استخراج سجل تجاري بمهنة تاجر بهدف السفر كرجل أعمال.
(2) توثيق عقود بيع وشراء وايجار السيارات.
تتضمن عقود بيع وشراء السيارات معلومات كثيرة كاذبة، وقد لا تمثل عملية بيع فعلية أو ايجار حقيقية، وأمثلة ذلك:
- توثيق عقود بيع سيارات صورية لإثبات أن المشتري من أصحاب الأملاك.
- تحرير عقود بيع السيارات باسم أشخاص غير أصحابها الفعليين بهدف التهرب من الضرائب، إن كان موظف عام أو يمتلك سيارة أخرى، كأن يسجلها باسم ابنه القاصر مثلا، أو زوجته.
- قيام التجار بتسجيل السيارات باسم ذويهم بهدف التهرب من الضرائب على نشاطهم كتجار.
- تحرير عقود السيارات بثمن بيع رمزي قد لا يتعدى ألف جنيه للسيارة.
- ثوثيق عقود ايجار سيارات النقل والأجرة بهدف التهرب من التأمينات.
(3) توثيق شهادات الخبرة.
نظرا لعدم وجود فرص عمل حاليا في مصر يلجأ الشباب للسفر للعمل في الخارج، إلا أن أصحاب الأعمال في الخارج يشترطون الخبرة لدي العمالة المصرية حتى يتم التعاقد معهم، ومن ثم يلجأ الشباب إلي تحرير شهادات خبرة من أحد أشخاص القطاع الخاص، وتوثيقها في الشهر العقاري بغرض السفر، ويمكن القول بأن أكثر من نسبة 90% من شهادات الخبرة الموثقة لدي الشهر العقاري غير فعلية.
(4) تحرير عقود عمل للحصول على أجازه تحسين دخل.
يقوم كثير من الموظفين في الحكومة بتحرير عقود عمل (صوري) بينه وبين أحد الشركات أو الجهات الخاصة وتوثيقه في الشهر العقاري بهدف الحصول على أجازه من عمله، وتنتشر هذه الظاهرة وبشدة بين الأطباء والصيادلة العاملين في المستشفيات الحكومية، والممرضات.
ثانياً: أسباب ظاهرة الكذب الموثق.
هناك أسباب عديدة أدي إلي ظهور هذه الظاهرة المزمنة، أهمها بيروقراطية الجهاز الاداري المصري، وثقافة الشعب المصري.
(1) بيروقراطية الجهاز الإداري المصري.
يأتي في مقدمة الخصائص السلبية للجهاز الإداري المصري أنه نظام بيروقراطي يغلب عليه الروتين وعدم ملائمته لحاجات المتعاملين، ويغلب عليه المغالاة في التنظيم اللائحي والإجراءات الإدارية وتعدد التشريعات والقرارات الوزارية، وتعارضها في كثير من الأحيان.
ولو تأملنا غالبية العقود أو الأوراق الصورية المذكورة أعلاه نجد أن معظمها مطلوب لقضاء خدمة أمام جهة إدارية أخري، وأن صاحب الشأن ملزم بالكذب وتوثيقه بالشهر العقاري حتى تقدم له هذه الجهة الادارية الخدمة التي يرغب فيها، كتوصيل كهرباء أو مياه، أو تليفون أو النقل من وظيفته أو نقل أحد أبناءه وغيرها من الأمور، ولا عجب أن تجد أنه للموافقة على نقل موظف إلي فرع للجهة التابع لها قريبا من محل اقامته يشترط عقد ايجار في حين أنه بطاقته مدون بها الاقامة، ولديه ايصالات كهرباء ومياه تفيد نفس الأمر.
(2) ثقافة الشعب المصري.
اعتاد الشعب المصري على مر العصور على الأوراق المكتوبة، وأصبح هناك ثقافة لدي هذا الشعب مضمونها أن أي خدمة لا تقدم إلا من خلال ملف أوراق، و لا يعترف بالتطور التكنولوجي، والتعاقد عبر الانترنت أو التليفون، ولا يقتنع بإبرام أي تصرف حتى لو كان شكلياً إلا من خلال توثيقه بالشهر العقاري.
ثالثاً: الآثار الاقتصادية للظاهرة على الاقتصاد المصري.
يمكن إجمال أهم الآثار الاقتصادية السلبية لظاهرة الكذب الموثق في التالي:
(1) خسائر تصيب الدولة.
الشهر العقاري من الجهات الخدمية غير الربحية، من ثم فإن الدولة تتكبد نفقات لتوثيق كل محرر صوري يفوق ما يدفعه صاحب الشأن من رسوم، حيث يشترك في تنفيذ كل إجراء 6 موظفين بصفة مباشرة، ومثلهم بصفة غير مباشرة، في حين أن رسوم الاجراء قد تكون 10 جنيهات، أو 15 جنيه، ومن ثم تتكلف الدولة مصاريف مكاتب ونفقات اضاءه واتصالات وأوراق ودفاتر وحفظ ومرتبات وحوافز لأجل تنفيذ إجراء صوري أو كذب مكتوب. ولك أن تتخيل مقدار الخسائر الناتجة عن توثيق الألاف من الأوراق الصورية يوميا.
(2) إضاعة وقت العمل الرسمي ووقت الجمهور.
أكتر من 95% من مكاتب الشهر العقاري ما زالت حتى اليوم تعمل بنظام الكتابة اليدوية والدفاتر المصممة منذ عام 1946، الأمر الذي يتطلب معه وقت أكبر لتنفيذ الاجراء، ويترتب على تنفيذ هذه الأعمال الصورية اضاعة وقت موظفي الشهر العقاري وكذلك وقت الجمهور. الأمر الذي يتسبب في خسائر مزدوجة للشهر العقاري من جانب، وللأفراد من جانب آخر، وفي المحصلة النهائية خسائر للاقتصاد المصري.
ولما كان وقت العمل الرسمي لموظف الخدمة العامة في مختلف مؤسسات الدولة، ودوائرها الرسمية بشكل عام يشكل قيمة اقتصادية وإدارية حقيقية، فإن الاهتمام واستغلال هذا الوقت بشكل فعال؛ يعد من أهم المسائل التي تتطلب البحث والدراسة والاهتمام؛ حتى نضمن الوصول إلى أقصي درجات الإنتاجية للمؤسسات الحكومية والعاملين بها.
على الجانب الآخر تتسبب هذه الظاهرة في ضياع وقت الجمهور الذين هم فئات الشعب المختلفة من شباب ورجال أعمال، وموظفين وأطباء ومهندسين ومدرسين وغيرهم من كافة الفئات وتختلف قيمة الوقت لديهم، ولكن في المحصلة النهائية، نجد أن آلاف الساعات من الطاقة البشرية يوميا تضيع لأجل تنفيذ أعمال ليست ذات قيمة، وضياع هذا الوقت بدون استغلال هو إهدار للقوي البشرية التي تعد أغلي ما نملك.
رابعاً: علاج ظاهرة الكذب الموثق.
لا عجب أن نجد المصارف في الدول المتقدمة تقوم بدفع كل الفواتير المترتبة على الإنسان في تلك الدول من التأمين الصحي والماء والكهرباء والهاتف وقسط المنزل وأقساط التأمين على الحياة. على العكس مما سبق نجد المصريون ما زالوا حتى اليوم يقضون معظم أوقاتهم في الذهاب لدفع فواتير الهاتف والماء والكهرباء والنظافة وتجديد أوراق السيارة وتسجيل معاملات البيع والشراء واستخراج براءات الذمة وتجديد الأوراق الشخصية المنتهية الصلاحية، كل ذلك من خلال عمليات روتينية وبيروقراطية عقيمة مدمرة للجهد والوقت.
لذلك تتضمن استراتيجية علاج ظاهرة الكذب الموثق القضاء على البيروقراطية من جانب، وتطوير الشهر العقاري من الجانب الآخر.
(1) القضاء على الروتين والبيروقراطية المصرية.
غالبية حالات الكذب الموثق يقوم بها المواطن مضطراً لاشتراط ذلك لأداء خدمة معينة، ومن ثم وللقضاء على هذه الظاهرة يلزم القضاء على الروتين والبيروقراطية التي تستلزم أوراق شكلية ليس لوجودها أي داعي، ولا لغيابها أي تأثير، سوى مجرد شكليات وبيروقراطية عقيمة، تنتشر في جميع الجهات الحكومية، والأمثلة كثيرة كما ذكرنا أعلاه.
وللأسف نجد أن جميع موظفي الدولة يقوم بهذه الاجراءات المعقدة ويطلبها من صاحب الشأن، وإذا سأُل عن سبب طلبها يرد "مجرد روتين" والمعني أن الموظف مقتنع تماما بأنه روتين وليس ذي أهمية، ومن ثم وللقضاء على البيروقراطية يتطلب من كل جهة وضع تصورها لحل المشكلة وفق أطر علمية صحيحة، واستغلال طاقة الشباب المؤهل، وخاصة حاملي الماجستير والدكتوراه، العاملين في الحكومة، والنظر لهذه الحلول من قبل الحكومة بعين الاعتبار ووضعها في اطار التنفيذ.
(2) تطوير مكاتب الشهر العقاري بما يناسب العصر والتطور التكنولوجي.
مصلحة الشهر العقاري من أهم المصالح في مصر لارتباطها بالمواطنين بصفة يومية دورية مستمرة، وإذا كان العالم تطور في كل المجالات، فإن التطور قد طال بعض المصالح والجهات الحكومية المصرية، إلا أنه مازال بعيدا عن الشهر العقاري، ولك أن تتخيل أن نظام العمل الحالي بالشهر العقاري والدفاتر وتقسيم العمل مصمم منذ عام 1946. فإذا افترضنا أن موظف يعمل في الشهر العقاري في فترة الخمسينات وأصيب بغيبوبة واستمرت الغيبوبة حتى اليوم، وأذن الله له بالعودة للإفاقة وتفقد الشهر العقاري في 2015 سيجد هذا الموظف نظام العمل وكأنه تركه بالأمس وليس من 60 سنة.
وقد حاولت المصلحة تطوير العمل بالشهر العقاري بتطبيق نظام الحاسب في بعض المكاتب كعينة على مستوي الجمهورية، إلا أنها لم تعمم، كما أن التجربة هذه لم تطور العمل بل مجرد حولت العمل من يدوي إلي العمل باستخدام الحاسب، دون أي تطوير في نظام العمل والتوثيق وغيرها من الأمور التي يمكن أن تفيد المصلحة وتخدم المواطن وتساهم في تطور الاستثمار وحركة التجارة والصناعة وبصفه عامة الاقتصاد المصري. وعلى الأقل سيتم إنجاز الأعمال بشكل أسرع ويتم اختصار وقت الموظفين ووقت الجمهور، وبناء عليه التقليل من الآثار السلبية لظاهرة الصورية والكذب الموثق.
ساحة النقاش