العدالة الاجتماعية في الإسلام

د. شعبان عبده ابو العز المحلاوي

   أرسى الإسلام العديد من القواعد والأسس التي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع. ومن أهم هذه الأسس، العدالة الاجتماعية بما تحمله من معاني وقيم رفيعة تساعد على القيام بمجتمع يتمتع بالسلام والإخاء والمحبة والرخاء. والعدالة في الإسلام لا تطبق فقط على المسلمين، إنما جعلت لجميع أفراد المجتمع بغض النظر عن معتقداتهم. ويمكن تعريف مفهوم العدالة الاجتماعية بحسب الرؤية الإسلامية بأنها، رعاية الحقوق العامة للمجتمع والأفراد، وإعطاء كل فرد من أفراد المجتمع ما يستحقه من حقوق واستحقاقات، والتوزيع العادل للثروات بين الناس، والمساواة في الفرص، وتوفير الحاجات الرئيسية بشكل عادل، واحترام حقوق الإنسان المعنوية والمادية([1]).

أولاً: المساواة بين الناس.

    المساواة المطلوبة بين الناس هي رفض التمييز والترجيح بينهم على أسس عنصرية. ومن جهة أخري يجب مراعاة المساواة مع تساوي الاستحقاق، وإلا فإن مساواة المبدع بالبليد والكسول بالنشيط ليس من العدالة في شيء. وما تعانيه المجتمعات اليوم من مشاكل مزمنة يعود في جزء منها إلى انتشار الواسطة والمحسوبية في الحياة العامة، وانعدام تكافؤ الفرص بين الناس، والتمييز على أسس مختلفة، مما يؤدي إلى تأخر المجتمع، وغياب العدالة الاجتماعية.

     فالكثير من المجتمعات كانت ولا زالت تعاني من أشكال مختلفة من التمييز بين الناس على أسس عنصرية، وهذا هو عين الظلم الذي حاربه الإسلام؛ فعندما جاءت رسالة الإسلام رفض ما كان سائدا من التمييز بين الناس. فالتمييز بأشكاله المختلفة يمثل تحدياً كبيراً، وعائقاً قوياً، أمام تطبيق العدالة الاجتماعية. وأنه لا حل لذلك إلا بتطبيق مبدأ المساواة في كل الحقوق والواجبات. 

    كما كفل الإسلام مساواة تامة للمرأة مع الرجل من حيث الحقوق الإنسانية. ولم يقر التفاضل إلا في بعض الملابسات المتعلقة بالاستعداد أو التبعة، ومن ثم فإن الإسلام كفل للجنسين حقوقاً اجتماعية واقتصادية وسياسية.

    حقوق العمل متساوية بين المرأة والرجل وفق قواعد الإسلام، فالنساء شقائق الرجال كما قال الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم. فحق المرأة واضح في الإسلام بالمساواة التامة مع الرجل في كافة الأعمال سواء كانت دينية أو دنيوية، فطالما عملت المرأة ستجد الإسلام يعطيها الأجر كاملاً، حيث يقول تعالي: "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثي بعضكم من بعض"([2]). فمن حق المرأة أن تمنح أجرها كاملا، وبمساواة تامة مع الرجل، ما دامت الكفاءة واحدة والعمل واحد والوقت كذلك([3]).

    كما كفل الإسلام للمرأة الحق في التعليم، ذلك أن الإسلام جعل العلم نور والجهل ظلمة، وجعل الفرق بين العالم والجاهل كالفرق بين الوجود والعدم، لذا كانت المرأة كالرجل في هذا الأمر، ورخص لها الخروج لطلب العلم، والتفقه في الدين. فعن سعيد الخدري قال: قالت النساء للنبي صلي الله عليه وسلم، غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن.

    منح الإسلام المرأة الأهلية الاقتصادية والمالية الكاملة، فهي تتحمل الالتزامات وتكتسب الحقوق الناجمة عن تصرفاتها. وأعطاها الإسلام ذمة مالية مستقلة كما منحها الإسلام حق الميراث، فقال تعالي: "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون"([4])، ويقول أيضاً: "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"([5]). الأمر الذي يعني أن الإسلام منح للمرأة حرية التملك وحرية التصرف.

   إن الإسلام فرض الحقوق وسن الواجبات على المرأة في المجتمع الإسلامي حتى يتكامل العطاء البشري للمرأة المسلمة، حتى أن البعض من المسلمين أشار إلى أن وجود المرأة في المجالس التشريعية والنيابية له أهميته، لأنها تعين على ترشيد القرارات المتعلقة بتشريعات المرأة والأسرة ولا تكفي إنابة الرجال عنها ما دامت المرأة قادرة على التعبير عن إرادتها، فلا يُقضي وصاحب الحق موجود([6]).

ثانياً: التوزيع العادل للثروات (العدالة الاقتصادية).

   إن مشكلة المشاكل في عالم اليوم هي غياب التوزيع العادل للثروات، وتركز الثروات عند فئة قليلة من الناس في حين تعيش الأغلبية في فقر مدقع، وبذلك يزداد الثري ثراءً والفقير فقراً، نتيجة سوء توزيع الدخول وأصبح الناس يعيشون بين الفقر المذل والثراء المضل([7]). والتوزيع العادل للثروات بين الناس يعد ركناً هاماً من أركان العدالة الاجتماعية؛ وبدونه تنعدم العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروات وفق التصور الإسلامي يرتكز على الاهتمام بالطبقات الضعيفة، والمساواة في الحقوق المتكافئة.

1 – الاهتمام بالطبقات الضعيفة.

   الطبقات المحرومة والضعيفة وأصحاب الدخول المحدودة بحاجة إلى دعم ومساعدة؛ حتى يستطيعوا أن يعيشوا بكرامة وعزة؛ ولذلك وللقضاء على إشكالية الفقر، وسوء توزيع الدخل جمع الإسلام بين الضمان الاجتماعي، والتكافل الاجتماعي. لقد كفل الإسلام العيش الكريم لكل من يقيم بأرضه، ويخضع لحكمة، وينعم بعدله وبره من المسلمين وغيرهم، وألزم الدولة الإسلامية بأن توفر حد الكفاية لا حد الكفاف لرعاياها من المأكل والمشرب والملبس والمسكن بل والمركب، كما يقول بعض المجتهدين([8]).

     ويراد به – الضمان الاجتماعي - التزام الدولة الإسلامية نحو كافة المقيمين بها، آياً كانت دياناتهم أو جنسياتهم، وذلك بتقديم المساعدة للمحتاجين منهم في الحالات الموجبة بتقديمها كمرض أو عجز أو شيخوخة، متى لم يكن لهم دخل أو مورد يوفر لهم حد الكفاية، ودون أن يطلب تحصيل اشتراكات مقدماً([9]).

     والتكافل الاجتماعي هو التزام الأفراد بعضهم نحو بعض، وهو لا يقتصر في الإسلام على مجرد التعاطف من شعور الحب والبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يشمل أيضاً التعاطف المادي بالتزام كل فرد من أفراد المجتمع قادر بعون أخيه المحتاج، ويتمثل فيما يسميه رجال الفقه الإسلامي بحق القرابة، وحق الماعون، والتزام الضيافة، وغيرها من الحقوق.

2 – المساواة في الحقوق المتكافئة.

   لقد قرر الإسلام مبدأ تكافؤ الفرص، ومبدأ العدل بين الجميع، ثم ترك الباب مفتوحا للتفاضل بالجهد والعمل، ذلك أنه مع اختلاف الاستحقاق والمؤهلات لا مانع من الاختلاف في العطاء، بل يجب عدم المساواة حينئذ، لأن اختلاف القابليات والقدرات العقلية، والمؤهلات العلمية والعملية، يستدعي اختلاف العطاء.

   وما ورد في مبادئ الإسلام من المساواة في العطاء، إنما هو في المال الذي يعطي للفقراء من بيت مال المسلمين وليس مطلقاً. أما المساواة في الحقوق المتكافئة يقصد بها المساواة في توزيع الثروات مع تساوي الحقوق والاستحقاقات، فلا يفضل في نفس الوظيفة وبنفس المؤهلات موظف على آخر لأي سبب كان، كاللغة أو اللون أو المذهب أو ما شابة ذلك من اعتبارات([10]).

   وإذا كان الناس يتفاوتون في كفايتهم وفي مقدار ما يبذلونه من جهد، فإنه من الطبيعي، أن يتفاوتوا في مقدار ما يحصلونه من دخل، ويكونونه من ثروة. فالتفاوت في الدخول والثروات أمر طبيعي، باعتباره حافزاً على الجد والعمل، إذ لو تساوي الجميع في توزيع الثروة أو تقاضي كل الأفراد دخولاً متقاربة لما عني أحدهم بزيادة جهده([11]). وعليه فإن اغتناء الناس وتفاوتهم في أرزاقهم ومعيشتهم، ورفع بعضهم فوق بعض درجات وتفضيل بعضهم على بعض، ليس في الإسلام اعتباطا، وإنما هو بقدر ما يبذلونه من جهد وعمل، فالمساواة بين الجميع مع اختلاف قدراتهم ومؤهلاتهم يعد من الظلم الذي يرفضه الإسلام. 

ثالثاً: احترام حقوق الإنسان.

    إذا كانت حركة حقوق الإنسان قد نشطت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وإذا كانت الدساتير والتشريعات الوطنية قد تضمنت هي الأخرى العديد من النصوص المقررة لحقوق الإنسان تمشياً مع الروح العالمية دفاعاً عن الإنسان والإنسانية في أعقاب مجازر الحرب العالمية الثانية، فإن المصدر الديني لحقوق الإنسان ممثلا في الشريعة الإسلامية قد أقر هذه الحقوق منذ أربعة عشر قرنا([12]). وفي ذلك يقول الشيخ محمد الغزالي: إن آخر ما أملت فيه الإنسانية من قواعد وضمانات لكرامة الجنس البشري كان من أبجديات الإسلام، وأن إعلان الأمم المتحدة  لحقوق الإنسان ترديد عادي للوصايا النبيلة التي تلقاها المسلمون عن الإنسان الكبير والرسول الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم([13]).

ووفقاً للبيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام، الذي يمثل جهداً طيباً لكبار مفكري العالم الإسلامي، الذين اتفقوا على بنود حقوق الإنسان، في ذلك البيان المعلن بمناسبة بداية القرن الخامس عشر الهجري، والصادر في باريس يوم 21 ذي القعدة 1401 هـ، الموافق 19 سبتمبر 1981. وقد ورد في ديباجته ما يلي:

   نحن معشر المسلمين على اختلاف شعوبنا وأقطارنا وانطلاقاً من رؤيتنا الصحيحة في ضوء كتابنا المجيد لوضع الإنسان في الكون والغاية من إيجاده، والحكمة من خلقه، نعلن هذا البيان باسم الإسلام، عن حقوق الإنسان، مستمدة من القرآن الكريم والسنة المطهرة. إن إعلان هذه الحقوق هو المدخل الصحيح لإقامة مجتمع إسلامي حقيقي.

   وتتمثل حقوق الإنسان في الإسلام في الحق في الحياة، حق الحرية، حق المساواة، حق الفرد في محاكة عادلة، حق الحماية من تعسف السلطة، حق الحماية من التعذيب، وحق الفرد في حماية عرضه وسمعته، وحق اللجوء، والمشاركة في الحياة العامة، حرية التفكير والعبير والاعتقاد، الحقوق الاقتصادية وحماية الملكية، حق الفرد في كفايته من مقومات الحياة، حق بناء الأسرة، حق الفرد في حماية خصوصياته، حرية الارتحال والإقامة.

 



([1]) الشيخ / عبدالله أحمد اليوسف، العدالة الاجتماعية في القرآن الكريم، الطبعة الأولي، بدون دار نشر، 2008 ، ص 28.

([2]) سورة آل عمران: الآية 195.

([3]) د / إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي: حقوق المرأة في الإسلام، سلسلة دراسات إسلامية الصادرة عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وزارة الأوقاف، العدد 198، الصادر في نوفمبر 2011، ص 5. 

([4]) سورة النساء: الآية 7.

([5]) سورة النساء: الآية 32.

([6]) د / إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي: حقوق المرأة في الإسلام، مرجع سابق ، ص 106. 

([7]) عبد الغفار شكر: العدالة الاجتماعية المنسية، جريدة الأهرام، العدد الصادر في 1 أكتوبر2011، ص 8. 

([8] ) د / حسين حامد حسان : واجب الدولة في توفير حد الكفاية ، مجلة الاقتصاد الإسلامي , الصادرة عن بنك دبي الإسلامي , العدد 317 سبتمبر 2007، ص 64 .

([9] ) د / محمد شوقي الفنجري : الإسلام والتوازن الاقتصادي بين الأفراد والدول, مرجع سابق, ص 59.

([10]) الشيخ / عبدالله أحمد اليوسف، العدالة الاجتماعية في القرآن الكريم، مرجع سابق، ص 64.

([11]) د/ محمد شوقي الفنجري: الإسلام والتوازن الاقتصادي بين الأفراد والدول، مرجع سابق، ص 83.

([12]) د / الشافعي محمد بشير: قانون حقوق الإنسان، مكتبة الجلاء الجديدة المنصورة، 1998، ص100.

([13]) د / الشافعي محمد بشير: قانون حقوق الإنسان، المرجع السابق، ص101.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 679 مشاهدة
نشرت فى 9 يناير 2013 بواسطة shabanElmahlaw

ساحة النقاش

دكتور / شعبان عبده أبوالعز المحلاوي

shabanElmahlaw
اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,158