مشكلة الفقر مع بيان أسبابها من المنظور الإسلامي
د. شعبان عبده أبو العز المحلاوي
في قراءة لما تتناوله الصحف المحلية يومياً، من أخبار، وتقارير، ومحاضرات وندوات، ومقابلات، وحوارات صحفية، نجد أن مصطلحي الفقر والبطالة يتصدران كل الموضوعات الصحفية. ولو أتيح للشخص أن يحصي عدد الكلمات المتشابهة فيما ينشر في الصحف، لاحتلت كلمتا الفقر والبطالة القائمة الأولى بلا منازع، ليس على المستوى المحلى أو الداخلي فقط، بل على المستوى العربي والدولي .
وخلال النصف الثاني من القرن العشرين كثر الحديث عن الفقر والفقراء في أدبيات الأمم المتحدة، بالتوسّع من الظاهرة الاجتماعية في المجتمع الواحد إلى الظاهرة العالمية، بتصنيف البلدان إلى غنية وفقيرة. وبتحديد مقاييس ومؤشرات للفقر في مستوى البلدان، وكذلك الأفراد مع مراعاة النسبيّة؛ فالفقير في الصومال لا يُقاس بالمقاييس نفسها التي يقاس بها الفقير في أمريكا الشمالية. وتم تحديد يوم 17-19 أكتوبر من عام 2008 ميلادية، كيوم عالمي للفقر من قبل هيئة الأمم المتحدة.
وتضم دائرة الفقر بلـيون شخص في العالم، منهم 630 ملـيون في فقر شـديـد - حيث متوسط دخل الفرد يقل عن 275 دولار سنوياً - وإذا اتسعت الدائرة وفقا لمعايير التنمية البشرية لشملت 2 بليون شخص من حجم السكان في العالم البالغ حوالي 6 بليون نسمة، منهم بليون شخص غير قادرين على القراءة أو الكتابة، و 1.5 بليون شخص لا يحصلون علي مياه شرب نقية، وهناك طفل من كل ثلاثة يعاني من سوء التغذية، وحوالي 13 مليون طفل في العالم يموتون سنوياً قبل اليوم الخامس من ميلادهم لسوء الرعاية، أو لسوء التغذية، أو لضعف الحالة الصحية للطفل أو الأم نتيجة الفقر أو المرض([1]).
ولمحاولة تعريف الفقر فقد عرف البنك الدولي الدول منخفضة الدخل أي الفقيرة، بأنها تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن 600 دولار سنوياً، وعددها 45 دولة معظمها في أفريقيا، منها 15 دولة يقل فيها متوسط دخل الفرد عن 300 دولار سنويا([2]). ويضيف برنامج الإنماء للأمم المتحدة معايير أخرى تعبر مباشرة عن مستوي رفاهية الإنسان ونوعية الحياة، هذا الدليل وسع دائرة الفقر بمفهوم نوعية الحياة لتضم داخلها 70 دولة من دول العالم. أي هناك حوالي 45% من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل، أي هناك فقراء في بلاد الأغنياء، ونكتفي هنا أن نذكر أن هناك 30 مليون فرد يعيشون تحـت خط الفقـر في الولايات المتحدة الأمريكية بما يعادل نسبة 15 % من السكـان ([3]).
تنشأ المشكلة الاقتصادية – مشكلة الفقر - نتيجة تعدد الحاجات الإنسانية وتزايدها بصورة مستمرة، في ظل محدودية – ندرة - الموارد الاقتصادية المتاحة، والتي تستخدم لإشباع تلك الحاجات([4]). وتتصف المشكلة الاقتصادية بالعمومية؛ حيث تواجهها كل المجتمعات الإنسانية بصرف النظر عن طبيعة النظام الاقتصادي ودرجة التقدم الاقتصادي، غير أن حدتها تختلف من دولة إلى أخرى([5]). وبعبارة أخري مبسطة هي مشكلة الفقر الذي لا يعدو كونه مظهراً من مظاهر زيادة الحاجات مع قلة الموارد([6]).
وفي الفكر الاقتصادي الوضعي تتمثل مشكلة الفقر في ظاهرة الجوع والحرمان أو العجز عن إشباع الحاجات الأساسية، مما يعبر عنه أصحاب هذا الفكر باصطلاح حد الكفاف " Minimum Vital " مما يتعلق بمتطلبات البقاء، بمعني أن الفرد يعد فقيراً عندما لا تتوافر له متطلباته بالقدر الذي يحفظ له حياته وقدراته على العمل والإنتاج([7]).
وتتمثل عناصر المشكلة الاقتصادية في تعدد الحاجات الإنسانية، حيث تتصف الحاجات الإنسانية بالتنوع والكثرة والتطور والنمو المستمر مع التقدم الحضاري في حياة الإنسان، والندرة النسبية للموارد الاقتصادية. فالموارد الاقتصادية نادرة نسبياً والعرض المتاح منها محدوداً بالمقارنة بالطلب على السلع والخدمات. وهذا يتطلب المفاضلة بين الحاجات من ناحية أهميتها للمجتمع، وترتيب أولوياتها، وتحديد السلع والخدمات التي يتم إنتاجها أولاً([8]).
وتقسم الحاجات الإنسانية من حيث ضرورتها إلى مجموعات([9]):
* الحاجات الأولية والثانوية: ويقصد بالحاجات الأولية، تلك الحاجات التي لا تستمر حياة أفراد المجتمع دون تلبيتها مثل الطعام واللباس والسكن والتعليم والصحة. أما الحاجات الثانوية أو الكمالية فهي الحاجات التي تظهر مع ارتفاع مستوى الدخل في المجتمع .
* الحاجات المادية والحاجات غير المادية : وتسمي المنتجات التي تلبي النوع الثاني من الحاجات خدمات مثل الصحة، والتعليم، والقضاء .
* الموارد: هي مجموعة الأشياء والوسائل التي تستخدم في عمليات الإنتاج لصنع الوسائل التي تلبي حاجات الأفراد، والتي يطلق عليها اسم سلع عندما تصبح قابلة للاستخدام في عملية إنتاجية.
ولكن إذا كان هذا هو المفهوم الوضعي للمشكلة الاقتصادية، فإن التساؤل المثار هنا حول رؤية الإسلام للمشكلة الاقتصادية، فهل هناك مشكلة اقتصادية من وجهة نظر الإسلام ؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب فما هي أسبابها ؟
أولاً : التصور الإسلامي لمشكلة الفقر .
إن من أعظم المصائب التي لحقت بأمة الإسلام في هذا العصر ما حل بأبنائها من فقر واحتياج، وعوز لم تشهد مثله من قبل، رغم ما تعجّ به بلادها من ثروات وخيرات هائلة، منها الزراعية، ومنها المائية، ومنها الظاهر، ومنها الدفين كالطاقة التي هي عصب الحياة الصناعية وروحها، ومنها ما يتعلق بعمقها الجغرافي، ومنها ما يتعلق بعمقها البشري. أضف إلى ذلك أنها تحيا في عصر التقنية، والتطور المادي وسرعة الاتصال ويسر المواصلات. رغم كل هذا تجدها - أي الأمة الإسلامية- تصنف في عداد الأمم الفقيرة.
وتتمثل مشكلة الفقر في الفكر الاقتصادي الإسلامي في عدم بلوغ المستوي اللائق للمعيشة بحسب ما هو سائد في المجتمع، مما يختلف باختلاف الزمان والمكان ومما عبر عنه فقهاء المسلمون باصطلاح حد الكفاية Minimum de Suffisance مما يتعلق بمتطلبات الحياة الكريمة، وأحياناً باصطلاح حد الغني Minimum de Richesse بمعني أن يعد الفرد فقيراً متى لم تتوافر له متطلباته بالقدر الذي يجعله في بحبوحة وغنى عن غيره([10]).
والفقر في اللغة الاحتياج ، يقال فقر وافتقر ضد استغنى، وافتقر إليه احتاج، فهو فقير، جمعه فقراء، أفقره ضد أغناه، والفقر مصدر، ضد الغنى، وذلك أن يصبح الإنسان محتاجاً وليس له ما يكفيه. والفقير في الشرع هو المحتاج الضعيف الحال([11]). ونظر الإسلام إلى الفقر نظرة واحدة لا تختلف باختلاف زمان أو مكان، أو بانحطاط مدني أو تقدم، فاعتبره عدمَ إشباع الحاجات الأساسية إشباعاً كاملاً، وقد حدد الشرع هذه الحاجات الأساسية بثلاث هي: المأكل، والملبس، والمسكن.
قال تعالى : "وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ "([12])، وقال أيضاً: "أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ "([13]). وروى ابن ماجه عن أبي الأحوص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهنّ كسوتهنّ وطعامهنّ"؛ وعليه فالحاجات التي يعتبر عدم إشباعها فقراً هي الطعام والكسوة والمسكن، أما ما عداها فيصنف ضمن الحاجات الكمالية التي لا يشكل عدم إشباعها مشكلة([14]).
وقد توسع البعض في تعريف الفقر ذاهباً إلى أن وفرة الغذاء ليست هي المشكلة، وعملية تحسين الإنتاج وزيادة كمياته ليست هي فقط الحلول؛ ولكن المحافظة على الإنسان وتمكينه من استهلاك وشراء هذه السلع هما المطلوبان. وإن النظام الاقتصادي يعدّ خالياً من آليات التوزيع والاستفادة منه، وذلك هو الحل الوحيد لكل المشكلات الاقتصادية العالمية. ويعد الإسلام هو الحل البديل لمشكلة الفقر في العالم؛ ذلك الحل الذي هو من صنع الله، وليس من قبل أي من البشر.
والإسلام يرى أن الفقر هو أن يكون الإنسان محتاجاً؛ أي أنه لا يملك ما يحتاجه لكفاية ذاته. وأما الفقير فهو ذلك المحتاج الذي يمر بوقت عصيب، ولكنه لا يمد يده للسؤال. ويخالف الإسلام الرأي القائل بأن مسألة الفقر ليس لها مقياس ثابت بمعنى أن عدم وجود الكماليات والرفاهية في مجتمع أمريكي أو أوروبي مثلا يعتبر فقراً، أما الفقر في مصر أو العراق فهو يعني عدم وجود الاحتياجات الأساسية. ويرى الإسلام أن هذا الرأي ينظر للمسألة بمعايير نسبية وليست واقعية، في حين أن المشرع لا يمكن أن يسن قانوناً يختلف من شخص إلى آخر، ولكنه جاء من أجل البشرية جميعها. والفقر في الشريعة الإسلامية يعني النقص في الاحتياجات الأساسية والتي حددها الشرع في ثلاث نقاط وهي الأكل والملبس والمعيشة الجيدة([15]).
يتبين مما سبق أن الفقير في المفهوم الإسلامي، فرداً كان أو دولة، هو من يعيش في مستوي تفصله هوة سحيقة عن المستوي السائد في المجتمع المحلي والعالمي. أي بعبارة أخري هو من لا يتوافر له المستوى اللائق للمعيشة بحسب الزمان والمكان، وباصطلاح الفكر الاقتصادي الإسلامي هو من لا يتوافر له حد الكفاية أو حد الغني، لا حد الكفاف .
اصطلاح "حد الكفاية" أو "حد الغني" .
حد الكفاف هو الحد الأدنى للمعيشة من مأكل وملبس ومأوي مما بدونه لا يستطيع المرء أن يعيش وينتج، فهو غير قابل للنقصان، ولا يختلف إلا باختلاف القوي الشرائية في كل زمان ومكان. بخلاف حد الكفاية فهو مستوي أرقي من المعيشة، وهو بالتالي قابل للزيادة، ومن ثم يختلف باختلاف مستوى التقدم في كل زمان ومكان([16]).
واصطلاح حد الكفاية أو حد الغني وإن لم يرد صراحة في نص من نصوص القرآن أو السنة، إلا أنه يستفاد من روح هذه النصوص. وقد ورد صراحة في تعبيرات كثيرة من أئمة وعلماء الإسلام، وكذا في مختلف كتب الفقه لاسيما بمناسبة بحث الزكاة التي هي بالتعبير الحديث مؤسسة الضمان الاجتماعي في الإسلام. فيقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إذا أعطيتم فأغنوا". ويقول على بن أبي طالب كرم الله وجهه: "إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم". ويقول الإمام المارودي في كتابه الأحكام السلطانية " فيدفع إلى الفقير والمسكين من الزكاة ما يخرج به من الفقر والمسكنة إلى أدني مراتب الغني"([17]).
نخلص إلى أن المشكلة الاقتصادية في الإسلام لم ترتبط منذ البداية بهدف توفير الضروريات الأساسية للمعيشة، وإنما بهدف رفع مستوي المعيشة وتحسينه، لا مجرد توفير الضروريات الأساسية.
ثانياً : أسباب مشكلة الفقر .
للإسلام تشخيص معين لمشكلة الفقر يختلف عن التشخيص الرأسمالي، وكذا التشخيص الاشتراكي, ونتناول أسباب الفقر في الأنظمة الوضعية، وكذلك أسباب الفقر من منظور الإسلام ، وفق التقسيم التالي :
(1) أسباب الفقر في الأنظمة الوضعية .
ينطلق الرأسماليون([18]) في نظرتهم للفقر من نظرتهم للمشكلة الاقتصادية التي يسعون لحلها، ويسمونها نظرية الندرة النسبية للسلع والخدمات. والتي تنص على كثرة الحاجات، وقلة وسائل إشباعها - الموارد - أي عدم كفاية السلع والخدمات الموجودة في هذا الكون لإشباع حاجات الإنسان المتجددة والمتزايدة إشباعاً كلياً([19]). رغم أنه من الناحية النظرية البحتة يمكن لموارد الكرة الأرضية إطعام نحو عشرة مليارات شخص([20]).
سوء التوزيع هو سبب المشكلة الاقتصادية من وجهة نظر الاقتصاد الاشتراكي([21])؛ ويقصد به التفاوت بين الثروات أو بين الدخول في المجتمعات، ويرتبط سوء التوزيع بالاحتكار والظلم وسيطرة حفنة من المرابين على المصارف، وأسواق المال والنقد وتسلطهم على كافة المرافق، ووسائل المعيشة والإنتاج؛ مما يؤدي إلي صعوبة مقاومتهم أو إصلاح الأحوال المعيشية للفقراء([22]). ولعل هذا التفاوت أو سوء التوزيع هو ما جعل بعض المفكرين يرون أن الفقر لا يقبل المحو من الوجود طالما أنه لا يمكن اتحاد أسباب الرزق، أو اتحاد القوي واتحاد الأجواء المادية والفكرية .
نخلص إلى أن أسباب الفقر من المنظور الوضعي تتمثل في ندرة الموارد، وتعدد الحاجات، أو سوء التوزيع, وقد تعود ندرة الموارد إلى العوامل الطبيعية السيئة؛ ومنها السيول والأوبئة والرياح الشديدة العاصفة، أو العوارض السماوية التي تذهب بالزرع أو الماشية أو التجارة أو المساكن وغيرها من أصناف المال. وقد تعود ندرة الموارد إلى الفقير نفسه؛ نظراً لعجزة عن الحصول على الدخل اللازم لإشباع احتياجاته وضعف قدراته أو المواهب البدنية والفكرية لديه([23]).
(2) أسباب الفقر من المنظور الإسلامي .
يتفق الإسلام مع الأنظمة الوضعية في الإقرار بمشكلة الفقر، إلا أنه يختلف عن الأنظمة الوضعية في تحليله لأسباب المشكلة؛ فمشكلة الفقر في التشخيص الإسلامي مردها الإنسان نفسه، وفساد نظامه الاقتصادي سواء من حيث ضعف الإنتاج أو سوء التوزيع. وقد يكون سبب مشكلة الفقر راجعاً إلى الإنسان نفسه من خلال ابتعاده عن منهج الله، وعدم تعظيمه لحرمات الله .
أ - ندرة الموارد وتعدد الحاجات من وجهة نظر الإسلام.
من حيث المبدأ يؤكد الإسلام على جزيل عطاء الله لخلقه، فقد مهد لنا المولي عزوجل كل شيء على الأرض وفي باطنها، ويكفي أن نستشهد بقول الحق تبارك وتعالي: " الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار"([24]). وكذلك قال: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور"([25]). فنعم الله علينا لا تعد ولا تحصي، وقول الله تعالي: " الم تروا أن اللّه سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في اللّه بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير"([26]). والإسباغ يفيد الوفرة والغزارة، والنعم منها ما هو ظاهر ومعروف ومنها ما هو باطن يتطلب السعي والبذل والعمل([27]).
ولهذا فإن الموارد قد تكون موجودة ولكنها بحاجة إلي جهد الإنسان، وعمله وعلمه حتى يكتشفها ويطورها ويحسنها، ومن ثم قد ترجع ندرة الموارد في الإسلام إلي:
* قد يكون مرجع الندرة لعدم علم الإنسان بالموارد؛ نظراً لتكاسل الإنسان وعدم سعيه([28])؛ ومثال ذلك اكتشاف البترول في باطن الأرض خلال القرن الماضي فقط، رغم وجوده بها منذ آلاف السنين. وقد يرجع ذلك إلي الانخفاض الملاحظ في مستوى التعليم وقلة الخبرات الفنية في كثير من الأقطار الإسلامية، مع قلة السعي وانخفاض الجهود المبذولة لتحسين الإنتاج وزيادة درجة الإنتاج([29]).
* قد يكون مرجع الندرة سوء استغلال الموارد، ويكون سوء الاستغلال في استخدام الموارد من خلال البعد عن الآداب الإسلامية التي يحث عليها خاتم الأديان، والتي منها الحرص على حفظ النعمة والاعتدال في الإنفاق من غير إفراط ولا تفريط ([30]).
* قد يكون مرجع الندرة سوء توزيعها، بأن يسيطر عليها أقلية من الأفراد ويبقي الأغلبية في حاجة أو يعيشون علي القليل، ومن هنا تظهر مشكلة الندرة([31]).
تعدد الحاجات .
يتفق الإسلام مع الأنظمة الوضعية في اعترافه بتعدد حاجات الإنسان، ولكنه يختلف معها في تحديد مفهوم الحاجة وحدودها. إذا كانت الحاجة في الأنظمة الوضعية صارت غاية في حد ذاتها، فإنها ليست كذلك من وجهة نظر الإسلام؛ فالحاجة آياً كانت صورتها ليست أكثر من وسيلة لتحقيق غاية أسمي وأعظم؛ ألا وهي إعانة الإنسان على البقاء حتى يتمكن من عبادة الله .
كما أن الحاجة في الإسلام ليست لانهائية؛ فالحاجة لها حدود شرعية تحدها، كما أنها يجب أن تتفق مع تعاليم الإسلام التي هي في صالح الإنسان في النهاية؛ فعندما يدعونا المولي عزوجل إلى الاعتدال في المأكل والمشرب " .. وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يجب المسرفين"([32])، إنما هي دعوة إلى عدم التبذير حتى نحافظ على الموارد التي أنعم الله بها علينا .
كما أن الإنسان المؤمن حق الإيمان مقيد في احتياجاته بتعاليم الإسلام؛ وذلك بأن يبتعد عن كل ما هو ضار، ومن ثم محرم مثل الخمور والكحوليات والميتة، والدم ولحم الخنزير. فهذه الأشياء بالإضافة لكونها إهدار للموارد التي كان من الممكن توجيهها نحو مجالات أصلح, فإنها ضارة صحياً.
ب - سوء التوزيع.
إن نعم الله التي خلقها من أجل البشرية، وذللها لاستعمالها واستغلالها لا تخص فئة أو طائفة بعينها من خلق الله، وحتى لو حدث أن بعض هذه النعم قد وضعت تحت سلطة بعض الناس، فإن للآخرين حقوقاً فيها لا يمكن إنكارها ، فالله سبحانه وتعالي يدين وينكر ادعاء بعض الأغنياء أن ما أعطوه إنما كان خاصاً لهم من دون الناس، وأن لو أراد الله لأعطى الفقراء، وهذا ما عبرت عنه الآية الكريمة: " وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين"([33]). وعن سيدنا على بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: " ما جاع فقير إلا بما شبع غني" وعن السلف الصالح " ما من سرف إلا وبجواره حق مضيع"([34]).
فمشكلة الفقر في الإسلام مردها الإنسان نفسه، وفساد نظامه الاقتصادي سواء من حيث ضعف الإنتاج أو سوء التوزيع, وقد رتب الإسلام على ذلك ضرورة تنمية الإنتاج مع عدالة التوزيع، وأن أحدهما لا يغني عن الآخر، فوفرة الإنتاج مع سوء التوزيع هو احتكار واستغلال لا يسلم به الإسلام، كما أن عدالة التوزيع دون إنتاج كاف هو توزيع للفقر مما يرفضه الإسلام .
ج – الابتعاد عن منهج الله .
لا تستقيم حياة يذهب فيها كل فرد إلى الاستمتاع بحريته المطلقة إلى غير حد ولا مدي، يغذيها شعور بالتحرر الوجداني المطلق من كل ضغط وبالمساواة المطلقة التي لا يحدها قيد ولا شرط، فإن الشعور على هذا النحو يحطم المجتمع كما يحطم الفرد ذاته. فللمجتمع مصلحة عليا لابد أن تنتهي عندها حرية الأفراد، وللفرد ذاته مصلحة خاصة في أن يقف عند حدود معينة في استمتاعه بحريته، لكي لا يذهب مع غرائزه وشهواته ولذائذه إلي الهلاك، وحتى لا تصطدم حريته مع حرية الآخرين، فتقوم المنازعات التي لا تنتهي .
والإسلام يمنح الحرية الفردية في أجمل صورها والمساواة الإنسانية في أدق معانيها، ولكنه لا يتركها فوضي، فللمجتمع حسابه وللإنسانية اعتبارها، وللأهداف العليا للدين قيمتها، لذلك يقرر الإسلام قواعد ومباديء وحرمات، يعاقب مخالفها بالحرمان من النعمة في الدنيا، إلا جانب الجزاء الأخروي، ومنها :
- الربــا . وهو من المهلكات الواضحة للأموال ، حيث قال تعالي : "يمحق الله الربا ويربي الصدقات"([35]).
- الإسراف والتبذير. نهي الإسلام عن التبذير وذلك في قول الله تعالي: " ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"([36]).
- عدم شكر النعم وذلك في قوله تعالي: " وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون"([37])
- الظلم والبغي والإفساد في الأرض على مستوي الحكومات والأفراد والمجتمعات. وذلك في قوله تعالي: " ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون"([38]).
([1] ) فقر : من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة : 18-1-2010 en.wikipedia.org/wiki/Poverty
([2] ) 19-1-2010 www.newworldencyclopedia.org/entry/Poverty Poverty ;
([3] ) Poverty in the United States; en.wikipedia.org/wiki/Poverty_in_the_United_States 19-1-2010
([4] ) ، Poverty : Wikipedia, the free encyclopedia
18-1-2010 en.wikipedia.org/wiki/Poverty
([5] ) د / رضا عبد السلام : مبادئ الاقتصاد السياسي, الاقتصاد الجزئي ، دار الإسلام للطباعة والنشر, 2002، ص 93.
([6] ) د / محمد شوقي الفنجري : الإسلام والتوازن الاقتصادي بين الأفراد والدول, الطبعة الثانية, سلسلة قضايا إسلامية , تصدر عن وزارة الأوقاف , العدد 148 , يونيو 2007, ص 29.
([7] ) د / محمد شوقي الفنجري : الإسلام والتوازن الاقتصادي بين الأفراد والدول, المرجع السابق, ص 29.
([8] ) اقتصاد : من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة ,
18-1-2010 en.wikipedia.org/wiki/Poverty
([9] ) د / رضا عبد السلام : مبادئ الاقتصاد السياسي, الاقتصاد الجزئي , مرجع سابق , ص 94.
([10] ) د / محمد شوقي الفنجري : الإسلام والتوازن الاقتصادي بين الأفراد والدول, مرجع سابق, ص 30.
([11] ) من هو الفقير الذي تجب له الزكاة ؟ www.alokab.com/forums/index.php?showtopic=45127 18-1-2010
([14] ) الفقر بين الإسلام والرأسمالية:
www.al-waie.org/issues/225/article.php?id=P265_0_22_0_C 18-1-2010
([15] ) د / زيد بن محمد الرماني : الإسلام والفقر حلول عملية لكل زمان ومكان :
18-1-2010 www.al-jazirah.com/magazine/17122002/ab10.htm
([16] ) د / حسين حامد حسان : واجب الدولة في توفير حد الكفاية ، مجلة الاقتصاد الإسلامي ، الصادرة عن بنك دبي الإسلامي ، العدد 317 سبتمبر 2007 , ص 64 .
([17] ) د / محمد شوقي الفنجري : الإسلام والتوازن الاقتصادي بين الأفراد والدول, مرجع سابق, ص 36.
([18] ) أصحاب الاقتصاد الرأسمالي .
([19] ) الفقر بين الإسلام والرأسمالية: مرجع سابق .
([20] ) نورمان بورلوج : مقابلة أجرتها معه صحيفة " دي فيلت " الألمانية 2007 ، ونشرتها مجلة العربي الكويتية بالعدد 614 يناير 2010 ، ملحق العربي العلمي, ص 17. ونورمان بورلوج الحاصل على جائزة نوبل في السلام عام 1970 نظراً لأبحاثه لإنتاج أنواع جديدة من القمح والأرز قادرة على تحمل التقلبات الجوية واختلاف أنواع التربة , وهو ما ساعد دولاً مثل الهند والمكسيك والصين من مضاعفة إنتاجها ثلاث مرات على مدار عشر سنوات .
([21] ) د / محمد شوقي الفنجري : الإسلام والتوازن الاقتصادي بين الأفراد والدول, مرجع سابق, ص 37.
([22] ) د / محمد حسن العزازي : أسباب وآثار الفقر, بحث منشور بمجلة البحوث الإدارية, الصادرة عن أكاديمية السادات للعلوم الإدارية, عدد يوليو 2001 , ص4 .
([23] ) د / محمد حسن العزازي : أسباب وآثار الفقر, المرجع السابق , ص5 .
([27] ) د / رضا عبد السلام : مبادئ الاقتصاد السياسي, الاقتصاد الجزئي , مرجع سابق , ص 110.
([28] ) د / محمد منذر قحف : الاقتصاد الإسلامي، دار القلم ، بدون سنة نشر ، ص 55.
([29] ) د / زيد بن محمد الرماني : الإسلام والفقر حلول عملية لكل زمان ومكان :
18-1-2010 www.al-jazirah.com/magazine/17122002/ab10.htm
([30] ) د / زيد بن محمد الرماني : الإسلام والفقر حلول عملية لكل زمان ومكان : المرجع السابق .
([31] ) د / رضا عبد السلام : مبادئ الاقتصاد السياسي، الاقتصاد الجزئي ، مرجع سابق , ص 112.
([34] ) د / محمد شوقي الفنجري : الإسلام والتوازن الاقتصادي بين الأفراد والدول, مرجع سابق, ص 39.
ساحة النقاش