الزكاة
ودورها في محاربة الفقر
د. شعبان عبده أبو العز المحلاوي
لقد حارب الإسلام الفقر بالتشريع المتين الذي يشتمل على فريضة في الإنفاق، وعلى إيقاظ في الضمير؛ أما الفريضة فهي الزكاة التي جعلها الإسلام ركناً من أركانه، ودعامة من دعائمه، وكل مسلم لا يتم إسلامه إلا إذا أدى هذه الفريضة طيبة بها نفسه .
والزكاة في الإسلام هي أول نظام عرفته البشرية لتحقيق الرعاية للمحتاجين والعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع؛ حيث يعاد توزيع جزء من ثروات الأغنياء على الطبقات الفقيرة والمحتاجين. كما أنها طهرة لأموال المزكيَ وطهرة لنفسه من الأنانية والطمع والحرص وعدم المبالاة بمعاناة الغير. وهى كذلك طهرة لنفس الفقير أو المحتاج من الغيره والحسد والكراهية لأصحاب الثروات . وتؤدى الزكاة إلى زيادة تماسك المجتمع وتكافل أفراده والقضاء على الفقر، وما يرتبط به من مشاكل اجتماعية واقتصادية وأخلاقية إذا أحُسن استغلال أموال الزكاة وصرفها لمستحقيها.
أولاً : ماهية الزكاة :
الزكاة في اللغة هي الطهارة والنماء والبركة والمدح، وتطلق على ما يخرج من المال للمساكين من حقوقهم، لأنها تطهير للمال وتثمير وإصلاح ونماء، فالزكاة هي ما أخرجته من مالك لتطهره به. و قوله تعالى: "وتزكيهم بها"، أي تطهرهم بها. فالزكاة طهرةُ للأموال، وزكاة الفطر طهرةُ للأبدان، فهي تطهر صاحبها عن الآثام، وكلمة الزكاة في الإسلام تعني المقادير التي فرضها الله على الأغنياء للفقراء المستحقين. وقد أطلق أيضا عليها صدقة لأنها تدل على الصدق في الإيمان. ويقال "زكا الشيء إذ زاد وكثر، وسميت صدقة المال زكاة لأنها تعود بالبركة في المال الذي أخرجت منه الزكاة فيحفظه الله من التلف([1]).
ثانياً : أهمية الزكاة .
والزكاة ركن من أركان الإسلام يمثل الحد الأدنى المحدد الثابت المفروض في أموال أغنياء المجتمع ليرد على فقرائهم . وهي الركن الثالث من أركان الإسلام. أمر الله تعالى بها وذكرها في كتابه الكريم في اثنين وثمانين آية؛ مما يدل على أهميتها. ولقد واجهت فريضة الزكاة تحدياً كبيراً بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أن الكثيرون امتنعوا عن دفع الزكاة. ولكن اجتمع الصحابة رضي الله عنهم على محاربة مانعي الزكاة في عهد الخليفة أبي بكر رضي الله عنه حتى اعتبروا أن من يمتنع عن دفعها خارجاً عن الإسلام بما أنه لا يقر بركن من أركانه. ومن ثم يتضح أن الزكاة حقاً مفروضاً لا تهاون فيه([2]).
وقد جاء في الحديث المتفق عليه الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أرسل معاذاً إلى اليمن، وبعد أن أمره بدعوتهم إلى التوحيد ثم الصلاة قال له: " فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم".
ثالثاً : الأموال التي تجب فيها الزكاة:
إختلفت اليوم صنوف المال عما كانت عليه، ومن ثم ظهرت صنوف جديدة من المال لم تكن معروفة في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم، بل زادت أهميتها وأصبحت هي الغالبة، ومن ثم فإن صنوف المال التي تجب فيها الزكاة يمكن إجمالها فيما يلي:
- النقود بجميع أنواعها وتشمل الذهب والفضة والأوراق المالية. ولكي تدفع الزكاة، يجب أن يمر عام كامل على ملكية النصاب .
- عروض التجارة و الصناعة .
- الزروع والثمار .
- الثروة الحيوانية - الإبل والبقر والغنم - وهي التي تقتنى بغرض النماء والتكاثر، وليست المتخذه للاستغلال أو المستخدمة في أي من الأعمال المختلفة. ويجب أن تكون النعم سائمة أي آكلة من عشب عام، وألا تكون معلوفة. أما النعم المعلوفة فتفرض بطريقة أخرى من صافي إيرادها.
- المواشي الغير سائمة المستغلة لبيع إنتاجها أو لحمها .
- المعادن والركائز.
- الأسهم والسندات سواء المتخذة للتجارة أو للاستثمار([3]).
رابعاً : زكاة الفطر:
ماهية زكاة الفطر: هي ذلك القدر من المال المفروض على البدن أو الرؤوس لمستحقيه بسبب الفطر من رمضان، وهي واجبة على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد، والغني والفقير، وحتى لا يأتي يوم عيد الفطر وفي المجتمع المسلم بيت جائع، وحتى لا يمد مسكين يده للسؤال في يوم عيد المسلمين. وتعد مظهراً من مظاهر ترابط المسلمين ووحدتهم وتكافلهم، وفرضت على الفقير ليكون في ذلك مظهر من تكافل المسلمين ببعضهم حتى الفقير مع أخيه الفقير. وإن يكون الكل عطاءً، فيروي الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة .
تتضح حكمة زكاة الفطر من رواية أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. وبالتالي فإن زكاة الفطر لها هدفان، الأول هو تنقية الصائم من أي خطأ قد اقترفه وقت الصيام، والهدف الثاني هو إطعام المساكين في يوم العيد و نشر الفرح بينهم .
خامساً : مصارف الزكاة :
لقد ورد حصر مصارف الزكاة في القرآن الكريم حيث قال تعالي: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "([4]). ومن ثم فإن هناك ثمانية مصارف للزكاة وهي([5]):
1 - الفقراء والمساكين : ويلاحظ أن هناك نوعين من الفقراء والمساكين، النوع الأول هو القادر على العمل، والكسب كالصانع والتاجر والزارع، ولكنه في حاجة إلى أدوات الصناعة أو الزراعة أو رأس مال للتجارة. فالواجب لمثل هذا النوع أن يعطي من أموال الزكاة ما يمكنه من امتلاك أدوات الإنتاج . والنوع الآخر غير قادر على كسب قوته كالمريض، والشيخ الكبير، واليتيم. فهؤلاء يجب أن يعطى الواحد منهم كفاية السنة.
2 - العاملون عليها : وهم الذين يجمعون الزكاة. و يشترط في العامل على الزكاة أن يكون مكلفاً، أميناً، عالماً بأحكام الزكاة، كفؤاً في عمله .
3 - المؤلفة قلوبهم : وهم الذين يراد تأليف قلوبهم بالاستمالة إلى الإسلام أو التثبيت عليه، أو بكف شرهم عن المسلمين، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين.
4 - في الرقاب : وهم العبيد أو الإماء لتحريرهم.
5 - الغارمون : وهم من عليهم دين.
6 - في سبيل الله : ولقد توسع العلماء في تفسير معنى " في سبيل الله". ولم يقتصر على الجهاد ولكنه شمل سائر المصالح وأعمال الخير و البر.
7 - ابن السبيل : وهو المسافر المنقطع الغريب .
سادساً : دور الزكاة في محاربة الفقر.
تلعب الزكاة دوراً حيويا في إنعاش الاقتصاد، وتحقيق التنمية، ومحاربة الفقر؛ حيث أنها تعتبر بمثابة مؤسسة الضمان الاجتماعي في الإسلام لمواجهة الفقر([6]). حيث تلعب الزكاة دوراً هاماً في الاقتصاد الإسلامي، فهي تفرض على الثروة الصافية سواء أكانت مستعملة أم معطلة وسواء أكان استعمالها في الأعمال والمشاريع الإنتاجية كالمصانع أم في أدوات ومواد الرفاه كالحلي، فالزكاة بهذه الصفات تتدخل تدخلاً أساسياً في الجوانب التالية :
(1) من أهم الأهداف التي تسعى إليها الزكاة هي منع اكتناز الأموال، وبقائها كموارد ساكنة لا تقدم منفعة حقيقية لاقتصاد المجتمع. و يتضح هذا المبدأ عند معرفة أن الإسلام لا يشجع إبقاء قطعة أرض لمدة أكثر من ثلاثة سنين دون إعمارها. وهذا المبدأ يعد أكثر أهمية بالنسبة للأموال السائلة، والتي لا يجب أن تبقى مكتنزة وغير مستخدمة، ويقول تعالي: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم"([7])، أي أنه مطالب باستثمار ماله لصالح المجتمع([8]).
وهذا المفهوم يتوافق مع مبادئ الاقتصاد العالمي الحالي؛ والذي يؤكد أن اكتناز الأموال من أهم العوامل التي تعوق التنمية الاقتصادية للدولة، لأن هذه الموارد الراكدة لا تدخل في عجلة الاقتصاد، وبالتالي تقلل من حجم الموارد المحلية. ومن ثم، فإن ذلك يؤدي إلى مستوى تنموي أقل بكثير مما يمكن أن يتحقق لو أن كل الموارد موظفة ومستخدمة في إنعاش الاقتصاد([9]).
(2) إن مفهوم الزكاة يشجع ضمنيا استثمار الأموال المكتنزة لأن أموال الزكاة إذا لم تستثمر وتنمى سوف تتلاشى مع مرور السنين بسبب دفع الزكاة كل عام. وبالتالي، فإنه من الأساسيات أن تستثمر الأموال لكي تنمى وتدفع الزكاة من أرباح هذا الاستثمار وليس من أصل رأس المال([10]).
فالذي يملك أي ثروة تفوق النصاب يعرض نفسه لفقدان ربع ثروته في مدة لا تزيد عن اثنتي عشرة سنة، ولذلك نجد الرسول صلي الله عليه وسلم يحض على استثمار مال اليتيم ويبرر ذلك بقوله :"حتى لا تأكله الصدقة" . ولم يعرف العالم بأسره نظاماً اقتصادياً مثل النظام الاقتصادي الإسلامي في حله لمشكلة تراكم الثروة المعطلة دون أن تستثمر في تحسين الأحوال المعاشية للمجتمع، وتشكل الزكاة باعثاً حثيثاً على استثمار الثروة لأنها تحد من الميل لاكتنازها([11]).
على صعيد آخر، فإن أموال الزكاة لا يجب أن تستخدم فقط لسد احتياجات الفقراء الاستهلاكية مثل الطعام والملبس، إنما يجب أن تستخدم في خلق أدوات للاستثمار لهؤلاء الفقراء حتى يستطيعوا بدورهم أن يمتلكوا أدوات الإنتاج التي تضمن لهم دخل ثابت، وبالتالي سد احتياجاتهم بصفة مستمرة. ذلك يعني أن أموال الزكاة يجب أن يستفاد بها في أن تحول الفقير إلى عضو عامل، ومنتج في المجتمع كل حسب مهاراته وقدراته، لكي يتمكن من التخلص من حالة الفقر والاعتماد على مساعدة الآخرين بصورة تضمن استقلاله الاقتصادي.
ومن ثم، يجب استخدام أموال الزكاة في بناء المصانع، والمؤسسات التجارية وخلق أنشطة مدرة للدخل لتحول الفقراء من متلقين للزكاة إلى دافعي الزكاة. وتلك الوسيلة في استخدام أموال الزكاة تعد من أكفأ الوسائل التي تحول المجتمع بأكمله إلى مجتمع منتج به تنمية بشرية، واقتصادية وخالي من البطالة والفقر.
(3) العامل الاقتصادي الثالث المرتبط بالزكاة هو عامل الإنفاق. طبقا للنظريات الاقتصادية المعاصرة، الاستثمار وحده ليس كافياً لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية إن لم يتواجد السوق الذي يستوعب شراء المنتجات الصادرة عن هذه الاستثمارات. فهناك علاقة مترابطة بين الاستثمار والإنفاق لأن تقليل الإنفاق يؤثر على السوق ويقلل من قدراته على استيعاب المنتجات مما يجعل الكثيرون غير راغبين في أن يجازفوا بأموالهم في استثمارات جديدة .
ولو نظرنا إلى القرآن الكريم، لوجدنا كلمة إنفاق مذكورة خمسة وسبعين مرة في نطاق تشجيع المسلمين على صرف أموالهم على شكل زكاة وصدقة. وذلك ليس فقط لتطهير النفس ومساعدة الفقراء والمساكين، ولكن أيضا لأن مبدأ الإنفاق يساعد على تداول الأموال مما يؤدي إلى زيادة الطلب في الأسواق، وإنعاش الاقتصاد. ويتضح ذلك أيضا من تشجيع الإسلام على الإنفاق ليس فقط على الفقراء، وإنما أيضا على أهل البيت مما يعد في حد ذاته صدقة. مما سبق، يتضح أن الأموال لا يجب أن تكنز وأن أموال الزكاة يجب أن تستخدم في مصارف استثمارية واستهلاكية في آن واحد لكي تحقق دورها الفعلي في إنعاش الاقتصاد.
(4) أثر الزكاة في توزيع الثروة والدخل . تعمل الزكاة على الأمد البعيد على إعادة توزيع الثروة، وبالتالي إعادة توزيع الدخل أيضاً في اتجاه المساواة والعدالة ، فالزكاة تؤخذ من الغني وتعطي للفقير، وتؤخذ من الغني طالما يمتلك ما يزيد عن النصاب, وتعطي للفقير سواء كانت في شكل نقود أو سلع استهلاكية، أو سلع إنتاجية فإن ملكية كل ذلك تنتقل إلي الفقير، مما يرتب زيادة في دخل الفقير وإنقاصا في دخل الغني .
([1] ) العطاء من أجل التنمية: 16-12-2009 www.neareast.org/phil/ar/page.asp?pn=4
([2] ) د / محمد شوقي الفنجري: الزكاة بلغة العصر, مجلة منبر الإسلام, السنة 67, العدد3 مارس 2008, ص 80.
([3] ) د / محمد شوقي الفنجري: الزكاة بلغة العصر, المرجع السابق, ص 82.
([5] ) العطاء من أجل التنمية: 16-12-2009 www.neareast.org/phil/ar/page.asp?pn=4
([6] ) د / محمد شوقي الفنجري: الزكاة بلغة العصر، مرجع سابق، ص 80.
([8] ) د / محمد شوقي الفنجري: الوسطية في الاقتصاد الإسلامي ، إصدار المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة 2008 ، ص 45.
([9] ) العطاء من أجل التنمية: 16-12-2009 www.neareast.org/phil/ar/page.asp?pn=4
([10] ) د / محمد منذر قحف : الاقتصاد الإسلامي، دار القلم ، بدون سنة نشر ، ص 113.
([11] ) د / محمد منذر قحف : الاقتصاد الإسلامي، المرجع السابق، ص 119.
ساحة النقاش