حقوق التأليف في الفقه الإسلامي

د. شعبان عبده أبو العز المحلاوي

     أحيانا يعترض البعض على التشريعات الخاصة بحماية حقوق المؤلف بظن أو اعتقاد أنها تتنافى مع ما أقره الإسلام من واجب نشر العلم، ومنع كتمانه، أو تقييده، وسندهم في ذلك ما تضمنته كثير من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة في فضل الحرص على العلم، وعدم جواز كتمانه؛ من ذلك قوله تعالى " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعدما بيناه للناس في الكتاب أولائك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون"([1]).

     ويدلل ذلك على أن العالم عليه واجب نشر علمه بقدر استطاعته، عن طريق إلقاء الدروس أو الخطب، أو المحاضرات، أو أن يؤلف كتاباً يعرض في السوق، أو يودعه مكتبة يرتادها الراغبون في البحث والعلم والمعرفة([2]).

     ولكن إذا كان الإسلام أوجب نشر العلم على هذا النحو، إلا انه أحاط حق المؤلف بحماية تتمثل في الكثير من المظاهر، بما تشمله من جوانب مالية ومعنوية. من ذلك قول الحق تبارك وتعالى " ..... يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات([3]). وكذلك ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن العمل الذهني لصيق بشخص صاحبه، ولا يمكن أن ينفصل عنه حتى بعد وفاته .

     وفيما يتعلق بالحقوق المالية وما تشمله من تكاليف الطباعة والنشر، فلا مانع من أن يعود على المؤلف عائد مادي يساعده على مواصلة عمله والتأليف؛ لما في ذلك من زيادة في نشر العلم في المستقبل([4]). ولولا التأليف وتدوين العلوم لاندرست الأديان، والرسالات وانطمست المبادئ والمعالم التي عليها اعتمدت البشرية، ولما شُيدت الحضارات وتأسست الكيانات الفاعلة، ولانحطت الإنسانية وتعثرت مسيرتها .

مضمون حق المؤلف في الفقه الإسلامي .

     مضمون حق المؤلف في الفقه الإسلامي يتخذ أحد شكلين، إما أن يكون بواسطة العبارة، وهى الكلام المركب من الألفاظ المنطوقة التي خلقها الله عز وجل في عضو اللسان مكونة من الحروف. وقد تأتى العبارة بدورها في صور متعددة كالخطب، والمحاضرات، والندوات، والمواعظ وغيرها من الأعمال الفنية التي تنوعت قناتها في الإذاعة، والسينما، والمسرح. وإما أن يكون بواسطة الكتابة، والكتابة هي رقوم باليد تدل أشكالها وصورها بالتواضع على الألفاظ حروفاً بحروف وكلمات بكلمات([5]).

     ويمد الشارع الإسلامي مظلة الحماية على نوعى التأليف السابقين بلا فرق، فليست الكلمة وحدها هي الجديرة بالحماية بل يشاركها العبارة في أي صورة؛ لأن كلاً منهما فكرٌ نابع من أعماق النفس والعقل البشرى. ويتفرع عن هذا الحق أن يكون للمؤلف حق اتخاذ الإجراءات التي من شأنها المحافظة على حقوقه، كما أن له اختيار الوسيلة المناسبة لنشر مصنفه، والإعلان عنه، وله حرية تحديد الوقت المناسب لطرح مؤلفه على الناس وحجبه إذا كان له مبررات في ذلك، مالم يتضمن ذلك مساساً بالمصلحة الإسلامية([6]).

     ومرد هذا الحق الذي يثبت للمؤلف على مؤلفه إلى كونه من نتاج عمله وثمرة جهده. فيستحق أن ينسب إليه، وأن يحتفظ باسمه عليه، لأنه وليد فكره، ومظهر عطائه الذهني والأدبي. بالإضافة إلى ذلك فإن ابتكاره هذا لا يكون إلا بعد معاناة ومكابدة، وانقطاع لدراسة العلم وهضم الأفكار والنظريات المتعلقة بالتخصص الذي يعمل فيه. وجهده في هذا الإنتاج العلمي أو التطبيقي يقوم بالمال، ويتداول في سوق الفكر وفى المحافل العلمية, ويعود بالخير على المجتمع بما يقدمه من حلول لمشكلة قائمة أو وسيله لتنمية المجتمع اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً، أو في ابتكاره لأسلوب تقنى يدفع بالمجتمع قدماً على طريق التقدم .

     مما سبق يتبين أن الفقه الإسلامي قد أقر للمؤلف حقا على مصنفاته، على اعتبار ملكيته لها، واختصاصه وحده بها أو بمن أنابه أو استخلفه في التصرف فيها، وله أن يتصرف في الحقوق المالية المتحصلة عنها بواسطة استغلال مؤلفه، عن طريق نقل حقه إلى الناشر بعوض، وتمكين الغير من الانتفاع بمؤلفه بمقابل، أو التبرع للجامعات أو المكتبات العامة. أما بالنسبة للحق الأدبي فإنه يتسم بأنه لصيق بالمؤلف لا ينفك عنه، يختص به وحده دون سواه في حياته وبعد مماته. كما أن حقوق التأليف مصونة شرعاً، ولأصحابها حق التصرف فيها ولا يجوز الاعتداء عليها([7]).

[1]) )  الآية 159 من سورة البقرة .

[2])) د/ جمال محمود الكردي : حق المؤلف في العلاقات الخاصة الدولية, بحث منشور بمجلة روح القوانين, كلية الحقوق, جامعة طنطا, العدد الثاني عشر, يناير 2001 , ص 229 .

[3]) )  الآية 11 من سورة المجادلة .

[4]) ) د/  جمال محمود الكردي : مرجع سابق, ص 231 .

[5]) )   د/ محمد الشحات الجندي : حماية حق المؤلف من منظور الإسلام ، بحث منشور بمجلة روح القوانين، كلية الحقوق جامعة طنطا، العدد الثاني عشر, يناير 1996, ص 7.

[6]) )  د/ محمد الشحات الجندي : المرجع السابق, ص 7.

[7]) )   قرار مجلس الفقه الإسلامي الخامس ( -20 April 2005WWW.islamqa.com  (