عادة ما تحدد الثقافة المحلية جملة الوسائل او الطرق المقبولة (المعيارية ) التي على لافراد ان يتكيفوا بها اهدافها .

وبأختلاف افراد المجتمع في كمية ما عندهم من نفوذ ومراكز اجتماعية، فقد تحرص هذه الثقافة على ضرورة ان يتشرب افرادها بالقيم والمعايير الخاصة بها بغية اكتساب ماتطرحه من خبرات تؤهلهم لاتباع الوسائل المعيارية .

   ان للهيكل الاجتماعي حاجات داخلية جوهرية لا يستطيعان من الاستمرار بدونها .

ومن بين هذه الحاجات المحافظة على كياناته وصيانته من التصدع او الانهيار .

لذلك يلجأ الى استخدام الوسائل المادية لتنشيط فعاليات الكيانات الداخلية وربطها بالظروف الخارجية المحيطة به والانسان من جانبه يملك حاجات اجتماعية ونفسية متعددة ومتنوعة لايستطيع اشباعها بمفرده بحكم محدودية قدراته ومؤهلاته المتاحة ، ولذلك لايجد امامه سوى الانتماء الى جماعات ومؤسسات تمنحه مواقع يتقيد ويخضع لضوابطها بيد ان التبوء بالمواقع الاجتماعية ليس متيسراًلجميع الافراد ، مما يؤثر على تحقيق الوسائل المعيارية التي توصلهم بالاهداف الثقافية .

فقد يحتاج الفرد الى نوع من التعليم ، ولكي يتحقق ذلك لابد من توفير المال المناسب ، ولما كان الحصول على المال يشكل هدفاً ثقافياً ، وان التعليم يتحدد بكمية المال ، فأن الوسائل التي يتبعها الافراد للحصول على المال قد تكون شريفة او غير شريفة كالسرقة والابتزاز والرشوة وغيرها .

اذن فالافراد بحاجة الى خبرات معينة تؤهلهم للوصول الى الوسائل المعيارية او غير المعيارية لغرض بلوغ اهدافهم الثقافية (المادية والمعنوية ). وتأسيساً على ذلك فقد تشترك جميع الثقافات في تأكيدها على النجاح واحتقارها للفشل.

وباختلاف الفرص المتاحة والكفاءات المتوفرة للافراد  تظهر اهمية الخبرة الاجتماعية المتمثلة (بالامثال الشعبية ) كأداة فعالة لتطويع وترويض الطموحات والامكانات الفردية صوب ما يتطلبه المجتمع من اهداف ثقافية ذات وسائل معيارية صحيحة .  

   ان وظيفة الامثال الشعبية هي المحافظة على التوازن الاجتماعي بما يخدم مصلحة الفرد والمجتمع ، فقد يشرع الفرد في مخلفة قواعد وقيم مجتمعه ، وقد تأخذ مظهراً يسيطاً كالانزواء والابتعاد عن الاخرين وقضاء وقت الفراغ في شرب الخمور وغيرها كضرر فردي ، ولكن عندما تطول القتل والسرقة او تخريب الممتلكات العامة فهي بذلك قد انتقلت الى الضرر الاجتماعي .

صحيح ان السلوك المنحرف الذي يقوم به بعض الافراد قد يكون سببه النظام الاجتماعي نفسه حيث يصبح الفرد ضحية للمجتمع ، ولكن يبقى القانون الاجتماعي متمشياً مع القانون الالهي في عدم مسامحته لذلك الفعل او السلوك من باب (ان القانون لايحمي المغفلين ) اذا اخذنا بعين الاعتبار ان الاعراف الاجتماعية هي بمثابة قانون غير مكتوب .

ولتوضيح وظيفة الامثال الشعبية في اعادة التوازن الاجتماعي في ضوء الخبرة الاجتماعية التي تمنحها لافراد المجتمع يمكننا ان نطرح مثلين شعبيين مختلفين من حيث الشكل (المنطق ) ومتفقين في المضمون . 

 
المثل الاول (معزه ولو طاروا) فعلى المستوى السردي يوحي بوجود سلوك منحرف مصدره اتباع وسائل غير معيارية تتمثل بأصرار الفرد على فعله وعدم الاعتراف بخطئه والاصرار هذا يتوقف بطبيعة الحال على واقع الفرص المتاحة للفرد من جانبه ، وعلى درجة الامكانات والمؤهلات التي يتمتع بها من جانب اخر . يتبين ذلك في تصميم الذات للطموح وجره من موقع الفضيلة الى موقع الرذيلة .

وعندها يتدخل الكيان الاجتماعي (النسق ) لتنشيط فعاليات الوسائل المعيارية وربطها بالظروف المحيطة ، بغية المحافظة على الاهداف الصحيحة لواقع الثقافة المحلية .

وهكذا يتجلى جوهر ومضمون الردع الاجتماعي بمثل شعبي يأخذ بمعنى التحذير من جهة ويلتقي بظلال الخبرة والموعظة الحسنة لعاقبة المختالين الذين يصرون على مخالفة الحق (وقالوا مهما تأتنا به من اية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ) الاعراف (132).

ان التحليل النفسي الاجتماعي لهذا المثل الشعبي يوحي بأن الانسان يعيش في كون عقلي يتكون فيه الصراع من شبكة تشتمل على اربعة اشياء ، رغبات الفرد وضميره ومن ثم الاشخاص الذين يتعامل معهم واخيراً الحقيقة كواقع حال .فنشوء النزاع الذي يتضمنه المثل (معزه ولو طاروا ) يشير ان طموح المتنازعين قد اعتمد منذ البداية ، على قابلية وكفاءة قوة النظر المتاحة لكل منهما .

ولانها بداية فالطموح عندهما شئ مشروع يمثل فضيلة كبرى ، ولكن بتقريب المسافات وتكرار التساؤلات اتضحت للطرفين السبل المشروعة من غيرها ، حيث (طارت الغربان ) وتجلت الحقيقة لتكشف النظر الخادع من  النظر المتبصر ، بل ان الرغبات عند احد الطرفين تجاوزت الضمير واصطدمت بالاخرين لتجرد قيمة الطموح من الفضيلة وتتشبت بالرذيلة .

فالتقت الى صاحبه قائلاً (معزه ولو طاروا) ليؤكدالانحراف ويستمر بالخطأ .
المثل الثاني (سارق المعزة ) .

يدور مضمون المثل حول شخص يملك حاجات نفسية اجتماعية ومادية لابد من اشباعها ، ولظروف قاهرة مثل شحة الفرص وقلة الحيلة (قلة الامكانات والكفاءات ) التجأ الى الوسائل غير السوية لتحقيق هدف مادي يشبع به حاجاته الانية فسرق معزة وخبأها في بيته ، وبأكتشاف سره (السرقة ) اثر الهروب على المواجهة .

فترك اسرته ونفذ على نفسه عقوبة الاجلاء .

وبعد فترة طويلة وجد ان ما لاقاه من اغتراب وعذاب قد تحقق على المستوى الفردي ولم يبق امامه سوى الرجوع الى اسرته ليتعرف على ما اصابهم من هضم وظلم على المستوى الاجتماعي .

وباقترابه من النجع الذي يسكنه وجد بعض الفتيات يستسقين ماء ، فأراد التعرف من خلالهن على واقع اسرته ، فسألهن عن اسمائهن ، فأجابن الا واحدة تأخرت في جوابها ، فألح عليها سائلاً انت من ؟ وبنت من؟ ! فقالت احداهن انها بنت سارق المعزة .

وعندها ادرك صنيع فعلته فجاءت رغباته لتحول بينه وبين الاخرين (المجتمع ) فأثقلت على ضميره الندم .


   وبالندم تحول الطموح بوسائله غير السوية الى فضيلة جمعت بين التلكؤ الفردي والتبني الاجتماعي لتكون خبرة اجتماعية تجسد احسن الامثلة (سارق المعزة ) مشكلة لذلك اثره اجتماعية نزولاً لقوله تعالى (واخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً واخر سيئاً عسى الله ان يتوب عليهم ان الله غفور رحيم ) التوبة . (102) .


ان المتبع لتأثيرالخبرة الاجتماعية المتأتية من الامثال يجدها قد اكسبت افراد المجتمع ردود افعال متباينة تتأرجح قوة وضعفاً حسب الظروف الانتقالية التي يمر بها المجتمع .

ففي فترة من الفترات قد نجد طفلاً يأخذ بخبرة مجتمعه ويرفض الخروج لاقرانه بملابس جديدة نزولاً لضميره واحتراماً لمشاعرهم ، وفي فترة ما قد تجد من ترهق زوجها بمتطلبات بيتها حتى وان سلك منحرفاًً ممتثلة لرغباتها ومتجاهلة لضميرها .

وصدق الله القائل .(لايكلف الله نفساً الا وسعها لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت .) البقرة (286).

المصدر: جوجل
selimadel

سليم عادل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1087 مشاهدة
نشرت فى 9 إبريل 2012 بواسطة selimadel

ابحث

تسجيل الدخول

سليم عادل إبراهيم

selimadel
»

عدد زيارات الموقع

441,947