وثائق مجهولة

ينشرها في حلقات ويكشف عن أسرارها

الدكتور سيد علي إسماعيل

كلية الآداب – جامعة حلوان

 

الحلقة الخامسة

حسن البارودي يقترض خمسين جنيهاً لإجراء عملية جراحية 1958

ــــــــــــــــــــــ

من منّا لا يعرف الممثل القدير المرحوم (حسن البارودي)؟! اسمه بالكامل حسن محمود حسنين البارودي، ولد يوم 19/11/1898 بعابدين، وبدأ نشاطه الفني عام 1920 بالالتحاق بفرقة الأديب المحتال حافظ نجيب، ثم بفرقة منسى فهمى. أما مجده الفني فبدأ عام 1923 عندما عمل ملقناً في فرقة يوسف وهبي (مسرح رمسيس)، ثم عمل في دور لأحد الممثلين المتغيبين، ثم استمر ممثلاً مرموقاً في فرقة رمسيس. كما أن له كتابات مسرحية متنوعة بين التأليف والتعريب والترجمة، وخصّ أغلبها لفرقة رمسيس، ومنها مسرحيات: القناع الأزرق، واللزقة، والجبار، والرعاع، ونوتردام دي باري. أما مجد أمجاده المسرحية، فكانت مع الفرقة المصرية أو القومية حتى إحالته على المعاش؛ تلك الإحالة التي عجلت باكتائبه وانعزاله عدة سنوات حتى وفاته عام 1974.

وثائقنا اليوم تتعلق بهذا الفنان القدير، وتحديدًا في موقف مرضه الغريب والعجيب!! ففي 2/1/1958 كتب حسن البارودي خطاباً إلى مدير الفرقة المصرية الحديثة، قال فيه: "... لظروف طارئة، والتزامات ملحة أجدني في حاجة ماسة إلى مبلغ خمسين جنيهاً مصرياً، تخصم مني شهرياً على مدة أقصاها اثنى عشر شهراً من تاريخه، إنقاذاً لما أنا فيه من موقف دقيق ولسيادتكم وافر الشكر". وهذا الخطاب لا يحمل أسباباً لهذا القرض المالي الكبير – في هذا الوقت - ولا يوضح ما هي الظروف الطارئة أو الالتزامات الملحة أو الحاجة الماسة للمبلغ، الذي يُعد إنقاذاً لما هو فيه!! ولكن في أسفل الخطاب توجد تأشيرة من مدير عام الفرقة (جان حبيب) بالموافقة على القرض، قائلاً: "برجاء التكرم بالموافقة نظراً لحالته الصحية التي تحتاج إلى عناية خاصة ..".

وهذه التأشيرة تكشف سبب اقتراض حسن البارودي لمبلغ الخمسين جنيهاً!! إنها ظروفه الصحية، التي لم يجد سوى الاقتراض من مقر عمله (الفرقة المصرية)، حتى ينفق على حياته الاجتماعية والأسرية في فترة مرضه وعلاجه، حتى يستطيع أن يواصل فنه وعمله!!

بعد أسبوع وتحديداً يوم 12/1/1958 تقول الوثائق أن مدير الفرقة جان حبيب أرسل حسن البارودي إلى مستشفى الجمهورية للكشف على العين اليسرى للفنان، ويطلب من مدير المستشفى تحديد تكاليف العملية!! فرد عليه مدير المستشفى الشرقاوي بأن الفنان حسن البارودي يحتاج إلى مجموعة فحوصات وتحليلات ستستغرق ثلاثة أسابيع. فرد عليه مدير الفرقة بضرورة إفادته بالقيمة المادية للتحاليل والمدة التي سيقضيها الفنان في المستشفى مع تكاليف العملية. فرد عليه الشرقاوي مدير المستشفى قائلاً: "... لا يمكن البت الآن حيث إن كل حالة لها ظروفها الخاصة التي تتطلب تكاليف العلاج ..".

تأزمت المسألة بين المديرين!! فمدير الفرقة يريد من مدير المستشفى تحديد المبلغ المطلوب للعملية، ومدير المستشفى لا يريد تحديد المبلغ لأن حالة الفنان حالة خاصة لا يُمكن تحديد تكاليفها. لذلك أوفد مدير الفرقة أحد معاونيه للمستشفى؛ كي ينهي الأمر. فقام هذا المندوب بكتابة خطاب بتاريخ 19/1/1958 قال فيه: "... توجهت اليوم وأمس لمستشفى الجمهورية لاستحضار كشف ببيان القيمة المادية للتحاليل والعلاج والمدة التي سيقضيها السيد/ حسن البارودي بالمستشفى وتكاليف العملية المطلوبة. وبعد أن أجرى الموظف المختص بوضع بعض نفقات العلاج، وبعرضها على السيد/ مدير المستشفى للتوقيع عليها رفض وأملى عليه الخطاب الرفيق مع هذا. وقد بلغت القيمة المطلوبة حوالي خمسة وسبعين جنيهاً تقريباً". وأسفل هذا الخطاب أشر مدير الفرقة جان حبيب قائلاً: "يُصرف مبلغ عشرين جنيهاً للطبيب الذي سيقوم بعمل العملية الخاصة للأستاذ حسن البارودي من نقود التأمين الصحي".

وبالفعل استلم الدكتور يحيى الجمال أستاذ الرمد المساعد بكلية طب القصر العيني مبلغ عشرين جنيهاً عربوناً لعمل عملية الفنان حسن البارودي. وإلى هنا تنتهي وثائق هذا الموضوع!! وهذه النهاية المنقوصة لها تفسيران: الأول، أن العملية لم تتم لأن الأجر المطلوب خمسة وسبعين جنيهاً، والفرقة دفعت عشرين فقط من التأمين الصحي، ولم تدفع الخمسين المتبقية لعدم وجود وثائق تفيد بأن الفرقة دفعت شيئاً آخر غير العشرين جنيهاً.

 

والتفسير الآخر – وهو المقبول منطقياً – يقول إنه (ربما) التأمين الصحي لا يدفع إلا عشرين جنيهاً كحد أقصى عند مرض الفنان أو إجراء عملية جراحية له، على أن يتحمل الفنان الزيادة من جيبه الخاص!! ولو وضعنا هذا التفسير بجانب الوثيقة الأولى المتعلقة باقتراض حسن البارودي لمبلغ الخمسين جنيهاً الأولى، سنعلم أنه اقترضها من أجل استكمال مبلغ العملية!! وربما يقول قائل: كيف يقترض الفنان هذا المبلغ قبل أن يعرف بتكاليف العملية قبل تحديدها؟! سنرد قائلين بأن الفرقة المصرية عندما وجدت أن تكاليف العملية خمسة وسبعين جنيهاً، وأنها وافقت من قبل على قرضه الخمسين جنيهاً من أجل ظروفه الصحية، وجدت أن مبلغ العملية تقريباً معه، ويستطيع أن يدفع مبلغ التأمين مع القرض ثمناً لعمليته!!

المصدر: جريدة (مسرحنا) - عدد 405 - 4 مايو 2015
sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 149 مشاهدة
نشرت فى 7 مايو 2015 بواسطة sayed-esmail

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

815,825