كتابات جرجي زيدان المجهولة
د. سيد علي إسماعيل
كلية الآداب – جامعة حلوان
ـــــــــــــــــ
أغلب العاملين والمنتسبين لمؤسسة دار الهلال العظيمة، سيتعجبون من هذا العنوان المثير؛ لأنهم على يقين تام بأن كل ما كتبه جرجي زيدان، تم نشره ومعروف للجميع!! والكل سيسأل: هل بعد مرور أكثر من قرن على وفاة جرجي زيدان عام 1914، هناك كتابات له لم تُنشر؟! وكيف هذا؟! فمذكراته منشورة أكثر من مرة في الهلال، وفي كل عام تُنشر عنه المقالات، وفي جميع مناسبات دار الهلال يكتبون عنه!! حتى قصاصات أوراقه، وخواطره، وبعض أوراقه التي وجدها أولاده بعد وفاته، تم نشرها في مجلة الهلال؟! بل إنه كان ينشر كل شيء في مجلته الهلال، التي كان يحررها من أول صفحة إلى آخر صفحة، طوال سنواتها الأولى!! كما أن مجلة الهلال موجودة ومتاحه، وجميع كتبه ورواياته منشورة، فمن أين ستأتي كتابات جرجي زيدان المجهولة، وأين كتبها؟! ومتى كتبها؟! وأمام هذه الأسئلة المنطقية، أقول: إن جميع من كتب عن جرجي زيدان، أو أرخ له ولكتاباته، لا بد أن ينطلق من عام 1892، وهو عام صدور العدد الأول من مجلة الهلال!! وحتى الآن – حسب علمي – لم يفكر أحد في البحث عن كتابات جرجي زيدان قبل هذا التاريخ؛ أي قبل صدور مجلة الهلال!! وهذا هو المجال الذي وجدت فيه بعضاً من كتابات جرجي زيدان المجهولة!!
إشكالية المذكرات
بعد وفاة جرجي زيدان، نشرت مجلة الهلال قصة حياته في عددها المؤرخ في أكتوبر 1914، وجاء فيها: " وفي صيف سنة 1886 زار [أي جرجي زيدان] عاصمة بلاد الإنكليز وكان في أثناء إقامته هناك يتردد على أندية العلم ومجتمعات الآثار ولا سيما المتحف البريطاني الشهير. ثم عاد في الشتاء إلى مصر فطلبت إليه مجلة المقتطف أن يتولى إدارة أشغالها ففعل حتى أوائل سنة 1888 فاستقال وانصرف إلى الكتابة والتأليف ... إلخ". وهذه المعلومة، نشرها جرجي زيدان بصيغة مختلفة في نهاية الجزء الرابع من كتابة "تاريخ آداب اللغة العربية"، عندما ترجم لنفسه قائلاً: " إن إدارة المقتطف طلبت إليه سنة 1886 أن يتولى إدارة أشغالها والمساعدة في تحريرها ففعل"!!
وبناءً على هذه المعلومة، سيعتقد القارئ أن جرجي زيدان، كان مديراً لمجلة المقتطف طوال عام ونصف العام، مما يعني أن أي باحث سيطلع على أعداد مجلة المقتطف في هذه الفترة، سيجد اسم جرجي زيدان في ترويسة المجلة؛ بوصفه مديرها!! أو على أقل تقدير سيجد مقالات كثيرة باسمه بوصفه؛ مديراً ومحرراً لمجلة المقتطف!! وبكل أسف من سيحاول أن يتحقق من هذه المعلومة، سيُصدم بأن المجلة في هذه الفترة – وما قبلها وما بعدها – لا تكتب في إدارة المجلة إلا أسماء ثلاثة أشخاص فقط: يعقوب صروف، وفارس نمر، وشاهين مكاريوس!! إذن لم يبق أمامنا إلا التحقق من أن جرجي زيدان له مقالات منشورة في المقتطف؛ بوصفه أحد محرريها!! وبكل أسف هذا الاحتمال، نفاه أصحاب المقتطف في مايو 1896؛ عندما كتبوا عن تاريخ مجلتهم، قائلين: " .. وانتدبنا من أول إنشائه [أي المقتطف] بعض العلماء المحققين للكتابة فيه. وكل ما كتبوه نشر تحت أسمائهم. فكل ما لم يُنسب إلى غيرنا هو من قلمنا إنشاءً كان أو ترجمة أو تلخيصاً ولا يستثنى من ذلك إلا خاتمة السنة الحادية عشرة وهي نصف صفحة كتبها صديقنا جرجي أفندي زيدان لما كان في إدارتنا واضطرتنا الحال أن نسافر إلى القطر الشامي فجأة". وهذا يعني أن جرجي زيدان، كتب نصف صفحة في مجلة المقتطف، دون أن يضع اسمه عليها!! وبالبحث عن هذه الخاتمة، وجدتها منشورة في عدد سبتمبر 1887، تحت عنوان "خاتمة السنة الحادية عشرة" هذا نصها:
"نبشر إخواننا الشرقيين أن العلم قد عمد للعود إلى وطنه الأول بعد مغادرته أباه زماناً ليس بقليل وإنها لبشرى تخفق لها قلوبنا سروراً وكدنا لا نصدقها لولا إننا رأينا شباننا وشباتنا يقدمون بغيرة شديدة على اجتناء أثمار المعارف فيقتطفون منها أينعها. وأقوى دليل على تقدم الأمة إنما هو إقدام خاصتها على نشر المعارف وعامتها على اكتسابه. وإننا ليسرنا أن نرى إخواننا الشرقيين عموماً وأهل هذه الديار خصوصاً عاكفين بقوتهم على إحراز كنزها ولم نُرد ختم سنتنا الحادية عشرة قبل أن نبشر حضرات القراء بذلك. ثم إننا بملء الممنونية نقدم خالص الشكر لحضرات القراء إقبالهم على مطالعة المقتطف وزيادة رغبتهم فيه هذه السنة ونثني على حضرات الأدباء الأفاضل الذين وازرونا بأقلامهم وآرائهم ورجاؤنا أن المعارف تينع وتثمر في ظل الحضرة الخديوية الفخيمة. ونحن نعد حضرات القراء بأن نبذل قصارى الجهد في جعل السنة الثانية عشرة أكثر تشويقاً للمطالعة من ذي قبل بأن نزيد المواضيع وننتقي أفضلها ونقتطف لهم أشهى ما ينبت في حديقة العلم والصناعة والله المسئول أن يأخذ بيدنا ويلهمنا حسن المقصد ويجعل خدمتنا نافعة للأمة والوطن وعليه الاتكال".
هذه هي الخاتمة، التي كتبها جرجي زيدان في مجلة المقتطف؛ بوصفه أحد مسئولي إدارتها، وأحد محرريها، كما قال في مذكراته، وهي الخاتمة التي حددها أصحاب المقتطف، وقالوا إنها كل ما كتبه جرجي زيدان، عندما كان يعمل في إدارة المجلة!! والسؤال الآن: من الصادق في أقواله: هل جرجي زيدان، الذي قال إنه كان محرراً في المجلة وأحد مسئولي إدارتها، أم أصحاب المقتطف، الذين حددوا كتابات جرجي زيدان في المقتطف بنصف صفحة كخاتمة للسنة الحادية عشرة؟! الحقيقة أن كل طرف صادق فيما كتبه!! فأصحاب المقتطف صادقون؛ لأنهم قالوا بأن " كل ما لم يُنسب إلى غيرنا هو من قلمنا .... ولا يستثنى من ذلك إلا خاتمة السنة الحادية عشرة وهي نصف صفحة كتبها صديقنا جرجي أفندي زيدان"، واستثناء زيدان هنا، كان على النصف صفحة التي لا تحمل اسمه، مما يعني احتمال وجود مقالات أخرى منشورة باسمه، وأي شيء منشور لا يحمل أي اسم فهو منسوب إلى أصحاب المقتطف: يعقوب صروف وفارس نمر!! وبالنسبة لما قاله جرجي زيدان بأنه كان محرراً للمجلة، فهو صادق أيضاً في حالة وجود مقالات أو منشورات تحمل اسمه في مجلة المقتطف .. وهذه هي كتاباته المجهولة، التي قصدها في عنوان المقالة، فهيا بنا نتعرف عليها!!
بداية الكتابات المجهولة
في مايو 1883، ابتكر أصحاب المقتطف باباً جديداً في المجلة، أطلقوا عليه "المناظرة والمراسلة"، وكتبوا تعريفاً له، قالوا فيه: " قد رأينا بعد الاختبار وجوب فتح هذا الباب ففتحناه ترغيباً في المعارف وإنهاضاً للهمم وتشحيذاً للأذهان. ولكن العهدة في ما يدرج فيه على أصحابه فنحن براء منه كله. ولا ندرج ما خرج عن موضوع المقتطف ونراعي في الإدراج وعدمه ما يأتي: (1) المناظر والنظير مشتقان من أصل واحد فمناظرك نظيرك. (2) إنما الغرض من المناظرة التوصل إلى الحقائق. فإذا كان كاشف أغلاط غيره عظيماً كان المعترف بأغلاطه أعظم. (3) خير الكلام ما قل ودل. فالمقالات الوافية مع الإيجاز تستخار على المطولة".
وفي هذا الباب – وفي العدد نفسه – نشر جرجي زيدان رأياً تحت عنوان " الرأي السديمي"؛ بوصفه قارئاً من قُراء المجلة، وكان وقتها طالب متخصص في الطب بالكلية السورية [الجامعة الأمريكية ببيروت الآن]. وما كتبه زيدان في هذا الباب، كان يتعلق بمقالة منشورة في عدد سابق بعنوان "الرأي السديمي" أي الأجرام السماوية. وما كتبه جرجي زيدان منشور في صفحة ونصف بتعابير علمية بحتة، وفقاً لتخصصه العلمي، ووقع في نهاية ما كتبه بهذه الكلمات "بيروت جرجي زيدان". وقد نشرت المقتطف ردها عليه، قائلة: " إن خلاصة اعتراضكم الأول لزوم اجتماع دقائق السديم في أشكال كروية بحيث تكون القطع المؤلفة منها كرية الشكل أيضاً. ولا يخفى عليكم أن هذا اللزوم إنما يكون إذا كانت جواهر السديم الفردية متساوية حجماً وقوة. وذلك لا يوافق تعليل الأشياء الطبيعية والتراكيب الكيماوية ..... إلخ. وأما اعتراضكم الثاني فلا نرى له وجهاً ولا محلاً وليست أبحاث العلامة جورج دارون مجهولة منا .... إلخ. وأما اعتراضكم الثالث فالداعي إليه سهو قد سبق إصلاحه في الجزء الماضي من المقتطف وهو إبدال لفظة الهواء بالهيدروجين فيستقيم المعنى ويدفع الاعتراض. على أننا نثني على اجتهادكم كما هي عادتنا مع كل رجل يفهم وأديب يروم كشف الحقائق". ورد أصحاب المقتطف هذا، يدل على أنهم تعاملوا مع جرجي زيدان بوصفه؛ أحد القرُاء ولا توجد معرفة به!!
وفي الشهر التالي مباشرة – وفي باب "رسائل شتى" – أرسل جرجي زيدان كلمة إلى المجلة كي تنشرها له، وبالفعل نشرتها المجلة، وهي عبارة عن دفاع زيدان عن المقتطف عندما انتقدها أحد الكُتّاب في جريدة التقدم؛ لأنها تهتم بالعلم والعلوم البحتة على حساب اللغة العربية في فصاحتها وجزالتها!! ولأن المقالة كبيرة نوعاً ما، سأجتزئ منها أهم جزء، وفيه قال زيدان رداً على منتقد المقتطف: "... لما كنت أقرأ تلك المقالة الطنانة! وما تضمنته من الانتقاد اللغوي خلت نفسي متقهقراً إلى الأزمنة التي كانت تنقضي على المجادلات النحوية والمناقشات اللغوية وما شاكل مما أفاد في حينه ولكن زاد حتى أفضى إلى التأخر في زماننا بما أضيع عليه من الوقت الثمين خلافاً للذين يقضون أوقاتهم في التفتيش عن الحقائق العلمية والتجارب الصناعية التي آلت إلى تقدمهم ونجاحهم ووصولهم إلى ما هم عليه الآن من العمران والثروة. ألا تعلم يا صاح إن ما كان يضيعه الواحد منا على الاعتراضات اللغوية والنحوية كان يقضيه يعقوب وط في البحث عن الحقائق الطبيعية والتجارب الصناعية التي أدت إلى اختراع الآلة البخارية التي تستعمل في كل عمل يحتاج إلى قوة. وهل خفي عليك أن ما كان يبذله العالم فينا على الرد والاعتراض على المذاهب اللغوية والمناقشات النحوية كان يطالع فيه برنارد بالسي المقالات الكيماوية ويجمع العقاقير اللازمة لاكتشاف دهان الخزف. وهل فاتك أن ما كان يضيعه الواحد منا على السجع والتجنيس كان رتشارد أركربت يحاول فيه اختراع آلة الغزل التي أتت العالم بفوائد لا تحصى. وكذلك ما كنا نقضيه على المدح والذم نثراً ونظماً كان صاحب الهمة كريستوفورس كلمبوس يسعى فيه سعيه الحميد الذي آل إلى اكتشاف العالم الجديد".
وفي أبريل 1884، نشر زيدان في باب "مسائل وأجوبتها" مجموعة من الأسئلة، قال فيها: " بلغني ممن يوثق بقولهم إن إسكتلندا خالية من الثعابين والعقارب وسائر الحشرات السامة المؤذية. فهل ذلك حقيقي. وإذا كان حقيقياً فما هو تعليله. فقد يتبادر إلى الذهن أن ذلك ناتج عن برودة تلك الأصقاع لولا وجود تلك الحيوانات في أصقاع أخرى أكثر برودة من هذه. ولذلك قد التجأت إلى مقتطفكم الأغر كنز المعارف ومعدن الأدلة والتعاليل ملتمساً الإفادة ولكم الفضل". وقد أجابوه أصحاب المقتطف بأن وجهة نظره صحيحة، ثم سأل سؤالاً أخر في الموضع نفسه قال فيه: " بلغني أن اللغة الرسمية التي يتكاتب بها دول أوربا هي الإفرنسية. فإذا كان هذا هو الواقع أرجوكم الإفادة عن الداعي لاختيارها والمانع من اختيار غيرها فتزيدونني بذلك شكراً". وأجاب أصحاب المقتطف على سؤاله بصورة مطولة، يصعب نشرها هنا.
مقالات باسمه
كل ما سبق، يُعد كتابات مجهولة لجرجي زيدان؛ على الرغم من أنها كتابات علمية وأسئلة ومناظرات ومناقشات .. إلخ، وهذا ما جعلها مجهولة، لم يلتفت إليها أحد من قبل – على حد علمي – ولكن هذا الأمر لم يستمر طويلاً، ففي مارس 1886، نشرت المقتطف مقالة كبيرة في ست صفحات باسم جرجي زيدان صراحة، وهذا التاريخ يتوافق مع ما قاله زيدان في مذكراته بأنه كان محرراً في المقتطف!! وهذه المقالة منشورة تحت هذا العنوان "أصل الكتابة لجناب جرجي أفندي زيدان"، وعند هذا العنوان كُتب هامش، جاء فيه الآتي: " خطبة تلاها في جمعية شمس البر ببيروت"!! أي أن المقالة في الأصل خطبة ألقاها زيدان في هذه الجمعية. وفي المقالة تحدث زيدان عن الطريقة الطبيعية لاختراع الكتابة، وعن استخدام الصور للتعبير عن الأفكار، ثم عن استخدام المقاطع الصوتية، وقال في خلاصة موضوعه: "وخلاصة ما تقدم أن الكتابة مرت قبل أن وصلت إلى ما هي عليه الآن على أدوار ستة وهي الدور الرمزي والصور الذاتية والصور المعنوية والصور المقطعية والانتقال من الصور إلى العلامات واختراع الحركات". ثم تطرق إلى الحديث عن "إن لغات العالم تقسم إلى ثلاثة أقسام كبرى: الأول يشتمل على اللغات السامية وأشهرها العربية والعبرانية والسريانية والكلدانية والحبشية والسامرية من اللغات الحية. والفينيقية والبابلية من اللغات الميتة وكل منها يكتب بأحرف خاصة به حسب الظاهر. والثاني يشتمل على اللغات الآرية وهي تقسم إلى جنوبية يتكلم بها في الهند وبلاد فارس والكتابة فيها بالحروف العربية بعد افتتاح العرب لهما (إلا اللغة الهندية القديمة المعروفة بالسنسكريتية) وشمالية وهي تشتمل على جميع لغات أوربا وقسم عظيم من أميركا وكتابتها بالحروف اليونانية واللاتينية (أو الرومانية) والسلافية وجميعها تعود إلى اليونانية لأنها مصدرها. والثالث يشمل اللغات الطورانية والقسم المهم منها هو التركي وكتابته بالحروف العربية. وبالنتيجة يمكننا حصر أشكال ما يستعمل من الحروف الآن في ستة وهي العربية والعبرانية والسريانية أو الكلدانية والحبشية والسامرية واليونانية وهذه الأشكال الستة من أصل واحد". وفي خاتمة الخطبة أو المقالة، قال: "النتيجة: يستنتج مما تقدم أن الكتابة مهما تعددت أشكالها وأنواعها فهي من أصل واحد نما على ضفاف النيل في أزمان لا تعرف تماماً ومنه توزع على المسكونة عن يد الفينيقيين الذين قطنوا هذه الديار (سورية) قبل المسيح بأجيال وأنها مهما كانت عليه الآن من الاتقان فقد نشأت في أبسط الأشكال للدلالة على أبسط المعاني ثم نمت وتفرعت وأتقنت فصارت أنواعاً متعددة تبعاً لناموس ارتقاء العام".
وتتوالى الكتابات
وبعد ثلاثة أشهر – وتحديداً في يونية 1886 - نجد جرجي زيدان ينشر في باب "المناظرة والمراسلة" سؤالاً تحت عنوان "مسألة في الفلسفة الأدبية، قال فيه: "أرجو من أهل الفضل وأصحاب النظر الإجابة على هذه المسألة وهي: هل يجازى الإنسان (بموجب الناموس الأدبي) على عمل ليس في طاقته إلا أن يعمله؟". وفي فبراير 1887 نشر زيدان ثلاث صفحات في الباب نفسه، حول ما كتبه جبر ضومط عن كتابه – أي كتاب جرجي زيدان – "الفلسفة اللغوية". وفي إبريل 1887، كتب زيدان أيضاً ثلاث صفحات في الباب نفسه، حول كتابه هذا!! وفي نوفمبر 1888 نشر زيدان تسع صفحات تحت عنوان "فتح المسلمين لمصر"، وجاء في الهامش إنها من كتاب تحت الطبع من تأليفه.
وآخر ما وجدته من كتابات مجهولة لجرجي زيدان، مقالة منشورة في ديسمبر 1888، تحت عنوان "المعارف العمومية في الديار المصرية" في باب "المناظرة والمراسلة"، قال فيها زيدان: اطلعت على رسالة في "المعارف العمومية بالديار المصرية" تأليف حضرة محمد سعيد أفندي شرح فيها حالة مصر الراهنة من حيث العلم والمدارس وكيفية التدريس وتقسيم الأوقات والدروس ورتب التلامذة. وأفاض في البحث عن أحسن أسلوب يجب اتخاذه في التعليم .. إلخ".
وقد أبدى زيدان وجهة نظره – ومناقشة المؤلف - في كل ما كتبه. ومن الطريف أن ما كتبه زيدان عن عيوب التعليم في مصر، هي نفسها العيوب الموجودة حتى الآن!! وخاتمة زيدان تقرّ بذلك، وفيها يقول: " المقام يدعونا إلى تذكير رجال حكومتنا الكرام بشدة احتياجنا إلى مجمع علمي يكون من شأنه البحث في احتياجات مدارسنا الأميرية وغيرها من حيث العلوم التي تعلمها والكتب التي تعلم فيها والأساليب التي تعلم عليها وعلى وجه خاص النظر في أمر كتبنا اللغوية التي قد تقادم عهد تأليفها فأصبح التدريس فيها إسرافاً بالوقت. فربما يقضي المتعلم أعواماً طوالاً على درسها فإذا أتى على آخرها فقد لا يأتي على اتقان ملكة اللغة لما في تلك المؤلفات من التطويل والتعقيد على إنها لو حوّرت بين اختصار وبسط تمكن الطالب ببضع سنين من اكتساب تلك الملكة والبراعة فيها على أحسن أسلوب ولا يخفى ما على هذا الأمر من الأهمية لأننا إذا كنا نحتاج إلى عشرات من الأعوام لإتقان ملكة لساننا فمن أين نأتي بالوقت الذي يقتضيه درس العلوم العصرية وغيرها. هذا وإني أعيد الثناء على حضرة المؤلف لافتتاحه باباً للخوض في موضوع لم نكن في غفلة عنه من قبل وإنما تجرأنا على الخوض فيه الآن اعتماداً على ما لرجال حكومتنا الحاليين من شديد الرغبة في استطلاع الآراء لينظروا فيها بدقيق نظرهم وصاحب البيت أدرى بالذي فيه".
الخاتمة
هذه هي أغلب الكتابات المجهولة لجرجي زيدان، أشرت إليها واقتبست القليل منها، وهي الآن في احتياج إلى من يجمعها كاملة – ويبحث عن غيرها – حيث إنها تصلح لتكون كتاباً يُضاف إلى تراث جرجي زيدان العلمي والأدبي، وهذا حقه علينا!! وربما يقوم أحد الباحثين بدراسة هذه الكتابات تاريخياً وعلمياً وأسلوبياً، ويستطيع من خلالها أن يضيف جديداً في مجال دراسة جرجي زيدان!!
ساحة النقاش