تفاصيل مجهولة عن نشأة دار العلوم
د. سيد علي إسماعيل
كلية الآداب – جامعة حلوان
ــــــــــــــــــــــ
اللهم لا أسألك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه!! بهذا الدعاء أبدأ هذه المقالة، التي ستثير غضب أغلب الدراعمة - ليس لما فيها من معلومات مهمة بل – بسبب عنوانها المثير والمستفز!! لأن كل درعمي سيشك في عنواني "تفاصيل مجهولة عن نشأة دار العلوم"، وسيظن أنني نقلت المقالة من كتاب "تقويم دار العلوم" لمحمد عبد الجواد، الذي لم يترك مجالاً لأي كاتب أو باحث – يأتي من بعده – ليضيف "كلمة واحدة" على هذا التقويم، لا سيما في مجال نشأة دار العلوم!! وبناءً على ذلك أقول: إن معلومات محمد عبد الجواد في تقويمه، نقلها من كتاب "تاريخ التعليم في مصر" لأمين سامي، ومن بعض الكتب الأخرى!! وأغلب معلوماته الوثائقية لم يذكر مصدرها!! وبالرغم من ذلك فإن كل ما جاء به صحيحاً، وقد تأكدت من ذلك؛ لأنني وصلت إلى المصادر الأولى لنشأة دار العلوم من خلال الوثائق المنشورة في تقويم النيل، ومن خلال مقالات الصحف، التي تابعت هذه النشأة في أيامها الأولى، مثل: جريدة الوقائع المصرية، ومجلة وادي النيل، وجريدة الجوائب!! ومن خلال هذه المصادر الأصيلة، استطعت أن أقف على تفاصيل لم ترد في تقويم دار العلوم!! فهيا بنا نقرأ تفاصيل نشأة دار العلوم، التي انتسبت إليها طوال اثنتي عشرة سنة في جامعة المنيا!!
الكتبخانة كانت البداية
نشرت جريدة الوقائع المصرية في سبتمبر 1870 أمراً رسمياً صادراً من الخديو إسماعيل، شرح فيه الأسباب التي دعته لإنشاء الكتبخانة (دار الكتب)، قائلاً: " ... إنه بناءً على ما تعلقت به إرادتنا صار إنشاء وتنظيم كتبخانة بسراي درب الجماميز كفاية نحو ثلاثين ألف مجلد لجمع الكتب تعلق الأوقاف والميري وحفظها ووقايتها من التلف وجار توارد تلك الكتب إليها على ما تراءى لزوم حفظه بمحلاتها من الآلات الهندسية والرسومات وغيرها من الأدوات اللازمة لعموم الأشغال والمدارس ولكون توضيب هذه الكتب وجمعها ونظافتها يحتاج لخدمة لحفظها وتغييرها لكل من أراد المطالعة مع استمرار الكتب الموقوفة على ذمة الأوقاف حتى لا يطرأ عليها تغيير ولا تبديل قد استصوبت إحالة هذه الكتبخانة على ديوان الأوقاف مع بقائها تحت نظر مدير المدارس وأنها تكون جامعة لكافة ما يدخل بها من سائر كتب الكتبخانة القديمة وكتبخانتي الأشغال والمدارس وغيرها مع ما يرد إليها من الآن فصاعداً من الكتب بأي نوع وأي لغة من أي جهة وتكون جميعها تابعة لديوان الأوقاف وموقوفة من طرفنا على المنفعة العامة كما وأنه في إتمام المنفعة يصير إيجاد محل فيها للتدريس العمومي يفتح في أوقات معينة ويقبل فيه كل من أراد التحصيل من جميع الناس على اختلاف مللهم وأجناسهم ... إلخ".
وما يهمنا في هذا الأمر الرسمي، العبارة الأخيرة، التي تفيد بوجوب وجود مكان في الكتبخانة – من أجل إتمام المنفعة – للتدريس العمومي!! وهذا المكان تم ذكره مرتين في نص "قانون الكتبخانة الخديوية" التي نشرته جريدة الجوائب في ثلاثة أعداد في أكتوبر 1870؛ فقالت في المرة الأولى: " يوجد بها [أي الكتبخانة] لتمام المنفعة محل للتدريس العمومي يفتح في أوقات معينة على موجب القوانين المدونة لتلقين العلوم النافعة". وقالت في الأخرى: "كما وأنه لإتمام المنفعة يصير إيجاد محل للتدريس العمومي يفتح في أوقات معينة ويقبل فيه كل من أراد التحصيل من جميع الناس على اختلاف مللهم وأجناسهم".
المدرج الدائري
حتى الآن لم نعرف أي شيء عن هذا المكان الموجود في الكتبخانة، والذي سيخصص للتدريس العام!! ولكن في ديسمبر 1870، نشرت جريدة الجوائب موضوعاً متعلقاً باحتفالات المدارس المصرية، ومنها التجهيزية، والمهندسخانة، والحقوقية، والمحاسبة، واللغات المصرية القديمة. وكان الاحتفال يختص بتكريم الأوائل، وهو الاحتفال الذي حضرة الخديو إسماعيل. وبسبب طول المقالة، سأجتزئ منها هذا الجزء: " ... ففي ظل الحضرة الخديوية عقد لها [أي المدارس السابق ذكرها] محفل عام من حضرات العلماء الأعلام والذوات الكرام والمعتبرين ذوي الاحترام في دائرة المدرج التابع للكتبخانة المصرية التي بجوار المدارس وامتحن جماعة من الأفندية في حضورهم فأحسنوا الجواب ونطقوا بالصواب .... إلخ".
إذن "دائرة المدرج" التابعة للكتبخانة المذكورة في الخبر، هي المكان الخاص بالتدريس العمومي، الذي جاء في الأخبار السابقة، وهو أيضاً مكان يصلح للاحتفالات العامة!! وهذا المكان وصفته الجوائب وصفاً دقيقاً في مقالة أخرى – في فبراير 1871 عندما وصفت مبنى الكتبخانة الخديوية - قائلة: "... وأجمل ما يُرى في هذا المحل [أي الكتبخانة] حجرة كبيرة مرتفعة تحتوي على نصف دائرة فيها مقاعد لتلاميذ المدارس التي تقدم ذكرها أعني الهندسة والمساحة والإدارة والألسن وفي نصف الدائرة الثاني مقاعد للمدرسين والمتفرجين ويقال له محل امتحان التلاميذ وهو على شكل مجلس النواب بباريس وفي جهة منه صورة الخديو المعظم أدام الله عزه وفي الجهة الأخرى صورة جده المرحوم محمد علي باشا طاب ثراه وفي محل آخر صغير صورة والده المرحوم إبراهيم باشا دام ثناه".
هذا هو وصف المدرج الدائري، المخصص للتدريس العمومي – أي المحاضرات العامة – والذي ذكرته الصحف والوثائق فيما بعد باسم "الأنفتياتر"!! هذه القاعة جعلت علي مبارك يرسل إلى الخديو إسماعيل اقتراحاً بإطلاق اسم "دار العلوم" عليها، لتكون نواة دراسية، بجانب كونها مكاناً للمحاضرات العامة لجميع الناس باختلاف دياناتهم أو لغاتهم أو جنسياتهم!! وقد وافق الخديو إسماعيل على مقترح علي مبارك، ونشر أمين سامي في "تقويم النيل" أوامر الخديو في هذا الشأن بتاريخ يونيو 1871، وفيها رد الخديو على علي مبارك قائلاً:
".. أمر كريم صادر لمدير الأوقاف منطوقه: قد علم لدينا ما أوضحتموه ..... بشأن ما حصل من حسن انتظام واستعداد الكتبخانة التي أنشئت وكون جعل فيها محل للتدريس العام وخزانة مخصوص لجميع الآلات والأورنيكات المقتضية لتوضيح نظريات وقواعد العلوم الطبيعية والمباني والآلات البخارية وغيرها وتستأذنون عن تسمية محل التدريس المحكي عنه باسم دار العلوم مع تعيين من يلزم بالمحل المذكور وبالكتبخانة من أفاضل العلماء أهل الدراية في جميع الفنون لإفادة من يستفيد وشرح ما خفى من أسرار تلك الآلات الموجودة لمديريه ثم وليتعلم بعض تلامذة المدارس المتقدمين فيها واستعدادهم لأن يكون منهم خوجات في المدارس الملكية والأهلية لما في ذلك من المزايا ويكونوا أولئك الأشخاص تلامذة بمحل التدريس العام دواماً وينضم عليهم من يحضر من الخارج والأهالي والأجانب لمجرد الحضور في بعض الأوقات كما أنه من حيث مرتب من أوقاف الحرمين أربعة آلاف وتسعماية وسبعة وخمسين غرش شهري لمن يتعين لنظارة الأوقاف غير مرتب رتبته المعتاد صرفه من الميري تروموا أنه إذا وافق يجري ربط هذا المبلغ لمدرسة الكتبخانة ليعطي منه لمن يتخصصوا للتدريس بها كل منهم على حسبه وحيث وافق لدينا ما رأيتموه في هذا الخصوص وتسمية محل التدريس المحكي عنه باسم دار العلوم ثم سمحت إرادتنا أيضاً بربط ذلك المبلغ لمدرسة الكتبخانة على وجه ما توضح فأصدرنا أمرنا هذا لكم لاعتماد الأجرى بمقتضاه".
المحاضرات الأولى
وهكذا أصبح اسم "دار العلوم"، يُطلق على المدرج الدائري، أو مكان التدريس العمومي، أو قاعة الاحتفالات بداخل الكتبخانة الخديوية. وقد أخبرتنا جريدة الجوائب - في يوليو 1871 – بتفاصيل جديدة عن هذا المكان وتحديده، قائلة: " منذ بعض أسابيع حصل الشروع في ترتيب عدة دروس عامة بمعنى أنه يباح لكل أحد من أي دين كان ومن أي جنس كان أن يحضرها ويستفيد منها ويتدبرها تقرأ بطريق الجهر لا على سبيل الخفية والسر في قاعة المدرج المسمى باسم الأنفتياتر المعد لمجالس الامتحانات العمومية والاحتفالات الرسمية بالكتبخانة الخديوية الكائنة في الحوش الأول من ديوان عموم المدارس الملكية بسراي درب الجماميز الداورية بمعرفة عدة من أفاضل علماء المدرسة الأزهرية ومشاهير خوجات المدارس المصرية بهذه الحقبة العصرية في العلوم الأدبية والفنون الإسلامية العربية والمعارف الجديدة المعروفة بالعلوم البرانية أو الأجنبية كفن التاريخ العام وعلم الفلك وسكك الحديد والآلات البخارية والعلوم الطبيعية مما لا يتيسر في الأكثر الحصول على معرفته والوقوف على حقيقته بمدرسة الجامع الأزهر على الوجه الأتم الأنور فمن كان له رغبة من خاص وعام وعلماء وعوام فليهرع إلى حضور تلك الدروس المفيدة وليتدبر تلك المعارف الجديدة فإنه متى حضرها فلا يمنع بل يرتع من سعة هذا المكان الوسيع والترتيب البديع الذي هو من الترتيبات الخديوية الخيرية والمآثر العصرية الداورية خير مرتع".
كما نشرت الجريدة – في المقالة نفسها - أول قائمة بأسماء المحاضرات التي ألقيت، مع أسماء محاضريها، وتوقيت المحاضرة وأيامها!! وهذه القائمة تشتمل على أول محاضرات سيتم إلقاؤها في "دار العلوم"، وكانت مقسمة على محاضرتين في اليوم الواحد، الأولى من الثامنة صباحاً إلى العاشرة، والأخرى من الثالثة إلى الخامسة مساء. أما المواد العلمية وأسماء أساتذتها، فتتمثل في: " الشيخ حسين المرصفي لتدريس علوم الأدب العربي كل يوم أحد وأربعاء من كل أسبوع، وحضرة إسماعيل بك الفلكي مدرس علم الفلك بالمدارس الملكية لتدريس علم الفلك باللغة العربية كل يوم ثلاثاء، وحضرة منصور أفندي أحمد مدرس الطبيعات بالمدارس الملكية لتدريس علم الطبيعات مع التجاريب على الآلات باللغة العربية في كل يوم سبت، وحضرة الموسيو ويدال معلم وناظر مدرسة الإدارة الخديوية لتدريس فن سكك الحديد العصرية باللغة الفرنساوية في كل يوم سبت واثنين، وحضرة فرانس بك المعمار الشهير لتدريس فن الأبنية والعمارات باللغة الفرنساوية في يومي الأحد والثلاثاء، وحضرة الموسيو جيجون معلم وناظر مدرسة العمليات الخديوية المصرية لتدريس فن الآلات البخارية باللغة الفرنساوية في كل يوم أربعاء، وحضرة الموسيو بروكش معلم مدرسة اللغات القديمة المصرية لتدريس العلوم التاريخية العمومية باللغة الفرنساوية في كل يوم خميس".
أول طلاب بدار العلوم
من الواضح أن المحاضرات العامة السابقة، لم تثمر عن شيء، ولم تحقق هدفها بالنسبة للجمهور العادي – في هذا الزمن المتقدم – وربما لم يحضر فيها أي شخص من الجمهور العادي؛ لأنني بكل أسف لم أجد دليلاً واحداً يثبت أن الجمهور العادي حضر محاضرة واحدة من هذه المحاضرات العامة!! ولهذا السبب، قام علي مبارك بإنقاذ الموقف – وإنقاذ مشروعه - وفكّر في استعارة بعض طلاب من الأزهر الشريف – بمقابل مادي - لحضور هذه المحاضرات – بجانب دروسهم في الأزهر الشريف - مع تعديل في مناهج المحاضرات، وتعيين بعض مشايخ الأزهر للقيام بالتدريس النظامي في هذه المحاضرات. فقد ذكر أمين سامي في "تقويم النيل" في يوليو 1871 بأن علي مبارك – بوصفه مديراً للمدارس وللأوقاف أيضاً – عيّن مجموعة من الأساتذة للتدريس وإلقاء المحاضرات في دار العلوم بالكتبخانة، ومنهم: الشيخ حسين المرصفي مدرس عام بالكتبخانة، والشيخ عبد الرحمن الجيزاوي مدرس الفقه، والشيخ أحمد شرف الدين المرصفي مدرس التفسير. أما طلاب الأزهر، الذين بدأت بهم دار العلوم الدراسة العامة، فكانوا عشرة، ونال كل منهم مبلغ خمسة وعشرين قرشاً شهرياً، وهم: الشيخ أحمد بركة، الشيخ محمد عمر الزعفراني، الشيخ إسماعيل أحمد القناوي، الشيخ علي الجرجاوي، الشيخ محمد العروسي، الشيخ محمد الطحلاوي، الشيخ إبراهيم عمر القناوي، الشيخ مصطفى عبد الله، الشيخ أحمد محمد القاضي، الشيخ علي بدوي.
وبناءً على هذا، حدث تعديل في جدول المحاضرات – السابق ذكره – وهذا التعديل نشرته جريدة الجوائب في أغسطس 1871، تحت عنوان "إعلان من ديوان المدارس المصرية"، هذا نصه: "لما حصل بحسب الاقتضاء بعض تغيير وتبديل في مواقيت الدروس العامة التي ترتبت بقاعة التدريس المسماة بالأنفتياتراي قاعة المدرج الكائنة بالكتبخانة الخديوية بجوار ديوان عموم المدارس بدرب الجماميز عما كان قد سبق عنها الإعلان قبل الآن بالمنشورات المحلية وعلى الخصوص في نشرة وادي النيل لزم الإعلان ثاني مرة للتفهيم عما استقرت عليه القاعدة في تعيين مواقيت هذه العملية الخيرية المساعدة في كل يوم من كل أسبوع حتى يكون معلوماً للجميع على الوجه الآتي بعد. (يوم الخميس مساء) تفسير القرآن الشريف بمعرفة الأستاذ الشيخ أحمد شرف الدين المرصفي. (يوم الخميس صباحاً) درس الجغرافية والتواريخ العمومية بمعرفة جناب الموسيو بروكش. (يوم الأربعاء مساء) درس الآداب العربية بمعرفة الأستاذ الشيخ حسين المرصفي. (يوم الأربعاء صباحاً) درس الآلات البخارية بمعرفة الموسيو جيجون. (يوم الثلاثاء مساء) تفسير القرآن الشريف بمعرفة الأستاذ الشيخ أحمد شرف الدين المرصفي. (يوم الثلاثاء صباحاً) درس الفلك بمعرفة حضرة إسماعيل بك الفلكي. (يوم الاثنين مساء) درس الفقه بمعرفة الأستاذ الشيخ عبد الرحمن البحراوي. (يوم الاثنين صباحاً) درس الطبيعة بمعرفة حضرة منصور أفندي. يوم الأحد مساء درس الآداب العربية بمعرفة الأستاذ الشيخ حسين المرصفي. يوم الأحد صباحاً درس العمارات بمعرفة الموسيو فرانس بك. يوم السبت صباحاً درس سكك الحديد بمعرفة المعلم ويدال. يوم السبت مساء درس الفقه بمعرفة الأستاذ الشيخ عبد الرحمن البحراوي. ودروس الصباح كلها من ابتداء الساعة 1 ونصف ودورس المساء كلها من ابتداء الساعة 3 ونصف بالساعة الأفرنجية فليكن ذلك من المقرر المعلوم لكل من رغب حضور هذه الدروس من العموم".
مرسوم إنشاء دار العلوم
استمرت المحاضرات سنة كاملة، ومن الواضح أن تجربة تحديد محاضرات متخصصة لطلاب متخصصين من الأزهر الشريف، أسرع بإصدار مرسوم بإنشاء دار العلوم؛ بوصفها مدرسة نظامية لتخريج متخصصين في اللغتين العربية والتركية. وقد نشرت مجلة "مصر الحديثة المصورة" في أبريل 1929، نص هذا المرسوم الصادر في أغسطس 1872، ونصه يقول:
"عرض علينا انهاكم رقم 24ج 1289 نمرة 23 مدارس الذي به استحسنتم انتخاب قدر خمسين من نجباء الطلبة من سن العشرين إلى الثلاثين يؤخذون بالامتحان ممن يرغبون ذلك لإجعالهم ملمين في اللغة العربية والتركية بالمدارس الأهلية نظراً لعدم كفاية المعلمين الموجودين وإحالة هذه بالنسبة لما تجدد من المكاتب الأهلية وانتخاب أولئك الطلبة يكون ممن يوجد فيهم الأهلية واللياقة ويدرس لهم في دار العلوم الملحقة بالكتبخانة ما يلزم لتكميل معلوماتهم ويحضرون جميع الدروس التي تلقى إليهم ويربط لكل منهم مدة إقامته (تحت التعليم مائة قرش شهري) من ضمن المتحصل للكتبخانة من الرسوم بديوان الأوقاف. وعند تعيين أحد منهم بوظيفة في مكتب من المكاتب [أي الكتاتيب] بعد تمام تعليمه وظهور براعته بالامتحان يربط له الماهية اللازمة على الجهة التي يتعين لها حسب الوظيفة التي ينتخب إليها إلى آخر ما ذكرتموه وحيث وافق لدينا استحسانكم هذا فأصدرنا أمرنا لكم بالإشعار للمعلومية والمبادرة بالإجراء على الوجه المشروح حسبما تعلقت إرادتنا".
الخاتمة
هكذا تكونت دار العلوم!! وربما من لا يعرف الآن اسم كلية دار العلوم – الموجودة في جامعات القاهرة والمنيا والفيوم - يظن أنها كلية "العلوم" الخاصة بمواد الكيمياء والفيزياء والطبيعة .. إلخ هذه العلوم، المرتبطة في أذهننا بتخصص "العلوم"!! والحقيقة أن هذا هو اسمها الحقيقي، وهو تخصصها الحقيقي وفقاً للمسمى وطبيعة ظهوره وارتباطه بمحاضرات عامة في أغلب التخصصات العلمية المرتبطة بالعلوم أكثر من ارتباطها باللغة العربية أو الدراسات الدينية والأزهرية؛ بل أن الغرض منها؛ كان تعليم الجمهور العلوم الحديثة والأجنبية، التي لا توجد ضمن العلوم الأزهرية!! ألم يقترح علي مبارك اسم "دار العلوم" على الخديو إسماعيل؟!! والاسم تم إطلاقه على قاعة تُلقى فيها محاضرات عن: علم الفلك، وعلم الطبيعيات، وفن السكة الحديد، وفن الأبنية والعمارات، وفن الآلات البخارية، والعلوم التاريخية العمومية، وعلوم الأدب العربي. وهذه العلوم يصلح لها اسم "دار العلوم"!! والسؤال الآن: ماذا لو حافظ علي مبارك على مقررات وتخصصات هذه القاعة، التي سميت باسم "دار لعلوم"؟! ألم يكن لدينا الآن أقدم وأهم كلية – بل جامعة – تُدرس كافة العلوم العلمية والأدبية من خلال تخصص عام هو "دار العلوم" .. مجرد سؤال!!
ساحة النقاش