الملح
هكذا في لمح سحابةٍ،
انضمّ الملحُ إلى قائمةِ الأعداء.
لم يعدْ بإمكاني أن أُزَرِّيه على
صينيةِ البطاطس،
متابعاً انحلاله في الشرائح المستديرة
وهي تنثُّ بخارَها الحرّانَ في الأنف،
ولن أستسيغَ النساءَ
اللواتي ينثرنه على مواكب الظافرين،
أو على الغربالِ في سُبوع الطفل.
كما لن أستطيع أن أصيحَ في حفل اليساريّينَ:
«الفقراءُ ملحُ الأرض».
هكذا في لمحِ سحابةٍ،
انضمَّ الملحُ إلى قائمةِ الأعداء،
لاشكَّ أنني سأكون كذّاباً
إذا أقسمتُ على وفائي لمحبوبتي
بالعيش والملح،
ولاشك أنني لن أودَّ للماشينَ قرب ترعةٍ
أن يُحَوِّدوا على المالح،
كما يدعو فولكلور بِرْكة السبع.
ولاشك أنني سأتحاشى في
ندوةِ الحزب،
الحديثَ عن مسيرة الملح
ككنايةٍ عن غموض الشرقِ.
فضلاً عن استرابتي في إناء الماء بالملح،
إذا جهزّتْه بنتُ سيد،
لترطيب ساقي من ورم الوظيفة،
إذ سأسألُ نفسي:
أرحمةٌ، أم تمهيدٌ لانسراب الغرغرينا؟
إذن، ممنوعٌ على أن أنتشي حينما
يشدو صباح فخري:
« قلْ للمليحةِ في الخمار الأسودِ»،
وممنوعٌ على أن أمرَّ على المَلاَّحات
في طريقي إلى أبي يوسف،
وممنوعٌ على أن أحطَّ في عيني
حصوةَ ملحٍ،
إذا خلعتْ حبيبةٌ سوتيانَها
تأهُّباً للعزف،
الأمَرُّ: أنني سأغتاظ كلما وضعتْ
سيدةُ النبع فوق طاولة الغداء
أنشوجةً أو بطارخَ،
لأن ذلك سوف يعني أنها تريد السوءَ بي،
وكلما أفرطتْ في مدح بيّاعةٍ بدينةٍ
تنِّمقُ لها المخلّلاتِ كباقةٍ من قرنفلٍ،
لأن ذاك سوف يعني أنها
كَيّادةٌ،
ونقيضٌ للتكافل.
هكذا في لمّحِ سحابةٍ،
انضمّ الملحُ إلى قائمة الأعداء.
لكنني سأحتال على تعاليم النطاسّيين،
بخبثِ المنوفيّين وفطرةِ الشيخ،
على سبيل المثال:
سألعق عرقَ حبيبتي البرونز،
كلما ارتفعتْ موسيقي الأعضاء،
سأبيتُ أذوق باللسّان الملعثم
ماءَها المطَّهرَ الذي يتنزّي بين ساقيْها
عندما يفيضُ نبعُ سيدةِ النبع،
سأستبقي في فمي طعَم جلدها المغسولِ
بعد الخروج من هانوفيل،
سوف أظل أري وجودَها في الدنيا
ملحاً يضبط طبخةَ الرّب.
أما على سبيل الحصر:
فإنني سأعيدُ كلَّ أمسيةٍ،
إنشادَ سورةَ الرحمن التي تقول:
« يا عُريَها يا ملحُ
يهوي فتيتُكَ في الفؤادِ،
فينكوي ضلعُ الفتي
وينزُّ جرحُ
يا عريَها يا ملحُ
تحمي اندلاعَكَ في العيونِ
صبابةٌ،
ويحفُّكَ الفرْحُ
يا عريَها يا ملحُ
أنتَ التنفّسُ في التويج،
وفي اخضرار وريقةٍ نَتْحُ
يا عريَها يا ملحُ
اِنزلْ على المعطوبِ تبرأْ علّةٌ
ويجفَّ قرْحُ
يا عريَها يا ملحُ
أنت الذنوبُ،
وبعدها أنتَ العقابُ،
ويعدها ستجيء أنتَ التوبُ والصفحُ
يا عريَها يا ملحُ».
هكذا، برغم لمح سحابةٍ،
لن يتحولَ الصديقُ إلى عدو،
فيا امرأةً تفكِّكُ عن قدميها الصواميلَ:
اِقرئي مدنَ الملح
لأن حضورَك في مصر،
ينظِّفُ ذائقةَ بني آدم.