الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

أشعار الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

2

 

ثم كانوا أمام أفقٍ أخيرٍ يقفون:
فجأةً أنشدوا:
لم يكن وصلُكَ إلاّ.
وبكوا بكاءً عزيزاً.
يأتي علي صيغةِ: نزيفاً.
عندما داهمه الغناء
خلع جلبابَه الحريري نازلاً في الماء،
صارخاً عند ساقيةٍ علي نهرٍ وحقلين.
وكان غناءٌ في الليالي يقول:
أيها المضرَّجُ في الأرغولِ والجلباب الحريري.
قالوا: طعنتْه غانيةٌ كان يضاجعهاَ عند
ساقيةٍ علي نهرٍ وحقلين في السَّحَرِ السحيق.
وقالوا: جنيّةٌ راودتْه عن عمره الجميل.
يكون يكتبُ في الخفاء مكتوباً:
فرحٌ آخرُ ينتظرني
توتٌ أجملُ من توت شرفتي
ونباحٌ أكثر دفئاً.
أجئ في المضارَعَة ،مهرولاً في ثيابِ:
يركض مبتلاً وحلواً حلاوةً.
تجئ في المضارعة، مهرولةً في ثياب:
تركض حلوةً ومبتلةً بَلَلاّ.
فيكتب مكتوبه الذي في الخفاء:
دَحْرجي فؤادي إلي القناطرِ الحليلة،
واصبغي المدى تشكيلياً.
أنا الذي قلتُ:
يا غابةُ كوني حليلي.
فجاء لي بطيئاً وكاتباً،
يصفّر صفيرَه المياسَ فوق الجثة المعتوقة
صرختُ: عريانةٌ - عريانة.
قال: كلُّ غابةٍ سجادةٌ وحالةٌ.
ففكَّتْ شَعَرَها إلي - وكتبتْ:
قناطري مُتَّكأٌ.
فصرتُ في غناءٍ يجيئني كلَّ عراءٍ
أعلّمُ ذاتي:
المسافةُ بين ميدان الدقّي وبين الجبالِ السبعة
نَصْلٌ نابضٌ وسيولٌ من القطط الخضراء.
وأعلّمُ ذاتي:
بين الجرحِ والجرحِ تشكيلٌ.
فقفزتْ علي ضوءٍ إلي،
ثم مدَّدتْ شَعرَها صوبي ولفَّتْني في الذي مدَّدتْ لَفَّاً.
أكون عند اللهجة نازفاً.
مغمغماً: كُّل عشبٍ حساسيةٌ.
سِينٌ: سِكّين.
له ما لي من الأعشاب والبراءة
وما جمعتُ من ثمالةِ الفرحِ الوهمي
وأكياسِ الحسرة.
أدعوه إلي وليمة قلبي،
وأمنحُه الفطيرةَ التي بصحني،
وأُرقِدُه علي الوسادة التي كانت لأختي النائمة.
يجئ خافتاً وحليما
وكنتُ أريده يجئ خافتاً وحليماً
أفتحُ له طريقاً بين الدمِ وثيابي
وأجعله يلاعبُ ملائكةً حقيقيةً تتقافز علي
رُكبتي
ثم يلاعبُ قططاً بيضاءَ تدخل من أبوابي وشبابيكي،
تتكوّم علي شَعرِه الطويلِ فيرقد بين الدم والثياب سكراناً.
فأدعوه عندئذٍ إلي وليمةِ:
جئْ غُنْجاً وبصيصاً.
كنتُ أستبطنُ غَوْري متمتماً:
قميصٌ في زماني وقميصٌ ليس في زماني.
فخرج علي أبيضَ أبيضَ:
رمي عند قدمي مفتاحين طازجَين
مصنوعَين من خشبٍ عتيقٍ.
وقال: انشرْ ثيابَكَ علي المنازل القريبةِ.
فنشرتُ ثيابي علي المنازل،
فإذا كلُّ منزلٍ قطةٌ رمزيةٌ وامرأةٌ دائرية
وكلُّ أفقٍ مُواءٌ وهَسَّةٌ.
صرختُ:
اخرجْ إلي في الفحيحِ والترعةِ المعتمة.
خرج لي خروجاً جميلاً:
إنسياً ومخاتلاً كالجرحِ الأصيلِ،
يفتح النوافذَ المفتوحةَ،
ويلصق في جبهتي ورقاً ملوّناً،
ثم يمرقُ بين ساقي كالكُراتِ الأسفنجية
الخضراء.

2

أدعوه إلي وليمةِ: هذه الكُوَى دلالةٌ،
فيقبل عابثاً في الطواحين،
يمرق بين ساقي كالكرات الأسفنجية الخضراء
ماسكا فتاةً كانت
بين عباءته ولحمِه الفسفوري،
يطلقها إلي مدينةٍ ذات جبالٍ سبعةٍ،
كلُّ جبلٍ كالجرح الأصيل،
فتضع علي كل جبلٍ جزءاً من قميصٍ لي،
وتمرقُ بين ساقَّي مَرْقاً،
وأنا أفتح لها طريقاً بين الدم وثيابي.
وعندئذٍ،
كنا نقعد جميعاً علي سلالم الأفق ضاحكين
وأقول له : لكَ الوجهُ الذي لي.
فيقوم قيامَه الجميل
لينصبَ إلينا مائدةَ:
ثاقبٌ معماري ثقوباً.
كان صاحبي غَنَّاء:
نَزَّ لي: الولدُ الراقصُ فوق قُبَّة الخليج.
وجاءني في الليالي مثقلاً وشفيفاً،
ألبستُه ردائي وشكوتُ لقلبه قلبي
فرمي إلي الليل والفضاء:
الولدُ المزيج.
صرختُ: حاءٌ - حُمَّي،
فرمي: حاءٌ - حُبٌّ.
قابليني في الجبال السبعةِ النافرة
حيث الراقدون البدو يرقدون
يطحنون أجسادهم ويذرونها مع كل ناي
وحيث البلحُ الغامضُ غامضٌ وضخمٌ
يترجرج بين أفخاذِ البدوياتِ البِكْرِ.
أيتها النادهةُ لحالي:
عندكِ النهرُ والليلُ البليغُ،
وعندك المِلحُ الممنوعُ،
والفطيرةُ المُحَرَّمةُ في بلادي.
سأكون في القميص المُنَقَّطِ بالقرنفلةِ الزرقاء.
أنا عَرَّاني البدوُ العُراةُ وصرخوا في:
دموعاً للمسافرين دموعا للمُلوحة.
صرختُ: دموعاً للمسافرين.
قالوا: هنا يتقلّبُ الأزرقُ انقلاباً فانقلبتُ،
قالوا: هنا بلحٌ للإثم الجميل. قضمتُ بلحاً
للإثم الجميل.
قالوا: الآن تأتيكَ القرنفلةُ الزرقاء.
خَرَجت المرأةُ اللونية من خيمةٍ وطيئةٍ
علي جبلٍ وطيءٍ،
في بدنها ناي من البُوص الثقيل،
وقالت: ألقاكَ علي كل جبلٍ خلاصاً.
فكنتُ والبدو في ثيابي
أترجرج في سائلٍ يصبونه من قدورهم
مخلوطاً في البلح المعجون بالأعضاء.
أنا الجبال أمامي - وورائي الجبال.
زعق علي الصوتُ : انطرحْ انطراحا.
وجاءت التي عندها الفطيرةُ خالعةً جلدها الأولاني
وأَرَتْني قباباً قباباً،
فخلعتُ جلدي الأَوَّلاني وانتفيتُ تحت قبْة:
يا نادهاً - يا.
وكان صاحبي بَكَّاءً:
أرقدتُُه، وكنا علي صحراء، بين غصنَين ناتَحين
وغنيتُ عند قدميه أغنيتين:
أغنيةَ الحاء والباء
وأغنيةَ : طِيري يا طيارةُ.
جاءني يخبُّ في دموعٍ
شاخصاً إلي الفضاء محاوراً فضاءً:
قال: يا طيارةُ خذي الخيطَ وغادري المرئي
قال: ثَبّتي جسدَكِ في:
دو - ري- مي.
قال: نعم سنروح.
ولما انتهي من حواره مع الذي ليس حسّياً
طفق يعانق الهواءَ عناقاً عصيباً
ويلوّح بقميصه الفضفاض وقد استضاءَ جسمُه بالغبطة والنشيج.
ولما فردتُ له العباءةَ صاح بغتةً:
شَقَّتْ غلافَها شقاً.
أشار في السهل الخفيض إلي وعلٍ عفوي بين
شجرتين ثقيلتين،
وقال مأخوذاً: دمٌ يجري علي قدمين.
ففردتُ العباءةَ قائلاً:
لكلّ شيءٍ شجرةٌ
وشجرةُ العشقِ البكاء.
كان إلي نبعٍ يرشُّ بأصابعه ماءً
علي أطراف الجبال العالية،
ويبخُّ من فمه ماءً
علي الطيور التي تحطُّ بين ساقيه الغليظتين.
خلعَ الثوبَ وقال لي:
لُفَّني في عباءةِ:
أن أكونَ بين الأرحام.
ففعلتُ.
تمتمَ للمؤنث الذي له يتمتمُ:
شُقّي موسيقياً.
ثم كان إلي عشبةٍ جافةٍ من صنوبرةٍ جافةٍ
قام يرسم بها في الهواء دوائرَ غامقةً غامضة،
فلم أفهم.
سألتُه، قال: أنا أحاور كائناً.
وانبطحَ علي البطحاء.
فلم أفهم.
قال: أنا أحفرُ علي بدنِ شفيقةَ ناري.
ثم كالملدوغ راح يصرخ متمرّغاً:
كُلي يا شفيقةُ كبدي.
كُلي يا شفيقةُ كبدي.
وظل يردد قولَه حتى ارتخي هامداً
ففردتُ عليه العباءةَ المخزونةَ،
وغنيتُ عند قدميه الغناء.
وكان في الإغماءِ يتمتمُ:
اذبحوا لي حمامةً في:
خَلّ عينيكَ تدمعا.
للصحراءِ في الزهر الجنوبي فحةٌ ورئةٌ.
صرختُ في نومي:
أيتها الموسيقي المكتومةُ اذهبي بي
حيث الجسدُ الذي يجرف الأشكالَ.
وأكملتُ في صحوي:
خذوني
خذوني إلي الكمين.
أيها الإنْسي الدفينُ
هيتَ لكَ أيها الإنسي الدفين.
خُضَّني وأخبرني: هل وراءَ كلّ صخرةٍ إيقاعٌ؟
كان يقبعُ لي في الهشيم فاتناً وفردياً.
جاءتْني التي جمعتني عند: لا تَلْتَمَّ.
فأعلمتُها أنني سأكتب:
فحيحُ المدى فِخَاخٌ
وهذه الرمالُ أفئدةٌ.
قلتُ: اصرخي ورائي: أيها المجهولُ الجميلُ.
صرختْ ورائي: أيها المجهولُ الجميلُ
يا آتياً من عُشَّةِ:
فاعلن.
شددتُها من ردائها وصحتُ:
انظري يا شفيقةُ
هذه أحجارٌ تجري إلي الفضاء
فاخرجي من الأغاني إلي المفتوح.
وقلتُ: ها هنا الكثبانُ أجسامٌ
ونَبْرَةٌ.
أرقدتْني في الكمين
فأمسكتُها في الصلاة.
وقلتُ: يا شفيقةُ أوصيني بما شربتِ من
جَرَّةِ اللبن.
فقالت: اصنعْ علي كلّ عُرسٍ مزماراً،
وضَعْ ردائي علي الزهر الجنوبي.
ثم قالت: اركضْ مني إلي:
فاعلاتن.
فصحتُ: أيها الإنسي الدفينُ هيتَ لكَ
في الفخاخ الجميلة.
كان حقلٌ يجري علي طُرُقاتها الضيقة
يجرّه حصانان ملتاثان
يطرق الأبوابَ التي أغلقها المساء القاتم،
طرقَ بابي
خرجتُ إليه خروجي
وكان ماسكاً فرشاةً غريبةًَ
قلتُ: جئتَ بالزعفرانِ وأكياسِ المرارة؟
قال: جئتُ بالفتاةِ التي ترتدي القطيفةَ السوداء.
ورسمَ بوابةً قرويةً علي وجهي.
دخلتُ إلي الفسقّية والحرارة،
إلي البخارِ الذي يسلخ أبدانَ القبيلة.
خلق فتاةً تلقائيةً لي
ألبسها خَرَزاً مزركشاً بدمائي الخضراء.
ثم دحَرَجَها إلي عتبةِ:
كلُّ الوجوهِ ابتهالةٌ.
فكانت تنبشُ علي صَدْغي وردةَ فان جوخ
الطائرةَ
وتربط وجهَها بوجهي.
يجري علي الطرقات اللينّة
يجرّه حصانان ملتاثان.
فأيقظْتني من سماءِ:
كأن القلبَ ليلةَ قِيلَ.
ووضعتْني في سماءِ:
تستسلمين كالشجرة.
فصحتُ: انفتحتْ الكوّةُ انفتاحا.
الأبوابُ التي أغلقها المساءُ القاتمُ.
طَلَبَها في الصاد - وكانت غائبةً.
طلبَها في الباء - وكانت غائبةً.
بخارُ الفساقي يسلخُ أبدانَ الداخلين
فهرولتُ إلي بوابة الوجه البحري
ودحرجتُها إلي أريكة : لي - لي.
انفتحت كوّتان:
طلَبها في الدّال - أومأتْ.
طلبَها في الميم - بدأتْ.
وكان الحقلُ يجري علي الطرقات الطائعة
يحفر علي وجوه الأهالي غزلاناً ووردةً طائرة
ويحرسني
حيث كنت أعبث تارةً في ترابِ:
جثثٌ علَي الفنارة.
وتارةً في تراب:
غنائياً - غنائياً.
أقحوان - أقحوان
أقبلي علي الندي والأوان:
مراكبُ ورقيةٌ كثيرةٌ تسيل علي نهري الداخلي
تفرُّ من بوغازٍ إلي بوغازٍ
وبين كلّ مركبين امرأةٌ كانت تقول لي:
خلّ عينيكَ صوبي.
وعلي كل مركبٍ جرارٌ من الياسمينِ المطحوِن
وتفعيلةٌ.
دخولها دخولي:
شقَّتْ قميصَها لي، ودحرجتني إلي التلوين
الرمادي، فانجررتُ سامقاً إلي التلوينِ
الرمادي، ثم كتبتُ:
مجروحٌ علي سَجَّيتي مجروحْ
ومُغْلَقي مفتوحْ.
فأَجْرَتْ في شَعرها نهراً وسَيرَتْ به مراكبَ
ورقيةَ كثيرةَ داخلي، ومَدَّدَتْني علي شِراع:
مُنتهي الجموع.
وكانت تقول: خلّ عينيكَ صوبي.
فخلَّيتُ.
ضحكتْ علي مركبٍ ورقي بي وراودْتني،
وكنتُ آتياً من 18و19 راقصاً وضاحكاً
قبالةَ التلوين الرمادي. قالت:
لاقني عند الجذوع والخلاء.
فلاقيتها عند الذي قالت، ثم خاصرتُها في:
يؤَدُّون دورَ المحبّينَ والأنبياء.
انبلاجها انبلاجي:
عَوَّمَتْني علي مركبٍ بي فقلتُ:
صِفيني صِفَتين:
صِفةً بها تركضين إلي تلول الماء،
وصفةً أغفو بها علي نُطَفي المُقبلة.
فوصفتْني بمثل الذي قلتُ،
ثم سَرَّبَتْني إلي الكائن الذي سألني مباغتاً:
بأي عَرَقٍ كنتَ ترقص ليلةَ الشهيق والطلوع؟
فصحتُ عائماً: ببَهْكَنَةٍ تحت الخِباء.
قال: جوّانيةٌ هي السُّفُن.
آلافٌ من العششِ الخفيفةِ تجئ.
صاح الجسدُ الذي يجرف الشكلَ لي:
انثر البّللورةَ انثر البّللورةَ،
واخرجْ من جهةَ الجَميزي إلي الكمائن الناعمة
للفخاخِ الجميلةٍ أكتبُ:
حُطُّوا علي السنبلةَ،
بدلاً من الغابة البطيئة.
سَمُّوا إلي الرذاذَ،
بدلاً من الهُطُول
وسَمّني يا فضاءُ.
للفخاخ الجميلةِ سَفَرٌ يخلعني من شجري
ويرشقني علي ساريةِ الجبل الغريب.
حيث العششُ الخفيفةُ
ومروحةُ الهواء
وحيث الصبايا يغنين لي:
مُنداَحاً-
منداحآً.
انفضحتْ رموزي
وأُفرغَتْ خزانتي المكنوزةُ.
وهاَ أنا أختفي
في:
لَكُم.

(إبريل 1977)

saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 42 مشاهدة
نشرت فى 25 أكتوبر 2013 بواسطة saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

saydsalem
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

118,262