لم يطب للنبوغ فيك مقام
(لحن حزين هزته ذكرى الأديب الخالد مصطفى صادق الرافعي)
لم يطب للنبوغ فيك مقام = لا عليك الغداة مني سلامُ
المنارات تنطفي بين كفّيْـ = ـكِ ويزهو بشاطئيك الظلام
والصدى من مناقر البوم يحيا = ويموت النشيد والإلهام
قد حبوت النعيم ظلّكِ لكنْ = أين قرت بشطك الأنغام
في هجير الأيام تمضي أغانيـ = ـك حيارى ي}جّ فيها الضرام
عبرت مسبح الجداول والنهْـ = ـر وغابت كأنها أوهام
تسكب السحر من شفاهٍ عليها = مصرع السحر لهفةٌ وأوامُ
تسكب العطرَ والخمائلُ صفرٌ = مات في الأيكِ نورُها البسّام
تسكب البرءَ من جراحٍ عليها = تُرعشُ العمر شكوةٌ وسقامُ
أنتِ يا مصر واصفحي إن تعتّبـ = ـت وأشجاكِ من نشيدي المُلام
قد رعيت الجميل في كلّ شيءٍ = غير ما أحسنت بهِ الأقلام
من روابيك خفّ للخلد روحٌ = قد نعاهُ لعصرك الإسلام
لبست بعده العروبةُ ثوباً = صبغُ أستاره أسىً وقتام
لم تُفق من شجونها فيهِ بغدا = د ولا صابرت أساها الشام
وعلى بلدة المعز دموعٌ = خلّدت ذكرهُ بها الأهرامُ
صاحبُ المعجزات أعيت حجا الدُّنْـ = ـيا وعيّتْ عن كشفها الأفهام
يخبأُ الحكمةَ الخفيّةَ في الوَحْـ = ـي كما تخبّأ الشذا الأنسام
ويزفّ البيانَ كالسّلسل المسْـ = ـكوب تَهفو بشطّه الأحلام
فإذا رقّ خِلتَه قبل الفجْـ = ـر على نارها يلذّ المنام
أو حديثَ النّسيم للزّهرة السّكْـ = ـرَى منَ الطلّ كأسها والمدام
أو حفيف السنابل الخضر رفّت = في رباها قنابرٌ ويمامُ
أو دعاء النّساك أبلتْ صداهم = في حمى الله سكرةٌ وهيام
وإذا ثارَ خلتهُ شُهُبَ اللّيْـ = ـل أطارت لهيبها الأجرام
أو شُواظاً مسطّراً قذفته = من لظى العقل هيجةٌ وعرام
أتعب الجاهدين خلف مراميـ = ـهِ بقصدٍ منالهُ لا يُرام
أصيد الفكر واليراعة والوحْـ = ـي على كبرهِ يُفلّ الحسام
حيّر النقد أن تروغ المعاني = عن مريديهِ أو تندّ السهام
فانزوى الحاسدون إلا فضولا = لا يداريه عائبٌ شتّام
قد سقاهم من سنّهِ مصرعَ الرّو = ح وإن لم تلاقهِ الأجسام
فلتقم بعد موتهِ ثورة الشّا = ني فقد فارق الوغى الصمصام
وله الشأنُ عزةٌ وخلودٌ = ولهم شأنهم صدًى وكلامُ
إيهِ يا ساقيَ المساكين كأساً = لم تسلسل رحيقها الأيام
قد جعلت الآلام وحيك حتى = فجّرت نبعها لك الآلام
ما الذي كان في سحابتك الحمْت = ـراء إلاّ الشجون والأسقام
كنت في عزلةٍ مع الوحي تشكو = ولشكواكَ كاد يبكي الغمام
تمسح الدمع من عيون اليتامى = وببلواك ينشج الأيتام
صنت عهد البيان لم ترخص القوْ = ل ولا شاب سحرك الإعجام
وتفردت بالصياغة حتى = قيل في عالم البيان إمام
ووهبت الفرقان قلبك حتى = فاض من قدسهِ لك الإلهام
فبعثتَ الإعجازَ كالشمس منه = يتهدّى على سَناهُ الأنام
فقم اليوم وانظر الشرق ضاعت = من يديهِ مواثقٌ وذمام
مزّقت قلبهُ الذئاب من الفتْـ = ـك ونام الرعاة والأغنام
في فلسطين لو علمت جراحٌ = مالها في يد الطغاة التئام
وطنُ الوَحي والنبّواتِ والإلْـ = ـهام أودى فعاث فيه الطغام
جذوةٌ في جوانح الشرق تغلي = فيروع السماءَ منها اضطرام
يذبح القوم في المجازر فرط الظلم = فيها كأنّهم أنعام
ويُهان المسيح في موطن القدْ = س ويشقى بأرضهِ الإسلام
وحماةُ البيان خرسٌ كأن الذود = عن كعبة الجدود حرام
إيهِ يا مصطفى وفي القلب شجو = نٌ وفي الصدر حرقةٌ وضرام
ليت لي سمعكَ الذي كرّمَ اللّـ = ـهُ صداهُ فمات فيه الكلام
كنت والوحيَ في سكون نبيٍّ = عادهُ في صلاته إلهام
تتلقّاه خاشع الهمس عفًّا = مثلما رفّ بالغدير حمام
لا ضجيجٌ ولا اصطخابٌ ولكنْ = هدأةُ الرّوح قد جلاها المنامُ
هكذا نعشكَ الطّهورُ تهادى = كالأماني لا ضجّةٌ لا زحام
فاذهب اليوم للخلود كما كُنْـ = ـتَ تُغاديك هدأةٌ وسلام
لم يَمُتْ من طواهُ في قلبهِ الشّر = قُ وغنّى بذكرهِ الإسلام
شعر: محمود حسن إسماعيل