أنا شاعر الوادي وعزاف اللظى
(ألقيت في ظلال المنصورة يوم احتفالها بمحمد محمود باشا في أثناء رحلته السياسية في 27 من مارس 1937 م )
لمحت ركابكَ يا مُظفّرُ مثلما = لمح الحجيج بظلّ مكة زمزما
فأتتكَ حاشدةً تكاد سماؤها = فوقك فرحةً وتبسمّا
بلد الهوى والسحر هزّ ملاحني = فهفوتُ نحو ظلالهِ مترنما
كادت مباهجها تنسّى خافقي = سحر الصعيد وما أفاض وألهما
قد كنتُ أحسبُها خميلةَ شاعرٍ = شدهَ الربيع خيالَهُ فترنّما
فإذا بها للحقّ ثورةُ ثائرٍ = نسخَ النسيمَ على الضّلالِ جهنّما
بالأمس لاذَ بظلّها متجبّرٌ = ضاقتْ به الدنيا فثارَ ودمدما
صلف الزعامة غرّهُ فمشى بها = يُرغي ويزبدُ فوق شطآن الحمى
زعم المواطن كلَّها أجنادَهُ = ولو استطاع على الورى لتزعّما
معبود قومٍ كلما نادى بهم = سجدوا لديه ضلالةً وتأثّما
آبيسُ والأصنامُ أقدسُ حرمةٍ = منه وأوهنُ في العبادة مأثما
دين الحجارة صامتٌ! لكنهُ = طلبَ الصلاة لنفسه متكلّما
قل للزعامةِ بعدَ ما أودي بها = عضُّ الأنامل حسرةً وتندّما
أين الرفاقُ؟ ألا فنوحي بعدهم = قد صار عرسك يا كئيبةُ مأتما
وعظُوكِ حتى صمّ سمعكِ عنهمُ = تركوك ثاكلة السواعد أيّما
أصبحتِ في التاريخ دمعةَ ظالمٍ = نار العدالة أوسعته تضرّما
تركوكِ حتى صار فرطَ ضلالةٍ = صنمُ القداسةِ في حماك مُهشّما
هذا حِمى المنصورة انصدعت به = آساسُ معقلكِ القديمِ فحُطّما
بلد الفدا والتضحياتِ أبى لها = شرفُ الكرامة أن تُقاد وتُرغما
دارُ ابن لقمان ودارةُ حصنها = ودّت مدارج سجنها لكِ سلّما
نبذيك نبذ الريح ذابلة السفا = ودعت عليلكِ تسخُطاً وتبرُّما
وشبابها ترك الضلالَ وعافَهُ = فغدا مسيرك في ثراهُ محرّما
قد لاذ بالوكن الذي برحابه = الجيلُ والنيل العتيد قد احتمى
زُرت الصعيد فكان ركبُكَ مهجةً = والشعبُ يجري في لفائفها دما
وعطفت بالدلتا فكاد نخيلها = يجثو لديك محيّيا ومُسلما
ومسابح الرياح أصبح موجها = يدعو لركبكَ في الشطوط مُغمغما
والسنبل المفتون يرقصُ فرحةً = والسّرو يبدو في الخشوع متيّما
دنيا من الأفراح يخفق بشرها = أنّى حللت من الديار وأينما
فأم بظلّ الحقّ أرسخَ دولةٍ = في النيل طاب زمانُها وتنعّما
واسمع نشيد الشعر فهو مشاعرٌ = فاض الولاء بها فهاج ورنّما
أَنَا شَاعِرُ الْوَادِيْ ! وَعَزَّافُ اللّظَىْ = إِمَّا شَهَدْتُ جَنَانَهُ مُتَألِّمَا
أهدي العطور لمن يفي لبلادهِ = وأسوق للطّاغي الخؤون جَهنّما
لاموا عليّ الشدوَ قلتُ رُيدكم = من ذا يلومُ العبقريَّ الملْهما
غيري يسُوقُ الشعرَ فضلَ بلاغةٍ = وأنا أُفجّر في منابِعه الدما!!
شعر: محمود حسن إسماعيل