الشعاع المقيد
(إلى هالة الوطنية التي تتفجر أنوارها من تمثال رسول الجهاد الأول مصطفى كامل وهو يرسف في قيوده بين ظلام النسيان والجحود)
خذ أماناً منَ الشعاع المُقيّدْ = فهوَ في القيدِ جمرةٌ تتوقدْ
أو فَذقْ منْ شُواظِهِ الحُرّ = فأنت المقيّدُ المستعبَدْ
ذُق شُواظاً لو مسّه صاهرُ الأغْـ = ــلال أضحى بناره يتعبّدْ
من حواشي الرخام يسطعُ للأحْـ = ـرار ديناً يهدي العباد ويُرشد
هو نورٌ لكنّه في ظلام السجن = نارٌ على القيود تعربد
مِلءُ ذرّاتِهِ أناشيدُ مجدٍ = بصداها مُحرّر النيل أنشد
ذرّةٌ تُرعب الحديد على الصمْـ = ـت وأخرى في الهول تُرغي وتُزبِد
غلّلتهُ بالأمس كفٌّ ضلولٌ = تنصرُ البغيَ بالحسام المجرّد
شدّ طُغيانها عتيٌّ منَ الغرْ = ب على النيل كم طغى وتمرّد
ملّكَتْهُ والملكُ لله دنيا = ظلُّها عاجل الفناء مُبدّد
فمضى في مسابح الشرق كالأقْـ = ـدار يُشقى كما يَشاء ويُسعِد
كم عدا فاتكاً وأحكم أغلا = لاً عليها الرقاب في الشرق تشهد
في فلسطين ظُلمه أقلق الدنْـ = ـيا وما هزّهُ الصراخ المردّد
وعلى مصر كم أذلّ وأردى = وتمطّى على النجوم وهدّد
عبقريٌّ في الختل يُدمي ويرتدّ = على الجرح باكياً يتوجّد
كم سقى النيل من ضرواته الهوْ = نَ وعيشاً من المذّلة أنكد
وتمادى فكنت يا مصطفى الهوْ = ل على هوله تثور وتُرعد
في غباء السنين والنيل مغفٍ = وبنوهُ من سكرة الضيم هُجّد
قمت كالعاصف المجلجل تجتا = ح فلا تنثني ولا تتردّد
تلبس القيد من جنانك قيداً = حزّهُ في الحديد نقشٌ مخلّد
هتفاتٌ بحبّ مصر وموتٌ = في هواها ونشوةٌ وتعبّد
وصلاةٌ بمجدها كنت فيها الْـ = ـعابد الصبّ والشواطيء معبد
وذيادٌ عن حرمة الوطن الشا = كي بعزمٍ كنيلهِ ليس ينفد
ودفاعٌ عن الحمى كنت فيه = ما لغير الحمى تروم وتقصد
فارسٌ في قتامة النيل تمضي = بشهابٍ من السماء مؤيّد
مِشعلٌ في يديك شرّد بالأضْـ = ـواء جُنحاً على الشواطيء أربد
كنت تسري به فتنهض فانيْـ = ـن عليهم شيخوخة اليأس تقعد
بضياءٍ من الهدى أنعش الشر = ق وطرف الزمان في مصر أرمدْ
وبيانٍ كأنه لهب البرْ = كان تختار جمره وتنضّد
كلُّ لفظٍ من الصراحة سهمٌ = في حشا الغاصبين ماضٍ مسدّد
هاتِ لي من صداهُ نبراً لعلّي = أنفثُ النار من صدايَ المغرد
هاته فالجحود واراه في سجْـ = ـنٍ على شاطيء الليالي مشرّد
في زوايا النسيان قبرٌ وذكرٌ = ورخامٌ في الصمت لهفانُ مكمد
كاد ينضو الأستار عنه وينعي = أنا رمز الفخار يا نيل فاشهد
أنا علّمتك الوثوب على القيْـ = ـد وعلّمتني الأسى والتنهد
ما الذي في الضفاف نسّاك روحا = ذاق من أجلك الردى واستشهد
أشيوخٌ على الكراسيّ هاجوا = وهيَ من هزلهم تميد وترْعدْ
أم شبابٌ على ترابك يمشي = حول ساقيْهِ كالأسير المصفّد
خانعٌ في حماك ينتظر البعْـ = -ث ليمضي إلى الأمام وينهد
علّموهُ والرزق في مصرَ رهنٌ = برجاءٍ وذلّةٍ وتودّد
كيف يلقي بعزمه تحت نعليْـ = ـهِ وفي الذلّ يستنيمُ ويرقد
ما الذي في الضفاف نسّاك يا نيلُ = هوى ذلك الشعاع المقيّد
فمنحت التمثال شِبراً عليه = تائهُ الدود في البلى يتمرّدْ
وحرمتَ الجهاد فجراً من النور = يُهدي إلى علاكَ ويُرشِدْ
شعر: محمود حسن إسماعيل