مرثية غصن الزيتون
إلى رفات ملك إثيوبيا:
صرخة السلام في الحرب الإيطالية للحبشة:
لا زهرهُ يندى ولا هو ينفخُ = ذاوٍ على طرف الصبا مُتصوّحُ
ريّانُ أميَسُ هدّلت أطرافهُ = هوجاء من نار المطامع تلفحُ
فرعٌ من الزيتون لم يخفق له = فننٌ ولم يسجع عليه صيدحُ
أنداؤهُ من حكمةٍ أبديةٍ = صمتت فما تلغو ولا تتفصّحُ
وغذاؤهُ من رحمةٍ علويّةٍ = يضفو بها طيفٌ هناك مُجنّحُ
تخذ السلام قصيدةً قدسيةً = يشدو بها شادي السلام ويصدحُ
لو رنّ هاتفها بسمع كتيبةٍ = هوجاء في رهج اللظى تترجّحُ
سجدت له الأسيافُ خجلى رهبةً = وتكفّأت فوق الثرى تتطوّحُ
***
يا سرجةً برواق جينيف ارتوت = من جدولٍ بدم الضحايا ينضحُ
نبعٌ من الأرواح سلسل فيضهُ = وجرى على بطحائها يتفوّحُ
ينسابُ من خلل الجماجم صاخبا = أمواجهُ من كل عرقٍ تطفحُ
ماذا دهاكِ فلم يدعْ سوسانةً = من هوله في جانبيك تُفتّحُ
صوتٌ من الطليان أروعُ غاشمٌ = مُتحفّزٌ بين الورى يتبجّحُ
خدعتهُ صامتةُ القنابل حينما = ذهبت تُهدّد بالردى وتُلوّحُ
مجنونةٌ بالموتِ جُنّ حديدها = ومريدُها خطرا يروع ويفدحُ
رعناءُ لو مسّت مطارف شاهقٍ = لانْدَكَّ من عالي الذرا يتطرّحُ
سكرى بخمر الموت تهذي جهرةً = بملاحنٍ من كبرها تتوقّحُ
خرساءُ لو نطقت أصمّ ضجيجها = أُذُن الحياة ، فلا تعي ما تُفصحُ
حُبلى بنسل النار يا ويلاهُ إنْ = ولدتْ فحتفٌ للبريّة يكسحُ
كم أفزعت عزريل حين تبرّجت = تلهو على جثث ِ العبادِ وتمرحُ
***
سلْ أمةَ الأحباش كيف تفزّعتْ = وغدت على قُضب القنا تترنحُ
لم تغنها الأجبال تعصم هاربا = أو شاكيًا تحت المغافر يرزَحُ
خيماتها في الحرب لو أبصرتها = شُعلاً على كنف الهواضب تُلمحُ
هي ألسنٌ للحق ذاع بيانها = ضرمّا عن الوجد المكتّم يُفصحُ!
يا ربّ مسودّ الجبينِ بظلها = قسماته عند الوغى تتوضّحُ
يُصليه إيمانُ العزائمِ باللظى = فيظلّ من قبساته يتروّحُ
يلقى الطغاةَ بعزمةٍ لو صادفتْ = قلبَ الحديدِ لخرّ بالدمِ يرشحُ!
***
يا فارس الرّومِ العنيدَ تحيةً = من شاعرٍ باللّوْم جاءك يصدَحُ
أنغامُهُ في النيلِ ضيّعها الأسى = وهي التي بهوى البلاد تُسبّحُ
عُذرِيّةً تشدو ، فإن هي أقبلتْ = تأسو يراوغها الشمات فيجرحُ
صرخت على حريّةٍ مسلوبةٍ = شعراؤها في كلّ فجٍّ نُوّحُ
ما ضرّ لو امهلتْ طائشةَ الوغى = قومًا تغادوا بالشكاةِ وروّحُوا؟
أوطانهم ! يا رحمتا لمصيرها ! = أملٌ لسُفّاكِ الطغاةِ ومطمحُ
فزعوا من الغارات تخنقُ جوّهم = فيضرع بالموت الأصمّ وينفحُ
الله طهّره هواءً طيّباً = كالروض ضمّخه العبير الأفيحُ
وابنُ التّرابِ أحالَهُ مسمومةً = نكباء ذاريةً تُبيد وتفدحُ
شعر: محمود حسن إسماعيل