الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

أشعار الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

في وادي النسيان

(أنشدت في مهرجان ذكرى شاعر النيل حافظ إبراهيم)

 

جَدَثٌ بمدرجة الرياح مُعفّرُ = البُومُ ضَيفُ تُرابِه والقُبَّرُ

ذَاوِي الرُّسومِ مِنَ الْبلى فكأنَّهُ = أَثُرُ النّمال مشتْ عليه الأعْصُرُ

أو خطّ رملٍ أنشأتهُ بنانةٌ = "لسطيح" من ماضي الدّهور مُسَطّرُ

أو حكمةٌ مرقومةٌ في معبدٍ = مُتهدّم شابتْ عليه الأسطرُ

أو نقشةُ في حانةٍ مَهجورةٍ = ألجامُ صُفّاحٌ بها مُتبعثرُ

عبرتْ عليه الريحُ كاسفةَ الخُطا = موهونةً فوق الثرى تتعثّرُ

والليلُ أطرقَ واجماً فكأنّهُ الزّنجيُّ = في حلكِ الأثير يُفكّرُ

والنجمُ يخفقُ رحمةً فتخالهُ = عيناً من الغيب المسَتّرِ تنظرُ

والنيل حين جرى بجانبهِ سرتْ = في موجهِ البلوى وكادَ يزمجرُ

والعبقريّةُ أعولتْ مشدوهةً = ثكلى تَفجّعُ صوبَهُ وتحسّرُ

قالتْ وقد شهدته منبوذ الحمى = وحفيرُه في البيدِ أشأمُ أغبرُ

والسافياتُ شددنَ من أوصاله = قصبا تزفُّ بجانبيه فيضفرُ

ونشرن من أكفانه رغم البلى = طاراً عليهِ يدُ النسيم تُنقّرُ

وهزجن والبؤس المخلّد مائلٌ = كالأمس في حرم الردى يتبخترُ

وأقمن عرسًا ماج فوق ترابهِ = يلهو به جنُّ الفلاة ويسمرُ

يا قبرُ لي تحت الصفائح شاعرٌ = تاريخه من نحسهِ متفجّرُ

عبر الحياة فما صغت لنشيدهِ = أُذُنٌ ولا واستْه عينٌ تبصرُ

فكأنما ألحانهُ تأويهةٌ = في الليل ردّدها شجٍ متحيّرُ

أو دمعةٌ محنوقة وقفت على = شط الجفون سجينةً لا تعبرُ

أو دعوةٌ محبوسةٌ في مهجةٍ = جلّى هُداها في الدُّجى مستغفرُ

أو همسةٌ في الغاب تائهةُ الصدى = أبلى نُفاثتها الظلامُ المصحرُ

دنيا من النسيان أُلْقِيَ مهدُه = فيها وسوّيَ لحدُهُ المتهجّرُ

ونصيبهُ بعدَ الفناءِ مصفّقٌ = يهذي لراثٍ في المنابرِ يَهترُ

ومهلّلونَ لشاعرٍ مُترنّمٍ = يلغو بأسجاع البيان ويهذِرُ

يا قبرُ هدّ بِناكَ عن جنباتهِ = مَنْ قال نسلُ العبقرية يقبرُ

فا هتزّ مُرتاعًا وغمغم جاثياً = ومضى يهلّلُ نحوها ويكبّرُ

لا تجزعي فهُنا الخلودُ وسرّهُ = خافٍ على كلّ العقول مستّرُ

لا تحسبي قبب الرخام أظلّها = بالسّرو ريّانُ الفروع منضّرُ

نفضت بساحتها العطارُ جيوبُها = فالمسكُ يسطع تحتها والعنبرُ

وأحالها فنُّ المصوّر آيةً = سرتِ الحياةُ بها فكادت تطفرُ

ومضت بها التيجانُ تلمع في الدّجى = كسرى نزيلُ رحابها أو قيصرُ

أزكى ثرًى من حُفرةٍ مطموسةٍ = دفنت بها ميْتاً لديها عبقرُ

تذرى ويذرى العظم في هبواتها = والخلد من ذرّ التراب منوّرُ

هذا ربيبكِ أعظمٌ منسيّةٌ = رجفت لها في الخافقين الأدهرُ

في مهرجان الخالدين حديثه = نغمٌ على شفةِ الخلود معطّرُ

حشدت له الأهرام ذكراً لو عدا = فيها البِلى لصبا إليهِ المحشرُ

في كلّ محرابٍ بها وبنيّةٍ = شادٍ يرتّل لحنه ويكرّرُ

شعرٌ إذا ما القيد صلّ حديده = في ظلّها يُضرى لظاهُ فيصهرُ

هزّ الجنوب بثورةٍ صخابةٍ = يغلي بها صمت القصيد ويسعرُ

تسري فيرهبها الطغاة فتبري = كالموت لا تبطي ولا تتأخرُ

من راح ينكرُ حاسدًا أصداءها = هذا دمُ الشهداء منها يقطرُ

في دنشوايَ لها رنينٌ خالدٌ = زعجَ الزمانُ دويّهُ المتسعّرُ

سجدت لصرخته المشانق رهبةً = وارتاعَ من خفقانها المتجبّرُ

وأناملُ الجلاد ودّت رحمةً = لو كلّ أنملةٍ عليها خنجرُ

ترتدّ في عنق الذي يهوي بها = قدرا يذودُ عن البريءِ ويثأرُ

تخذوا الحمامَ إلى الحمامِ وسيلةً = شنعاءَ واهتاجوا هناك وزمجروا

نصبوا مشانقهم لنا فكأنّنا = قطعانُ شاءٍ في المجازر تُنحرُ

ولو انّها نطقت لصاحت في الورى = كيدٌ لمصر وحويةٌ لا تغفرُ

إن كان بطشهم تكبّر عاتياً = فالله والوطن المفدى أكبرُ

قمْ عاشقَ النيلِ استفقْ فصباحهُ = حيرانُ في الشّطينِ أغينُ أصفرُ

صديانُ ما نقع الندى لغليلهِ = شوقاً ولا روّاهُ موجٌ يزخرُ

لهفانُ ينتظر الذي غنى له = ويصيح في نور الخميل ويزأرُ

أينَ الندى والسلسل المسكوب من = نغمٌ صداُ بلا آثامٍ يُسكرُ

أين البلابل في الضحى مسحورةً = بالشدو أنطقها الربيع المزهرُ

من شاعرٍ نهب الضحى وأذاعهُ = لحناً يغردُ في الربى ويصَفّرُ

ما شدّ أوتارًا له أو أرغناً = بل كان شطّي في يديه المزهرُ

ولهٌ بمصر وهزةٌ في قلبهِ = بغرامها كاللجّ راحت تهدرُ

وهوًى أحال الشرق قلباً ثانياً = في صدرهِ بِأسَى النوازل يشعرُ

سلْ غادة اليابان كيفَ أهاجها = في الروع عن ضافي الثياب تُشمّرُ

تمضي بمشتعلِ السّنان فإن قسا = تأسو جراحات السنان وتجبرُ

واسمع نشيد الأرز في لبنانِهِ = بردى يكاد بسحرهِ يتخدّرُ

والحور منتفض الغدائر راقصٌ = نشوانُ من رجع الغِناء مُطيّرُ

شادٍ بأظلالِ الجزيرةِ ساجلتْ = ألحانَهُ تحت الصنوبر دمّرُ

أسرى إلى الدنيا الجديدة صوتُهُ = فاهتزّ من طربٍ لديها المهجرُ

واسَى النزيل بها فكاد غريبها = يعييهِ للوطن الحبيب تذكّرُ

سل عنه في يوم الإمام خريدةً = وضحُ الهدى من صفحتيها مُسفرُ

فزعت إلى القبر الطهور وقلبها = جزعاً عليه من المحاجرِ يقطرُ

بالأمسِ علّمها التصبّرَ في الأسى = وطحت بها البلوى فكيف تصبّرُ

هتفت به يا موقظ الإسلام قُمْ = فالشرق بعدك واهنٌ متعثّرُ

كادت مآذنهُ تميد قبابها = وأَذانُها يَرثي ويهوي المنبرُ

يا ومضةً من كاملٍ قد أشرقتْ = فيضاً مِنَ النعش الطهور يُحدّرُ

هاجت على أوتار شاعره لظًى = متخشّعاً يخفي اللهيب ويسترُ

تذكو فيرهبها الجلال فتستحي = فتدسّ أنفاس الضرام وتضمرُ

الشعلة الأولى بوادٍ مظلمٍ = هالاتها من أصغريهِ تنوّرُ

قلبٌ كأنّ النيل أرضعهُ الندى = في المهد قدسيُّ الشغاف مطهّرُ

فإذا يجنّ لمصر تحسبه الصبا = في فجرها فوق الخمائل تخطرُ

وإذا يثور لها تخالُ مروجها = غيلاً يهيج على ثراه القسورُ

مجنون بالأوطان تحت لسانهِ = وجنانهِ نبعٌ لها متفجّرُ

إن الجنون بمصر أروعُ حكمةٍ = يوحى بها شرع الوفاء ويأمرُ

قم عاتب الأوطان حافظُ هاتفاً = بهواه إن جنانها متحجّرُ

شعرٌ إذا ينساهُ شعبُكَ جاحداً = فالنيل في يوم الفخار سيذكرُ

خبلَ الحزانى حين رنّ لبُؤسهم = غرباءَ بالعَوْدِ المفاجيء بشّروا

يأسو وأجراحُ الزمان دفينةٌ = كسرائرٍ في قلبه لا تنشرُ

أذكى أسايَ ولم أر الشادي به = لكنّهُ نسبُ الجحود مؤصّرُ

 

شعر:  محمود حسن إسماعيل

saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 56 مشاهدة
نشرت فى 22 أكتوبر 2013 بواسطة saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

saydsalem
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

118,320