الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

أشعار الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

على مذبح الحرية

  

"ألقيت في احتفال الأمة المصرية بذكرى شهيد دار العلوم عبد الحكم الجراحي في ثورة 1935 م وهي استيحاء موكب من مواكب الشهداء شق القاهرة وهي تضطرم كالجذوة في غروب يوم من أيام الثورة السالفة الذكر"

 

يا واديَ الموتى بشطّكَ راقِدٌ  = خفقت لهُ الأرواح بالصلواتِ

ما ضمّهُ جدثٌ هناك وإنما = حضنتهُ دُنيا النور في هالاتِ

سَهِرت عليهِ من السماءِ ملائكٌ = تُضفي عليهِ سوابغَ الرحمات

ألقُ الضحى في ساحهِ متصوفٌ = ورعٌ يَطوف بأقدس الحُرمات

وعوابرُ الأنسام تخطرُ حولهُ = ريّا بنفحِ عُطورهِ عَبقاتِ

تنساب خاشعة وتسربُ عفةً  = كمُطيّبٍ يمشي على عرفات

والفجر قبل شروقهِ فوق الربي = يختار منهُ وشعائعا ألقات

أفوافُ من لُمع السنا ، ومطارفٌ  = يلقى غلائلها على الربواتِ

ويسوف عطر الخلد من جنباتهِ = ويُذيعهُ من أكؤس الزّهَراتِ

سأل الدّجى أسدافهُ لمّا بدتْ  = في ليلهِ الغيّانِ مُلتمِعاتِ

ما بالُ ما أسدلتهِ فوق الورى = وضفوته من حالك الظلماتِ

لمّا نزلتِ بهِ على هذا الحمى = أضحى متوعَ الشمس فوق رباةِ

فأجابت الأسدافُ: إنّ مُضرّجًا = بدمِ الفداء أضاء لي قسماتي

سمّوهُ في الورق الشهيدَ وما اسمهُ = إلا الخلود بصفحة المهجات

ما زال سحر النيل طيَّ حفيرهِ  = يرتاعُ منهُ الذرّ في الحصيات

وطلاسم الأهرام فوق جبينهِ = قبسُ الخلود يشعّ للنظراتِ

وشعاعة الإيمان تشرق بينها = كالنجم يسكب رائع اللمحات

وشواظُ هيجتهِ يكادُ على الثرى  = يُذكي اللّظى بالأعظُمِ النخرات

ملْ نحو مضجعهِ وأصغِ لجرحهِ = واسمع نشيدَ الدّمِّ في القطرات

ما زالَ يُترع ثورةً من قلبهِ = خرساء مُصفحةً بلا نبراتِ

وكأنّ آخر لفظةٍ هتفت بها = شفتاهُ مزمورٌ مِنَ التّوراةِ

وكأنّ أجراحَ الأسنّةِ رايةٌ = حمراءُ شهرها الدخيلُ العاتِي

لمح الشهيد خيالها فنضا لها = روحاً يثور بأصلب العزمات

وأحالها مزقاً صواغر أصبحت = كفنا يُذيق القيدَ مُرّ شمات

وارتدّ في ريعانهِ مستشهدا = يُزهي بقدس الموت في الحفرات

وكأنهُ لمْ يلقَ من كرب الردى  =  إلاّ رسيسَ ضنًى وظلَّ صُمات

***

أعوادُ زانٍ كنّ في كنفِ البلى = صفراً نبذنَ بأبشعِ الكسرات

حمّلنهُ فأعادهنّ عرائشاً  = تخضلُّ فوق الهام مؤتلقاتِ

وكأنّ بين حنوطهِ ريحانةً = أزليةً هربت من الجنّاتِ

نسمت عبير الخلد طيّ سُتورهِ = وترعرعت في ريق النفحاتِ

وترى الشموع الموقدات لنعشهِ = شُعَلاً من الفردوس مُنبعثاتِ

تهتز والهةً وتغضي رهبةً = كنوادبٍ في الركب مُستحياتِ

والسّابريّ تخالهُ من طيبهِ = بردَ النبيّ معطرَ الصفحات

لفّ الشهيدَ مُطهّراً فحسبته = مَلكاً تهيّأ مهدهُ لسُبات

حارت شفاهُ الهاتفين حيالَهُ = ماذا تنصّ لهُ من الدعواتِ

واهتاجت الغيد العوانس حيرةً = ماذا يفضن لهُ من الشرفاتِ

الزهرَ ما تطيابهُ والعطرَ ما = تسكابهُ لمُعطّر النسماتِ

والحسنَ ما تلماحهُ واللحنَ ما  = تصداحهُ لمفجّر النغمات

خُيبَ حين رجونَ أيةَ سلوةٍ  = فوجمن من هول الردى جزعات

يتّمن أدمعهن من طول البكا = وظللن في الأبراجِ مكتئباتِ

ودنا الشهيد من القبور فأرعشتْ  = طربا بمقدم نعشه فرحات

كحمائم نزحت فضلل سربها = ظل المساء بوحشة الفلوات

جثمت على الكثبان تنتظر السنا = وأتى الصباح فهجن منتعشات

حتى إذا وافى الحفير كأنه =  وحي السماء مبلج الآيات

كادت عظام الهالكين تخشعاً = لجلاله تَصطفّ في الطرقاتِ

وتعودها الأرواحُ من فرحٍ بهِ = وتظلّ حتى البعث مُبتهجات

من مثل هذا الحيّ ؟ كرّمَ موتهُ = من سائر الأحياء والأموات

وهناكَ تحت الغاب يعزف شاعرٌ = بقصيدةٍ مكروبة الأبيات

أشجى بها الشهداء بين قبورهم = وأثار شجو الليل في الغابات

وشدا فكاد الغاب يسجد نشوةً = ويرتّل الأشعار في السجدات

لما أذاع شجونها في ليلةٍ = سوداء كالأمواج مصطخباتِ

وثبت له روحٌ تفيضُ حماسةً = ومضت تلّومهُ بكل ثبات

ما بال قلبك لجّ في نغم الأسى  = وفواجع الأحلام والصبواتِ

حطّم ربابتكَ التي تشدو بها = وادفن نشيد الهمِّ والحسراتِ

واصدح لنا بقصيدةٍ وطنيةٍ  = تدعُ الشهيد مسعر النفثات

أسمعهُ قصتهُ فإن حديثها  = سمر الزمان بهذه الخلواتِ

***

فانساب وحي الشعر من أوتارهِ = كجداولٍ في الحقلِ منسكباتِ

وغدا يغنّي في الحمي : يا جنّةً = فجّرتُ بين ظلالها نغماتي

النيل فيها قصةٌ أبديةٌ = والطير قارئها على العذبات

والنخلُ فيها ذاكرٌ مسترسلٌ = هيمانُ مسحورٌ على الورقاتِ

والنخل في صمت الرياح كأنّه  = نُسّاكُ فجرٍ آذنوا لصلاةِ

والشاعرون كأنّ مسّةَ جِنّةٍ = خبلتهمُ من روعة الخطراتِ

تلقى أناملهم إذا جاسوا بها = من زحمة الإلهامِ مُرتعشاتِ

كنّا نسير بها ولا حُسنٌ ولا  = فِتنٌ سوى الأغلال محتدمات

نُسقى بها البلوى ويشرب غيرنا = من نيلها بالأكؤس الشّبماتِ

والقيدُ يسبقنا إذا رُمنا به = فتكاً فيرهقُ عزّةَ الخُطُوات

وإذا بأرواح الشباب تُطلُّ مِنْ  =  خلل الأسى والذّلِّ مُنفطراتِ

حتّى أتى يوم الفداء فزُلزلت = غضباً وراحت فيه مُشتعلات

لبست دروع النار ثم تقدمت  = لسلاسل الفولاذ مضطرمات

نسفت صفائحها وأفنت ذرّها  = وتهافتت في الترب مبتسمات

رشفت رحيقَ الخلد قبل مماتها = وتهيّأت لحماهُ مُنتشيات

فوقفتُ أبعث ذكرها بملاحني = فشدت مُرفرفةً على أبياتي

يا شاعراً غنّى فكاد نشيدهُ = يهتزُّ في الأكفان منهُ رُفاتي

هذا خيالُ الخالدينَ فغنّني = وأعِدْ بشعركَ للشباب حياتي

 

 

شعر:  محمود حسن إسماعيل

saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 70 مشاهدة
نشرت فى 22 أكتوبر 2013 بواسطة saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

saydsalem
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

128,714