راهب الغرب
"ألقيت في أحد المؤتمرات الوطنية التي عقدها الشباب في مصر احتجاجا على تصريح المستر هور وزير خارجية إنجلترا إبان ثورة سنة 1935 م"
هاجها مزهري وقد خنق القيْـ = ـد أناشيده فضجّ وثارا
وهي حيرى تُطلّ لهفى على النيْـ = ـل وترنو لمتعبين حيارى
منذ خمسين لم تحرك إليهم = قدما ، أو تطق إليهم مزارا
درجت في الستين من عهد خوفو = حرةً ما وعتْ لديها إسارا
عقدت تاجها على الشمس كبرا= أن يحلّى جواهرا ونضارا
وبنت عرشها على مفرق الأهـ = ـرام زهواً بمجدها وافتخارا
وجرى النيل ساجداً بينَ كفّيْـ = ـهَا جلالا وروعةً وصَغَارا
ثمّ دار الزمانُ دورةَ نحسٍ = فإذا حظُّها مع النحسِ دارا
وإذا راهب أتاها مِنَ الغرْ= ب تقيٌّ يَرومُ منها الجوارا
قال: إنجيليَ السّلامُ ! فقالتْ: = مَرحبًا بالسّلام خِلاًّ وجَارا
أنا ريحانةُ الغريب، وكهفٌ = للّذي عزّهُ الحِمى فاسْتَجارا
نيليَ الخمرُ ذُقْ طِلاهُ ، وقلْ لي: = أين خفّ الجنانُ منكِ فطارا
سلسلٌ يُلهمُ الهدى للذي ضلّ = وإن كان فاجرا كفّارا
وجِناني مُنضّراتٌحَوَالٍ = حالماتٌ تُروّعُ الأفكارا
جوسةٌ في خلالها تُرقصُ الرّو= حَ صفاءً ، وتُسكر الأعمارا
كانتْ الطّيرُ سُكتّا فتهادتْ = في سمائي فهاجت الأطيارا
فإذا ما المساءُ عطّلَ فاها = نقرت في الصباحِ دُفّا وطارا
أنا في الشرق هالةٌ لو رآها = فاقد اللمح فجّر الأنوارا
أنطقت بنتئور في صمته الدهْـ = ـر فغنّى وخلّد الأشعارا
أنا دير الجمال يا راهب الغرْ = بِ فهيّج بساحتي المزمارا
جس رحابي وطف حواليّ واخشع = وادعُ ما شئت جهرةً وسرارا
إنّ للضيف في حماي وإن ذلّ = حماهُ معزةً ووقارا
فشجى الراهبَ المقنّعَ ما قا = لتْ وألقى عن جَانبيه العِذارا
وسرى في الديار تصحبهُ الفتْـ = ـكةُ أنّى مشى وأيّان سارا
ساطيًا في الخفاء آنا وآنا = يخْتلُ الناس لا يُبالي جهارا
أطمعتْهُ غضاضةُ القوم حتّى= ظنّهم ضلّةً لديهِ أُسارى
فبدا بينهم هزبرا إذا ما = صاح خلف القطيع ولّى فرارا
كلّما ضجّ منهمُ قلب حرٍّ = أترع الكأس من دماهُ عُقارا
وقّحت طبعهُ القذائف تُلقى = لم يرعُها الردى ولم تخشَ ثَارا
تسفِكُ الرّوحَ باللظى وهي ثملى = راوياتٌ من الدماء سُكارى
علّمته السّفاهَ في منطق الحقِّ = فأخرت حياءه المستعارا
قالها هور كلمةً ساقها البطْـ = ـشُ فجرّت على حِمى النيلِ عارا
كم أست أنفساً وأفنت ضحايا = في صداها وجرّحت أحرارا
أيقظت مصرَ من سُباتٍ لوَ انّ الصّخْـ = ـرَ فيهِ لما أطاق الغِرارا
فرنت نحو ضيفها علّ عُتباً = يَرْعوي منهُ أو يَسوق اعْتذارا
فإذا بالمسوح شعراتُ ذئبٍ = خشيَ السّطوَ جهرةً فتوارى
وإذا الدير فورةٌ من دماءٍ = تتلظّى فتُفزع الأقدارا
وإذا يالّتي شجاها نشيدي = ومَرَى جفْنها الدموع الغرارا
هيَ مصرُ التي أثار شجاها = أن تُطيق القلوبُ عنها اصطبارا
كبّلوها بكلّ قيدٍ أثيمٍ = عاقها أن تجوسَ تِلكَ الديارا
سألتهم : علامَ تُصمّ سمع الليالي = ثورةً تُضرم السماكينِ نارا
ماتَ عهدُ الكلام ! فَلْنجعل الثّو = رةَ والموتَ للجهادِ شِعارا
شعر: محمود حسن إسماعيل