في عام النكبة
(مع صحوة الشرق وصيحة النفير لتحرير فلسطين)
تعالوا بعدما شهر الكفاحا = لنسكب فوق هامته الصباحا
ونعصر من جوانحنا رحيقًا = يرُشُّ له المواكب أين راحا
ونحشد عزّةَ التاريخ نورًا = يقبِّل في سواعده السلاحا
صحا والمجد صاح به ، فلبى = وهبَّ يزلزل الدنيا صياحا
صحا ولكل ساكنة هبوبٌ = يروعُ الدهرَ لو ترك الجماحا
صحا وعليه للتاريخ سرٌّ = لغير ضحى المعارك لن يباحا
ودرعٌ في الصدور الشم عاتٍ = لغير ضحى المواكب لن يتاحا
صحا والشرق في فلك جديد = يدورُ على مضاجعه رياحا
ويوقظ كل نعسان ويمضي = لغفلته فيكسحها اكتساحا
وما كانت به سنةٌ ولكنْ = هيَ الدنيا تريدُ له الطماحا!
تلفَّتَ حولهُ فرآى عويلا = وقدسا للفجائع مستباحا
وأرضًا شعَّ نور الله فيها = يسيلُ فضاؤُها الدامي نواحا
ويُذبحُ طفلها بيدي طغاة = مشوا في الأرض بغيًا وافتضاحا
أظل الشرقُ حيرتهم فمرُّوا = على أفياء نخوته وُقاحا
أضلهم الإله فكيف جاءوا = بضَلتهم يريدون الصلاحا
وكيف وضاقت الدنيا عليهم = بنوا للتيه أروقةً فساحا!
تلفَّت قلب مصر إلى الرزايا = تصب على عروبته جراحا
وما كاد النفير يصيحُ حتى رأينا الجيش يقتحم البطاحا
يزمجر في السهول كأنَّ جنًّا = تجاذبه التوثب والمراحا
ويزأر في المسير كأن بوقًا = من التاريخ جاوبه فصاحا
وهلل للقتال كأن عيدًا = وأعراسًا ترف له صباحا
تذكر خيل رمسيسٍ أضاءتْ = سنابكها دجى الدنيا قداحا
ورنَّ بسمعه الماضي فحيَّا = وكبر للمنيةِ أين لاحا
ودمدم للصراع فقلتُ بحرٌ = من الأهوال أقسمَ لن يزاحا
تذيق الأرض خطوته عذابًا = وتسقي الجو خطرته جراحا
وينفذ في العباد كأن حتفًا = وأقدارًا تسدَّده رماحا
كأن جنوده أطيار غيب = ونصر الله مد لها الجناحا
مضى للظلم يخترق البطاحا = ويسبق في توثبه الرياحا
ويجتاح البلاد كأن وعدًا = بمصرعها على قدميه طاحا
تراوغه السهوب فيدَّريها = ويرشق في مقاتلها السلاحا
ويرمي الموت أينَ سرى سواءٌ = أدكَّ الليلَ أم دهس الصباحا
بصاعقةٍ تشقُّ لها خطاها = يدٌ لليأس لم تخفض جناحا
نمت عربيةَ الماضي خطاها = وأُرْضِعت المخاطرَ والكفاحا
وأُشربت القتال فلو أُتيحتْ = لها الدنيا لما تركت براحا
لغير السيف لم تخفق غرامًا = وغير الهول لم تعشق ملاحا
مضَوَّأَةٌ بسحر الشرق حتى = لتُعشى دارةَ الشمس التماحا
سقاها من ضفاف عبَّ منها = حداة الدهر وانطلقوا رماحا
وهبَّوا والبريةُ في ظلامٍ = يغشَّى الأرض أفئدةً وساحا
فيا أجنادَ مصرَ وذاكَ بعثٌ = أعيدوا مجدَ واديكم كفاحا
ودكوا التائهين وفي رُباهم = أديروا النصر أقداحًا وراحا
وما صقل الشعوبَ ولا جلاها = ولا أسقى مواردها الفلاحا
سوى نغم الجيوش وقد ترامتْ = لنار الحرب تمتشقُ السلاحا
1948
شعر: محمود حسن اسماعيل