زفرة على فلسطين الدامية
إلى ضمير الإنسانية...
"....وإلى ريح التّايمز العاتية!!!"
صوتٌ بأرض القدس مشتعل الصدى = كادت له الأكباد أن تتوقّدَا
لمّا تأوّهَ صارخًا بين الورى = أسيان يرزمُ تحت نيران العدا
جزع المسيح له ولولا طهرهُ = ما مدّ للرحمات كفًّا أو يَدا
رُهبانهُ في الغرب منبع حكمةٍ = ما غلّفت يوماً لِمُلتَمِسِ الهُدى
رشفوا منَ الإنجيل فيضَ رشادهِ = وتخشّعوا حول الهياكل سجّدا
وشدوْا بملحمةِ السلام ورنّمُوا = مزمورَهُ للكونِ خلاّبَ الصدى
لكنّ شعبَهُمُ أثارَ عجاجةً = في الشرقِ طافِحةً بأهوال الرّدى
فإذا التعاليم التي هتفوا بها = من سورةِ الأطماعِ قد ضاعت سُدى
وإذا بلحن السلم بين شفاههم = عصفت به شهواتُهُمْ فتبدّدَا
تخذوا الرصاص شريعةً قُدسيّةً = وقذائف الأرواح نهجاً مُرشدا
لم يرهبوا التاريخ في استعمارهم = أنّى سَطَوْا وَكَزُوهُ أروعَ سيِّدا
لطموهُ في القدس المُحرّم لطمةً = كادت لها الأجبالُ أن تتهدّدا
مهدُ الشرائع من قديمٍ مالهُ = أضحى لأحرار البريّة موقدا
في كل مرتبع بهِ وحنيّةٍ = تلقى صريعاً في التراب ممدّدا
هانت على البطل المجاهد نفسهُ = فسعى لحوض الموت يطلب موردا
ألقى إلى اللهب المسعر روحهُ = وكذا يكون الحر في يوم الفدا
اللهَ في وطن النبوة نال من = شرهِ الطغاة اليوم حظًّا أنكدا
الفتنة الشعواء هاجت قلبهُ = لم تبقِ فيه كنيسةً أو مسجدا
شرعت من الرق البغيض سلاحها = تتفزع الأقدار إما جردا
صرخ الضعيف شكاية من هولها = فمحى اللهيب صراخه فتشرّدا
فتخاله والصدر ينفث ناره = من كل زافرةٍ تريق الأكبدا
حملا يد الجزار دقت عمره = فقضى بصرخته على حدّ المدى
محنٌ مرزّئةٌ وموتٌ عاصفٌ = لم يبق شيخا في الحمى أو أمردا
يا ربَّ وادٍ في الصباح منضّرٍ = غيسانَ باكرهُ السنا فتأوّدا
لما دهتهُ الحادثات ضُحيّةً = وسرى دخان الموت أقتم أربدا
نفضتخمائلهُ شبيبة عمرها = وتصاوحت فغدت محيلا أجردا
ما ذنبها؟ ما ذنب صيدها الذي = قد كان يسجع في الظلائل منشدا
خُنقت مزاهرهُ وماتَ نشيدهُ = ونأى عن الوطن الحبيب وأفردا
لولا هياج الحر ديس مهادهُ = لثوى بجنته وظلّ مغرّدا
***
يا يوم بلفورٍ وشؤمُك خالدٌ = ما ضرّ لو أخلفتَ هذا الموعدا
عاهدت أعزال الجسوم سلاحهم = ما كان إلا الحقُّ صاح مقيّدا
وتركتهم رهنَ المطامع تبتغي = منهم على حرٍّ المواطنِ أعبُدا
ثاروا بأرض الله ثورة عاجزٍ = سمع القوي شكاتَهُ فتوعّدا
هاجوا على الأصفاد هيجةَ ناسكٍ = زحمتهُ آثام الصبا فتمرّدا
هجمت على الغار المُطهّر في الدجى = فأثار عزلتهُ وهاج المعبدا
ضجّوا على نابُلسَ حتى كاد من = صخب الأسى والحزن أن يتنهّدا
عجباً يكاد الصخر يدمع رحمةً = لهمُ وقلبُ الآدميّ تصلدا
ومعالم الإسلام بين ربوعهمُ = كادت تزمجر لهفةً وتوجّدا
بسطت إلى قدم النزيل رحابها = فبغى على قسماتها وتهدّدا
وهو الذي لولا نعيم ظلالها = لمضى على كنف الوجود مشرّدا
***
والشرق ويح الشرق نام أسودهُ = عن ثائرٍ في القدس ضجّ وأرعدا
شلّت عزائمهم ونام جهادهم = وتصرّعوا في كل مهدٍ هُجّدا!
شعر: محمود حسن اسماعيل