مارسيليا
مدنُ البحر امرأةٌ من أحرار قريشٍ،
لا تعطى مفتاحَ الجَسَدِ الغامضِ إلا بعدَ محاكَكَةٍ ،
فإذا مّرتْ قدماكَ أمامَ " السيّدةِ الحارسةِ "
ترى نفسَك في كوم الدكّة من غير السيدِ درويشِ البحرِ ،
ترى في الخلف محطةَ رملٍ من غير زعيم الوفد.
هنا تقليديّةُ موليير موازيةٌ لبراز الكلب ،
وفلسفةُ البحارةِ تنشعُ من فخّار البوظةِ ،
لكأن كافافيسَ مَرَّ يصافح سيزانَ :
فهذا يتحدثُ عن شمع القبرِ ،
وهذا يتحدث عن قبر الشمعِ ،
فأي القبريْن يضئُ؟
وأي الشمعيْن يفوح بجثثِ الغرقى؟
لكأنَ خرائطَ مشتبكاتٍ تتحدى علماءَ الجغرافيا ،
وسوانحَ يودٍ هائمةً تصطاد مريضَ الربو.
حواليكَ السمَّاكون يغنون نشيدَ المارسيلييز ،
وخلفَك كان السمَّاكون يغنونَ :
" رحنا إسكندرية رمانا الهوى"،
تتلاقى الأغنيتان على أشرعةٍ متصارعةٍ،
إذ مدن البحر ثقيلاتٌ كليالي المغدورينَ ،
خفيفاتٌ كالفهدِ.
حواليك امرأتانِ تقاسمتا زَبَدَ المتوسط ،
وتبادلتا سهرَ الليل عليه:
فهذى ترعى النوتيّينَ ومخنوقي النَوَّةِ وضحايا القِرْشِ ،
وهذى تغوى القبطانَ بسُرَّتها وحريقِ مَسَرَّتها والقنصِ ،
كأن السيدتين تناصفتا حِقْدَ الأخوةِ،
كي تحصدَ واحدةٌ ميراثَ الريح وحربَ السيطرةِ على الحوضِ،
الشبكةُ ملأى بالغَلَّةِ:
من موسى للقرموط إلى السردين ،
وجوهرُ ماتشهدُ : مقصلةُ كريِّم بعد مقاومةٍ .
في مدن البحر العاشقُ يخسر محبوبتَه،
فيما قلعةُ فاروق تطلُّ على الميناء المتعتِّقِ،
حيث يعذِّبه شوقُ الملكِ المخلوعِ إلى وطنِ الخَلْعِ،
فيدرك أن المدنَ على البحر
عَصِيَّاتٌ كامرأةٍ من أحرار قريشٍ،
سهلاتٌ كرصاصِ الرحمة .