شعلة الذات
(مع اقبال فيلسوف الشرق وشاعر الإسلام)
(الكليم إذا زال عن نفسه تاه ....)
(إقبال)
قُلْ لِمَنْ مَدَّ يَدَيْهِ فِيْ الهَجِيْرْ = سَائِلاً قَطْرَةَ مَاءٍ مِنْ غَدِيْرْ
سائلاً رشفة ظلٍّ من عبيرْ = مدَّهُ اللهُ على الروض النضيرْ
لست حيًّا إن تسولت رباهْ = ومددت الكف تستجدي الحياهْ
كن هجيًا ترهب النار لظاهْ = لا نسيمًا يفزع الوهمَ شذاهْ
واقتحمْ بالذّات أهوال السعيرْ = تنسخ النار ربيعً في ضحاهْ
جدولٌ يضحك بالماء النميرْ
قل لمن كبّل أشواق الحياهْ = باحثًا عن سرِّها قبل خطاهْ
واقفًا شلّت على السر يداهْ = سائلا أين من الغيبِ مداهْ
لست حيًّا إن تهيَّبت القدرْ = وطلبت السرَّ من قبل السفرْ
كُنْ طريقًا من رحيقٍ وشررْ = لا وقوفًا يتلّهى بالصورْ
وامضِ بالذات إلى مالا تراهْ = تبصرُ السرَّ تجلّى وظهرْ
وعلى صدرك قد ألقى عصاهْ
قلْ لمن أصغى لنوح البلبلِ = عاشقًا يبكي ضياعَ الأملِ
ذائبًا في يأسهِ المشتعلِ = قاطفًا زهرَ خريفٍ ممحلِ
لستَ حيًّا إن تلمست البكاءْ = قدحًا يسقيك أوهام الرجاءْ
كن غناءً مضرِمًا وجدَ السماءْ = لا صدى نوحٍ لقيثارِ الفناءْ
واسكبِ الذات بنايٍ مشعلِ = تبصر الكون طيورًا من ضياءْ
ساجعاتٍ فوق شطِّ الجدولِ
قل لمن أحنى لغير الله رأسهْ = ولمن صبَّ لغير الله كأسهْ
خائفًا يشرب من كفّيهِ نفسهْ = ومن اللذةِ لا يدرك حسَّهْ
لستَ حيًّا إن توهمت الوجودا = سادةً هشّوا على الأرض عبيدا
اسأل الذات تجد فيها السجودا = لسوى الله رياحا وحصيدا
واسأل الله لمن أطلع شمسهْ = لسوى الأحرار لم تشعل وقودا
لصباح الشرق أو تسقي أمسهْ
هكذا جلجل مزمارٌ رخيمْ = في زبورٍ خالد الشدو يتيمْ
مد جبريل جناحا في السديمْ = ودعا الأفلاك تصغي والنجومْ
لصداهُ الحر في قيد الترابْ = وهو ينقضّ عليهِ كالشهابِ
ويرى سجدته بين الخرابْ = في ربى أندلسٍ تسقي القبابْ
من رحيقٍ لم تزل منه الكرومْ = تعصر السحر وتشدو للإيابْ
وينادي مجدها ضرب الكليمْ
نخلة الداخل عادت بجناها = بعد أن أرعش بالناي ثراها
وبدمع الروح غنى وسقاها = فربت ظلاًّ وتمرا وشفاها
تسمع التاريخ خلف الحجبِ = يتغنى بحداةِ الشهبِ
يوم كان الغرب دنيا غيهبِ = وأتى المصباحُ في كفِّ نبي
يوقظ الأيام من عاتي كراها = بضياءٍ شعَّ بين العربِ
وكتابٍ خطَّ للأرض هداها
وثرى قرطبة حنَّ إليهِ = فإذاهُ سجدةٌ بين يديهِ
وإذا المحرابُ إصغاءٌ عليهِ = شعَّ ترنيمُ الهوى من شفتيهِ
وهو قيثارٌ من الشرق يغنّي = ويعيد المجد لحنًا بعد لحنِ
طارقٌ في بأسهِ خلف المجنِّ = وابن عبّادٍ وما لاقى بسجنِ
وأسى الحمراء ينهال لديهِ
بمراثٍ لم تذقها أي أذنِ = سكبتها لوعةٌ من جانبيهِ
طائر الإسلامِ رجّع نغما = كنت فيه لليالي حلما
أشعل النايَ التي هزَّ السما = وسقى الأعماق شدوًا مُلهما
ومن الخلد تلفّت ها هنا = تجد الأغلال تهوي حولنا
قد حصدنا الرق من آفاقنا = وصهرنا القيد من أعناقنا
ودعونا الله في إشراقنا = أن يردَّ الشرق حرًّا مثلما
كانَ من قبل إلى أعتى المُنى = يعصر النورَ ويسقي الظُّلَما
شعر: محمود حسن اسماعيل