قديس السلام
(في يوم 30 يناير 1948 اغتالت يد أثيمة قديس السلام وزاهد الهند العظيم غاندي وهو في غمرة صلاته ، فبكاه الشاعر بهذه الدمعة غداة إحراق جثمانه)
أيها القاتلُ غفرانَ الحياهْ = وهو لله قد امتدت يداهْ
جاء يسعى خاشعًا نحو الصلاهْ = توبةً تسعى لصدر المذنبِ
* * *
وإذا صوتٌ من الغدرِ أثيمْ = لطمت أضواءها منه النجومْ
وعوت شمسُ البراري والتخومْ = أجهشت للعابر المقتربِ
* * *
وغدت كالريح في ليل الصخور = لعنة الروح على الأفق تدورْ
تنهش الكون وتروي للدهورْ = ما رأت من رجس هذا المذنبِ
* * *
زاهدٌ عريانُ مسنودُ اليدينْ = من ضنى جسمٍ على قدِّيستينْ
أنهكت منه الليالي جانبينْ = فسرى كالطيفِ بينَ الموكبِ
* * *
أثرُ الزهدُ عليه واليقينْ = تتلاشى فيه أجفانُ السنينْ
راكعُ النظرة موصول الجبينْ = بغيوبٍ سرُّها لم يكتبِ
* * *
ناطق الإيماء روحي الكلامْ = رقرق الحبُّ خطاهُ والسلامْ
ومضى والدهرُ منهُ في زحامْ = حيَّرتهُ حكمةُ الشيخ الصبي
* * *
في يديه رقيةٌ تشفي العصورْ = من جراحات الدنايا والصدورْ
سمحةٌ تنسخ حيَّات الصدورْ = زهرًا تُسقى بماءِ الغضبِ
* * *
أعزل أخزى بيمناهُ السلاحْ = ورمى طرفًا على القيد فطاحْ
وغزا بالصمت أهوالَ الكفاحْ = وهو للأغلال لم يقتربِ
* * *
شقّ أبهاء القصور الضاربهْ = عاريًا تكسوهُ روحٌ عاتيهْ
وتحاميه القبابَ الطاغيهْ = عنزةٌ هزت جيوش المَعْرِبِ
* * *
علّم الدنيا بها سر الجهادْ = وغدت سيرتها للعبادْ
ينضبُ الماءُ ويفنى كلُّ زادْ =وترابُ الهندِ أغلى مأربِ
* * *
لبن الشاة له أشهى رحيقْ = وصدى الأنوال صدّاحٌ عميقْ
ولدى المغزل سحرٌ لا يفيقْ = من هواه كل عريانٍ أبي
* * *
شرعهُ كان على الهند صفاءْ = لبنيها الكادحين الأشقياءْ
أينما ولّوا وجوها فالسماءْ = صوّرته معبدًا في السحبِ
* * *
ثائر الشرق من الأفق البعيدْ = قمْ تأمَّلْهُ من الحزن يميدْ
أفزعت روحك أغلال العبيدْ = فمضى القيد ذليل المهربِ
* * *
عبقريٌّ أسيويٌّ لا يرامْ = سرُّهُ الجبّارُ يومًا للأنامْ
هاجت الهندُ فخلاّها وصامْ = فانجلتْ عنها غيومُ الكُرَبِ
* * *
يا مذيق الرق من نار العذابْ = سيرةً لم يروها أقسى عقابْ
كلّما صمتَ على جنبيه ذابْ = وتوارى في رفاتِ اللهبِ
* * *
أين محرابك يحكي للزوالْ = قصة الإنسان في أعلى مثالْ
أين آياتك تتلى للجبالْ = فتراها مطرقاتِ السبسبِ
* * *
أين من ألقى إلى الغربِ عصاهْ = فإذا بالشرق نبّاض الحياهْ
وإذا بالغاصبِ ارتاعت قواهْ = وجثت أسيافه في الملعبِ
* * *
ابكِ يا شرقُ على الزهد الجسورْ = وانقلْ الحكمةَ عنه للدهورْ
وإذا الريح على الأفق تدورْ = قل لها: خُطِّي صداهُ واكتبي
* * *
حامل المشعل في هول الظلامْ = داعيًا في كل أرضٍ بالسلامْ
فجأَتْهُ غدرةٌ عارُ الأنلمْ = خالدٌ فيها خلودَ الحقبِ
* * *
طافت الهند على جثمانهِ = تشرب الإصرار من أجفانهِ
لم يكن للموت في أكفانهِ = أيُّ شيءٍ غيرَ هذا الخشبِ
* * *
فهو للسلم على كل لسانْ = غُنوةٌ تُخزي صرير الصولجانْ
وهو للحرب صدًى يفنى الزمانْ = وصداهُ عاتبٌ لم يذهبِ!
شعر: محمود حسن اسماعيل