قبرة الاحسان
(إلى المرابين بالصدقات في خريف المساكين)
حطَّتْ كالنَّغْمةِ في أُذُنِي = صفراءُ صداها يلسعُني
ويصب أساها في بدني = بارًا بالرحمة تسقيني
بثمالةِ قدحٍ مفتونِ
يترنَّح في كفِّ الساقي = ويجود بفضلةِ أرزاقِ
لم تلقَ لجرعتها كاسا = فأتتْ تتلمَّس أنفاسا
من صدرٍ صادٍ للكفنِ
لم ألق بها قطرة عرقٍ = ممَّ أغدقتُ على طُرُقي
من دمعٍ يوقظ لي رمقي
ويغطُّ بآهةِ مسكينِ = تتضورُ فيّ وتشويني
تتبرَّج في ضوءٍ جاثِ = كشعاعٍ مرّ بأجداثِ
عرَّاها زادًا للأزلِ = ولهاثًا حدَّق للأجلِ
وانقضّ ليشربَ من حُرَقي
* * *
تتحدر من كفٍّ عُليا = خاشعةِ الوخزةِ كالدنيا
سكبتْ لي وهمًا يُغريني = وربيعَ رياءٍ يرويني
وإذا ببقايا تغرفها = من كل يمينٍ تنزفها
لتُبلَّ بها صدأَ البؤسِ = وترش على كمد النفسِ
ذلاً بغياهبهِ أحيا
* * *
كالروح أتتني كالبغتهْ = تتساقط حولي من نبتهْ
كاذبةِ الرحمةِ منبتَّهْ
نفذت بالحسرةِ في كبدي = أغلالاً قابعةِ الأبدِ
تعلو وتخفّضُ نظراتي = وتضيءُ الذل بدعواتي
هالاتِ رياءٍ لأخيها = ولمن للأعينِ يعطيها
لتجوبَ الأرض على لفتهْ
* * *
حطّتْ وسمعت لها زجلاً = صيّرني عبدًا مبتهلا
ودعاءًا مقهورًا وَجِلا
يدعو ليمينٍ تُعطيني = ولقطرةِ ذلٍّ تكويني
وأنا الظمآن إلى حقي = في دربٍ لا يعرفُ رقي
ولشيءٍ سموه رزقي
سأواصلُ سيري لأراهُ = حرًّا لا تطرق عيناهُ
وسواهُ لا أعرف بدلاً
شعر: محمود حسن اسماعيل