لابد
لاَ بَدَّ أَنْ نسيرْ!
ونجرفَ الأقدارَ من طريقنا الكبيرْ
ونعصرَ الرياحَ في تلفُّت المصيرْ
ونصعقَ الهشيمَ في احتضاره الأخيرْ
فلمْ يعدْ لركبنا وقوفْ
ولم يعدْ لدربنا عُكوفْ
* * *
انصهرَ القيدُ وذابتْ غشيةُ الظلامْ
وانداح كل واقف في غضبة الزحامْ
وأَقلعتْ آفاقنا لمرفأ السلامْ
وانشقت السدوفْ
وانهارت الرفوفْ
وانطلقت من رقِّها عواصفُ الزئيرْ
بفجرها وجمرها وأمسها المريرْ
تصرخُ لا سكوتْ
لا همسَ لاخفوتْ
يا سالبَ النظرةِ من توَّهجِ العروقْ
يا ساكبَ الحسرةِ في ضيائها المُفيقْ
يا مُلْقيَ الأحجارِ في انتفاضة الطريقْ
لاَ بَدَّ أَنْ نسيرْ!
في دربنا الكبيرْ!
* * *
لاَ بَدَّ أَنْ نسيرْ!
ونقطفَ الظلالَ من محاجرِ الهجيرْ
ونلقطَ الحبّةَ من مناقر النسورْ
ونبذرَ الربيعَ في مخالب الصخورْ
وننشبَ المشيئهْ
واليقظةَ الجريئهْ
في قلب كل ساكنٍ يغطُّ في المُحالْ
ويستعردُّ موتُهُ تجدُّد الزوالْ
ويختفي هروبُهُ في توهةِ الخيالْ
دروبُنا مضيئهْ
بالشعلِ الخبيئهْ
تُلهبُ في أعماقنا تحركَ العبورْ
ونحرق الروح على أشواقنا بخورْ
ونزهقُ الملالَ والكلال في الشعورْ
وتضرم التغييرْ
في أعمقِ الجذورْ
في كل ماضٍ تحتها بموته قريرْ
وكلِّ آتٍ فوقها لِفجره يُشيرْ
لِغدِنا المورقِ للإنسانِ بالنشورْ
لاَ بَدَّ أَنْ نسيرْ!
في دربنا الكبيرْ!
* * *
وإنْ أطلتْ حيّةٌ من مزحفٍ ضريرْ
من كهفها في ظلمةٍ حانقةِ الضميرْ
لابد أن نسحقها في رهجة المسيرْ
بعاصفٍ مدمدمٍ بالنور والسعيرْ
يردها هشيمةً مرجومةَ الحفيرْ
في كيدها تمورْ
بالويلِ والثبورْ
* * *
" لا بُدَّ أَنْ نَسِيْرْ "
وإن أطلتْ آهةٌ على الضحى الجديدْ
لجفنِ كوخٍ ناغمٍ بفجره الوليدْ
وحقه العائد من تابوتهِ البعيدْ
لابد أن نردها تميمةً تعودْ
لحقلهِ بالعطر والنماءِ والحصيدْ
ونرجعَ الزهورْ
لمهدها النضيرْ* * *
" لا بُدَّ أَنْ نَسِيْرْ "
وإن توارتْ غرسةٌ عن قطرة الشعاعْ
لصُّ الضياءِ شدها في لحظة الرضاعْ
وضمها لليله المهتوكِ في الضياعْ
لتشربَ الذبولَ والأفولَ والضياعْ
وحسرةَ الهوان في طاغوتهِ المضاعْ
لابد أن نُردَّها تُورقُ في البقاعْ
ونلهبَ المسيرْ
في دربنا الكبيرْ
لتشرقَ الزهور في مخاصر الحقولْ
ويلعقُ الظلامُ من بيادر الأفولْ
ويهدر الضياءُ في مرافئ الوصولْ
وتسمع الضفاف ظلَّ كرمها يقولْ:
مد الربيعُ كأسَه لزحفنا الطويلْ
بالنور والعطورْ
وفرحة العبورْ
" لا بُدَّ أَنْ نَسِيْرْ "
* * *
" لا بُدَّ أَنْ نَسِيْرْ "
ونهتكَ الستورْ
لابد هذي الأوجهُ البليدة الرواءْ
ذاتْ السكون الميتِ في انتفاضة السناء
ذات الوقوف العبد في تحرك الفضاءْ
ذاتْ الصدى المعقوف بالهمسةِ للنداءْ
ذاتْ السهومِ الحاقدِ النظرة للضياءْ
ذات الوجود القابعِ المخضّلِ بالفناءْ
ذات العكوف الناشب السجدة في العماءْ
ذات اليد المنهومة الكذابة العطاءْ
تشرب دمع غيرها ليمرعَ الرياءْ
وتخلس اللمحَ من الضحى بلا حياءْ
لتفسح الطريق في الأوهام للمساءْ
لابد لا يا هذه لن يرجع الوراءْ
هيهاتَ أن يعود يا دجالةَ الخفاءْ
أمسُ الذي فتناه بالثورة والمضاءْ
فقد أحالت ظلمه رياحنا هباءْ
وردة انطلاقنا الكبيرْ
لجَورهِ في وهدةِ المصيرْ
* * *
" لا بُدَّ أَنْ نَسِيْرْ "
لشطنا النضير
* * *
إنّا لمحناه غدٌ ربيعه قريبْ
يضوع بالعزة والصفاء في الدروبْ
لكل قلبٍ رشفةٌ من ظلِّهِ الرطيبْ
لكلِّ عينٍ قطفةٌ من ضوئهِ الرحيبْلكل كفٍّ فرحةٌ من غرسها الحبيبْ
فلتمضِ للضفافِ نارُ زحفنا الرهيبْ
ولننبتِ الظلالَ حيث يفهقُ اللهيبْ
فليس في طريقنا إِيماءةٌ تَؤوبْ
وليس إلا السيرُ والمضاءُ والهبوبْ
ونشوةُ العبورْ
في دربنا الكبيرْ
لا بد أن نسيرْ
لا بد أن نسيرْ
شعر: محمود حسن إسماعيل