الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

أشعار الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

الإنسان والمعرفة

(المعرفة حينما يفنى الإنسان فيها ، ليخرج منها إلهًا صغيراً ، ثم يفنى إلى الأبد)

في ساعة من ساعات الإشراق الروحي تجرد فيها الشاعر من عبث التفكير في المادية التافهة. وأقبل على مسرح خياله..يقيم عليه من شخوص أحلامه ما ينسيه عالم الواقع..فطافت به صورٌ متباينة الفِكَر والأحوال ..واصطفى الشاعر من بينها لإلهامه صورة إنسان متمرد على هيكله الطينيّ بعد أن أذاقته دنياه مرارة الألم..الألم اللاذع لفشله في كثير مما طرق من أبواب الحياة ، وأخذت تستيقظ فيه نعاني السماء..فشبت حنينه إلى التطهر من رجسه الأرضي..

وبينما هو في تيه الفكر...إذ تشرق عليه من خلل السماء أضواء نافذة مفتوحة..هي نافذة هذا الشائع العميق..شيوع النور وعمق الأبد..(المعرفة)...فيمتطي الريح بساطا إليها ليفنى فيها...ولتصهره..ثم ليخرج من بعد إنسانًا عارفًا تتكشف له أنحاء جديدة في آفاق الكون والكائنين..ثم..ثم يدهمه الخالد الذي لا يفنى فيفنيه...ليذهب ذكره بعد ذلك خالدا في الأعمار والأحقاب..

والفكرة على سذاجتها تكاد تكون أثرا من آثار العقل الباطن وتعاونه مع الواعي في توجيه الشاعر إلى مثل هذا الاتجاه من التفكير والتعبير..بعد أن اختزن حنينه وهيامه بهذه (المعرفة) ثم أتت من وراء ذلك المُخيّلة بتصورها ، ثم التعبير بتقريره وإثباته ... ولعلّ في اللوحة بعض الغموض ..ولعلّ فيها شيئا من قسوة القالب..ولكن ..فليعذر الناس من أساء ومن قصر في الشعر...إنه بشر.

طار..يطوي مّجاهلَ الأفق والنَّا    =    ر تلظَّى في قلبه الوثّابِ

يَطّبيه الحسنُ المشاعُ فيسري   =    مُصْعدًا في غياهب وضبابِ

تشرق الشمس حين تشرق دنيا    =    ه بحُلْم يُطوى كطيِّ الكتابِ

وهو يشتار من ندى الفجر شهدًا    =   ومن الليل أكؤسًا من صابِ

زاده فنُّه ونجواه قيثا      =     ر هواه..وزهرةٌ من شبابِ

تهزم الريح حوله فيغنّي     =    بلحون من قلبه المنسابِ

قال يا ريح كن بساطي إليها     =     ففؤادي أضناه طول اللُّوابِ

أنا في راحتيك قلبٌ جريح      =    يتندَّى كأعين الأحبابِ

يتنزّى شوقا إلى عرش بلقيْـ     =   ـس فهبني كالناسك الأوّابِ

واطوني في يديك رُبَّ طلاءٍ     =    عبقريٍّ أحسُوه يُذهب ما بي

إنّ لي في الندى طلاءً وفي البر   =    ق ابتساما..وفي السماءِ كتابي

أتغنَّى بآيها كلَّ حين   =   فهي إعجاز مبدعٍ وهَّابِ

لي مع النجم سبحةٌ من خيال   =   ومع البرق حُسْوَةٌ من رُضابِ

ومع البدر والكواكب تسيا    =   رٌ بطيءُ الخُطا جميم الخطابِ

هو خمري ونشوتي وحديثي   =   وغرامي ومنيتي وطلابي

فامض يا ريح بي فقلبيَ غِرٌّ     =   في هواه..وفي هواه عذابي

يكتوي مُفردًا بحسن العذارى    =    وهو حسنٌ كبهرج من سرابِ

تَخِذ الناس سلوةً وعزاءً    =    عن أمانٍ جوفاءُ صنو حبابِ

فهو يهذي في صمته ويناجي    =   سرَّ آلامه ..بجمرً مُذابِ

فارحميه يا ريح من صمته الدّا    =   جي وردّي أحلامه للصوابِ

إنّ في صمته جحيمًا لنفسي   =   وهي كالزهرِ في الفيافي اليبابِ

فتقبّل نجواي يا ريح واهزمْ     =   فهزيم الرياح في أصلابي

نجّني من عذاب قلبي ونفسي   =    فهما توأما أسًى وعذابِ

أنا يا ريح جوهر مُسْتَسِرٌّ    =    في كنوز..في عالم مرتابِ

تخذ الشكّ لليقينِ سبيلا    =   فهو في ظلمة الهوى الكذابِ

طهريني من رجس دنياي بالنَّا    =    ر تلظّى في روحك الغلاّبِ

وانظري هل ترين إلاّ خداعًا    =    قد كواني بلمحه الخلاّبِ

*        *          *

يا رياح المغيب هبّي بقلبي     =    وبنفسي وراحتي وشبابي

واقذفي بالتراب حيناً إلى الشمـ    =   ـس وحينا إلى ضمير العُبابِ

علّه يكتوي بسَفْعِ لظاها    =    فهو سرٌّ لشقوتي واكتئابي

عاصفٌ إثر عاصف ..ونجومٌ    =  ورجومٌ تغلي على الأحقابِ

وعلى الأُفق ثائر من لهيبِ    =   وعلى الشمس غيهب من حجابِ

وإذا الكون يشرب الليل كاساً   =   ويغنّي بثاقبٍ وشهابِ

ثم يفنى الوجود في كفّ باريـ   =   ـه ..لتحيا (الحياة) في الألبابِ

وإذا العالم الغيُّ بليغٌ    =    ذائعُ السرِ مُعلَمُ الأسبابِ

وإذا الخافق الغرير حكيمٌ    =    وإذا النفس في طريق التّصابي

وإذا راهب الليالي خيالٌ    =   شارد الخطو.كالمها في الغابِ

خلصت روحه فسال ضياء   =    وطوى طينه سجلّ الرّغابِ

فهو يشدو في مأْتم الروح لحنًا   =   ويبكيّ في مفرحات الترابِ

يقرأُ الكون في صحيفته العلـ   =   ـيا سطورًا ما بين صافٍ وكابِ

فرأى الخير في المآذن يخبو    =    وهو الخير في النواقيس خابي

ورأى الشرّ في الجميع مُشاعًا    =    فتولّى عن رفقة وصحابِ

ورأى النجم في دمعة الشمس في المغـ = ـرب والدمع توأم الاغترابِ

ورأى البدرَ ثاني اثنين في حبِّ    =     سماءٍ سحريّة الأبوابِ

ورأى الأرض قبضة من ترابِ   =    طوّقتها غلالة من سحابِ

ورأى الزهرَ في الرياض شئونا    =     وشجونًا للعاشق المنتابِ

ورأى النحل أمّةً في هواء   =   ورأى النملَ أمّةً في هضابِ

ورأى الحبّ نسمة من نعيم    =    ورأى الحبّ عاصفً من عذابِ

ورأى الله جهرةً في مجاليـ    =   ـه قريباً منه بغير اقترابِ

فهو بين النكران والاعجابِ    =   وهو بين اليقين والاضطرابِ

ورأى الموت..لا بل الموت أغرا           =    ه بلقياه بعد طول لعابِ

جاءه في اعتزاله يطلب السرّ   =   وفي السرّ ضاع فجر الشبابِ

قال يا شيخ قد أتيتك أدعو    =  ك إلى عالمٍ رفيع الجنابِ

فانطلق من قيود دنياك إن كا   =   ن يسيرًا عليك نزع اللبابِ

أو فدعني أنزع لبابك يا قشْـ   =   ـر ..تمُت سالما من الأوصابِ

ثم ولّى عنه وخلّف دُودًا    =   مسكفًّا حول الذبيحِ المُصابِ

وانطوى عمره ليذهب ذكرًا    =   خالدًا في الأعمارِ والأحقابِ  

 

شعر: صالح الشرنوبي

saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 44 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2013 بواسطة saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

saydsalem
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

111,586