تجربة صابر عبدالدايم النقدية: الأدوات والفرائد

ما زال الأزهر الشريف كعبة المسلمين العلمية، وسيظل كذلك إلى أن تقوم الساعة بإذن الله تعالى؛ فهو من الكيانات المصرية العريقة والعتيقة التي اكتسبت قيمتها المعنوية من تاريخ مشرق حققه، وبارتقاء قيمة النشاط الدعوي والعلمي والتعليمي الذي تمارسه واقعيًّا؛ فهو المرجعية المسئولة عن المفرد المهم في حياتنا وهو (الدين). لكنه يتهم بالضعف والتباطؤ، من خلال هجمة شرسة من الرويبضات الإعلامية والذباب الإلكتروني، والدخلاء المأجورين، والمرتزقة الموتورين! فمثلاً يتهم الأزهر اتهامًا قاسيًا من خارجه دائمًا، و من داخله حينًا! بأن كليات اللغة العربية وشعبها المناظرة بكليات الدراسات الإسلامية والعربية للبنين والبنات كافة، وتخصص الأدب والنقد بجامعة الأزهر بخاصة- تعاني من العقم والتخلف والرجعية والجمود، وأنها لا تضاهي أو توازي مثيلها في الجامعات الأخرى. وما كان ينبغي لأساتذة الأزهر الشريف ـ وهم من أبناء هذه الجامعة الإسلامية العريقة ـ أن يتخلفوا في ميدان خدمة الإسلام، والعربية وآدابها، فما زالوا يؤدون دورهم الفعال الخالد، رغم العوائق التي تواجههم! والنكبات التي ألمت بأزهرهم … وما زالوا منبع العلم الأصيل الوسطى النافع، يفد إليهم العلماء والطلاب من كل صوب وحدب ليشهدوا في رحابهم منافع لهم، وليرتووا من مناهلهم الطاهرة، يجتمعون على خير، وينفضون في خير، لا تشوبهم شائبة، ولا يعتريهم جمود أو تطرف... لكنهم ـ للأسف ـ ابتلوا بالجحود والتجاهل ـ الذى يكاد يكون متعمدًا في أحيان كثيرة، فأساتذة الأزهر الشريف وشعراؤه ونقاده من الباحثين والدارسين والمبدعين، مغمورون مطمورون ـ عن عمد ـ لا يهتم بهم حملة الأقلام الصحفية، ولا ألسنة الإعلام المرئية والمسموعة، ولا يُعنى بنتاجهم في دنيا الأدب والنقد، مع ما فيه من غناء وثراء، وما يحويه من قيم سامية، وأفكار عميقة ، ورؤى دقيقة، يدركها كل باحث منصف ، حيث تضاهى ما عند غير الأزهريين، إن لم تتفوق عليها كمًّا وكيفًا، وشكلاً ومضمونًا في أحيان كثيرة!!

إن لمن الغريب ، بل من العجيب "أن يظل هذا النتاج الأدبي المثالي الثر غفلاً عن الباحثين والدارسين، لا لشيء إلا لأنه انبثق من الأزهر، وتفجر في رحابه ، وانبجس في أروقته … في الوقت الذى ييمم فيه هؤلاء وجوههم شطر نتاج غيرهم دراسةً واقتباسًا واستئناسًا . وهو في معظمه لا يرقى إلى نتاجهم الأدبي والفكري؛ فنتاج غير الأزهريين -من المتصدرين الساحة الثقافية والإعلامية- يحلق ـ غالبًا ـ في آفاق هلامية غامضة معقدة، فيها شطط وشذوذ، وخروج على سلطان الإسلام الحق، وبعد عن ضوابط العقل العربي المسلم المعتدل، وتعد على لغة القرآن الفصحى البيانية الناصعة، ومن ثم فلا كبير فائدة يراها أي باحث عاقل منصف في الاهتمام بمثل هذه الآداب والدراسات المستوردة في شكلها ومضمونها وغايتها! أما النتاج الأدبي والفكري للأزهريين ففي درسه وتعلمه ونشره والاهتمام به خير عميم لأبناء أمتنا: مبدعين ودارسين ومثقفين0 لا أقول هذا عن تعصب أو انحياز أحادي التوجه، بل أقوله إحقاقًا لحق يحاول المغرضون هضمه، ودفاعًا شرعيًّا عن النفس، باعتباري من أبناء هذا الصرح العتيق الشامخ، يتغيا مواجهة تلك الحملة الموجهة ضد مؤسسة الأزهر الشريف؛ لتسييسها وتلويثها وتمويتها!

إن لهؤلاء الشيوخ الأعلام جهودًا عظيمة في ميدان الدراسات الأدبية والنقدية عامة، وفى رحاب الأدب الإسلامي خاصة، تعريفًا، وتأريخًا وتأصيلاً، و لهم جهد غير منكور في الدعوة إلى هذا الأدب وحث المبدعين على الانضمام تحت لوائه، من خلال مشاركتهم الدؤوب في أنشطة رابطة الأدب الإسلامي العالمية، داخل مصر وخارجها. وقد أسهموا إبداعيًّا وتنظيريًّا في دفع عجلة الأدب الإسلامي إلى الأمام.  وجهودهم مسجلة في مطبوعات متنوعة: بين الديوان والكتاب والبحث والمقال.  ولكنها جهود فردية متفرقة، تحتاج إلى توثيق ببليوجرافي إحصائي، على غرار دليل مكتبة الأدب الإسلامي، وقراءات بحثية نقدية في رسائل جامعية أو بحوث علمية متخصصة!  حقَّا إنها جهود طيبة، لكن يعوزها الإعلام بها، والإعلان عنها، والتسويق لها، والعمل على نشرها طباعيًا أو إلكترونيًّا بكل الوسائل الثقافية المتاحة، لاسيما الحكومية منها، بدل كونها حبيسة الأدراج الخاصة، أو المطبعات التجارية المحدودة، أو المجلات والحوليات الجامعية التي ربما لا يطلع عليها أهلوها! ا!

ولعل في الاستئناس بتراث الشيوخ الفحول: محمد الغزالى، ومحمد على النجار، وأحمد الشرباصى، ومحمد الخضر حسين، ومحمد عبدالمنعم خفاجى، ومحمد رجب البيومى،وأحمد عمر هاشم، ومحمد أحمد العزب، والدكتور/ صابر عبد الدايم، في مجالات الإبداع الأدبي والنقدي والثقافي. ويضاف إليهم -آنيًا- أمير الشعراء المعاصرين الدكتور علاء السيد أحمد جانب... لعل نظرة أو نظرات في تراث هؤلاء الرواد ما يقرر أن الأزهر كان حصنًا حصينًا للغة العربية وآدابها إبداعًا ودرسًا، وما زال كذلك بحمد الله وتوفيقه، وسيظل على الدرب رغم كلام القانطين، وكيد الكائدين، وتشكيك الحاقدين، ومؤامرات المرجفين .. إن أزهرنا الشريف هو المرشح بقوة لإنجاز مهمة التفاعل مع مستجدات الآخر، مع الاعتماد على ثوابتنا وخصوصياتنا، عن طريق فهم شيوخه وطلابه لوسطية الإسلام فهمًا فكريًّا صحيحًا، وتطبيقًا واقعيًّا سليمًا0

فهذا الاتهام وهذا الجحود للأزهر والأزهريين صادر عن ذوي توجه استعلائي إقصائي قائم على نظرة جزئية محدودة قاصرة من قبل البعض، أو نظرة حاقدة على هذا التخصص بالجامعة؛ لما فيه من أصالة وحداثة راشدة حيوية ذات ثبات ومرونة وتطوير دائم، بطريقة فردية أحيانًا، ومؤسسة حينًا!

ولعل تطوافة سريعة في السيرة الحياتية والإبداعية والفكرية للأستاذ الدكتور صابر عبدالدايم يونس، تقدم دلالة حية واقعية على ذلك بل هي الدلالة الأكبر:زمنيًّا و فنيًّا، ومكانيًّا، وأتباعًا وتوابع. إنها التجربة الحاضرة بقوة في المشهد الإبداعي والنقدي والثقافي منذ ثمانيات القرن المنصرم إلى الآن، حفظه الله وبارك سعيه؛ فهو ابن الأزهر، والفائز بجوائز وزارة الثقافة، والمشارك في مؤتمراتها وأنشطتها، والباحث الجاد في جامعات الوطن العربي ومعاهد العلم فيه، وهو المعلم كأستاذ للأدب والنقد المتفرغ بجامعة الأزهر، وهو الإداري كعميد لكلية اللغة العربية بالزقازيق الأسبق، وهو القاضي الحكم مقررًا للَّجنة العلمية الدائمة لترقيات الأساتذة والأساتذة المساعدين بجامعة الأزهر، وهو مكتشف الإبداع وراعيه في إشرافه على دوحة الشعر بمجلة الأزهر، وفي رئاسته مكتب رابطة الأدب الإسلامي العالمية بمصر...وذلك من خلال ترجمة غيرية للدكتور صابر عبدالدايم بعد علاقة علمية بلغت عشرين عاما تقريبًا، أحسبه الرجل المتكامل، الحي الفاعل، الصافي قلبًا وقالبًا ولسانًا وقلًمًا، ولا أزكي على الله أحدًا، فهو قدوة لي ولأضرابي، منه نأخذ وقودًا يشعل حياتنا وينير طريقنا، حفظه الله ورعاه وسدد خطاه.

وهاك بورتيريهًا يزيد شخصه وشخصيته جلاء، في المحطات الآتية:     

·        <!--[endif]-->النظرة الأولى:

دخلت كلية اللغة العربية بالزقازيق معيدًا بقسم الأدب والنقد في شهر مايو 1998م وعاشرت أساتذة في تخصص الأدب والنقد، فوجدت عجبًا، رأيت تيار الأصالة مهيمنًا، وتيار المعاصرة غير موجود! فعشت مع أفراده إلى حين؛ لأنني مثلهم: أزهري محافظ، مهتم برسالتي للدكتوراه فقط لا غير! وإذا بأستاذ جميل قسيم وسيم، فيه حياة وحيوية وإقبال على الناس وقبول عندهم، يقولون: إنه العائد من الخارج واستلم عمله بالكلية بقسمي: قسم "الأدب والنقد"، إنه الأستاذ الدكتور/ صابر عبد الدايم، خمسيني العمر حينئذ، جالسته سائلاً ومحاورًا، فهمت منه روائع إبداعية، وقضايا ثقافية مختلفة. وجدته بتعبير الخليجيين العرب "غِير" أي متميز من طراز فريد! شاعر يجمع بين الأصالة والحرية بإمتاع، وناقد ذواقة، متمكن من أدوات النقد، تعشقه الأضواء، وتتخطفه المذاييع، ويتناص معه الشعراء والباحثون ليل نهار وفي كل مكان! قرأت شعره، ودرَسته ودرَّست كتبه، وصرت تابعه وقرينه في كل صالون ومنتدى، جمع بين الالتزام الإسلامي والإبداع الفني والنقدي المتألق بدواوينه التي ضمت مزايا الأصالة إلى جاذبية الجديد. فهِمْت به حتى صُبغت بصبغته، فصار صوتي وطريقة إلقائي المحاضرات والقصائد مثله، مع الفارق لصالحه بالطبع؛ لأنه الأصل وأنا النسخة!   وسمعته يعرفنا نفسه شعرًا قائلاً:

اسمى : صابرْ

عمرى : سنواتُ الصبَّار جهلتُ بدايتَها

أو حتى كيف تُسافرْ .

بلدي : مصرُ . القريةُ والموّالُ الساخرْ

والمهنةُ : شاعرْ

وهواياتي : فكُّ الأحجبةِ وهدمُ الأسْوارْ

والبحثُ عن الخصْب المتوارِي خلفَ الأمطارْ

والتْنقيبُ بصحراء النفس عن الآبارْ

وقراءةُ ما خلفَ الأعين منْ أسرارْ .

حقًّا إنه مصري البيئة والقسمات والملكات، يفك الأحجبة الإبداعية، ويحلل الإشكالات الثقافية، ويهدم أسوار الجمود والانغلاق والتقوقع، ويبحث في الخصب المتواري، وينشره غضًّا بضًّا، نديًّا وضيًّا في كل الأنحاء، وبين الأشياخ، والأضراب، والأتباع، مجددًا مخترعًا، ومتثاقفًا متناصًّا، ومنفعلاً فاعلاً في نهر الثقافة، وسط جمود وركود، وتكلس وتهرؤ، وضبابية، وعقول أحادية روتينية مملة!!!

أولا: الأدوات

انطلاقًا من أن النقد الأدبي تأمُّل يُعلن استحقاق عمل أدبي أو عدم أحقيته في نيل الاعتبار والوجود أو اللاوجود؛ وأن موضوع النقد الأدبي هو الأدب، وأن وظيفة النقد الأدبي الرئيسة أن يُنير سبيل الأدب أمامنا ويُغرينا بالسير فيه، ويلفتنا إلى ما فيه من جمال لا نستطيع إدراكه بأنفسنا، والناقد بذلك يجعلنا نرى العمل الأدبي لا بعيوننا ولكن بعينه، فنفهم منه ما يفهم هو، ونخطئ فيه ما يُخطئه، ونَحكم عليه بحكمه؛ ولذلك وجب أن يكون الناقد "مسلحًا بالمعرفة الواسعة، والقدرة الخاصة على النظر والفهم(<!--)، وارتباطه بإطار نظري وخلفية معرفية، كل ذلك يفرض على الناقد الاستناد إلى منهج وطريقة مخصوصة للتعامل مع الإبداع الأدبي؛ فالتعامل مع الأدب صار يَنبني على أدوات إجرائية يُحدِّدها الإطار النظري للمنهج الذي يتبناه الناقد باعتباره وسيلة لفهم الإبداع وتفسيره والحكم عليه. ولا مراء في أن هذه الثقافة المتكاملة أكبر معين على النقد الأدبي؛ فللأدب "صَناعة وثقافة يعرفها أهل العلم، كسائر أصناف العلم والصناعات(<!--)"؛ فمطلوب من الناقد أن يكون ذواقة مدربًا خبيرًا بالإبداع الأدبي، ولديه مؤهلات عقلية خاصة يقدر بها أن يبيّن جماليات أي عمل أدبي وإخفاقاته...

إن أدوات النقد الأدبي اصطلاح مقصود منه الإجابة عن سؤال أساس في دراسة الناقد الأدبي مؤداه: ما الأدوات التي كونت الناقد الأدبي وأعانته، في قراءة العمل الأدبي والحكم عليه؟ وهذا ما يسمى: الكفاءة الأدبية. Literary Competence.. وهي تتمثل عند: (صابر عبدالدايم) في: الموهبة الإبداعية، والتخصص الأكاديمي، والثقافة المتكاملة، والنفس السماوية، وبيانها على النحو التالي:

<!--الموهبة الإبداعية:

(صابر عبدالدايم) رزق فطرة على الإبداع الأدبي شعرًا ونثرًا، كتابة وشفاهة، فهو شاعر له إبداعات شعرية، تمثلت في سبعة دواوين شعرية، هي: "المسافر في سنبلات الزمن" سنة 1982م، و"الحلم والسفر والتحول" سنة 1983م، و"المرايا وزهرة النار" سنة 1988م، و"العاشق والنهر" سنة 1994م، و"مدائن الفجر" نشر رابطة الأدب الإسلامي سنة 1994م، و"العمر والريح" سنة 8. . 2م.  وله  مسرحية مخطوطة بعنوان النبوءة"، إضافة إلى قصيدة مطولة مطبوعة بعنوان "القبو الزجاجي" سنة 3. .2م، وقد طبعت أعماله الشعرية الكاملة هذا العام(1440هـ=2019م) (<!--). إنه شاعر وهو طالب في المرحلة الثانوية، وشاعر وهو جامعي، وشاعر وهو كهل، وما زال يأتيه وحي الشعر على فترات متباعدة في مرحلته الآنية! وهو معروف ناثرًا فني في مجالات: الكتابة الصحفية العامة، والعلمية المتخصصة، وكما أنه له دور في المحاضرات والخطب والمحاورات الإذاعية والتلفازية...

والإبداع الأدبي أداة أولى في كل ناقد جيد؛ فهو يعطي قدرة فائقة على الفحص الدقيق للنص وكشف الجمال الظاهر والخفي فيه، والموزنة بين المتشابهات، والإحساس بالفروق بينها. يقول البحتري-شاعرنا العباسي-: ليس هذا من علم ثعلب وأضرابه ممن يحفظ الشعر، ولا يقوله، وإنما يعرف الشعر من دفع إلى مضايقه(<!--)، وهذا المتنبي يرد على نال من قدر شعره: إن البزاز لا يعرف الثوب معرفة الحائك(<!--)"، ويقول ت.س.إليوت:"  إنني لأعتقد أن النقد الذي يجريه أديب ماهر ذو مران على نتاجه لهو أشد أنواع النقد حيوية وأعلاها درجة (<!--)"؛ فالموهبة أداة أولى في الناقد، وهي طبع موهوب وذكاء حادٌّ و ذوق فطري.

<!--التخصص في النقد الأدبي

  (صابر عبدالدايم) مغروس في الإبداع الأدبي ليلَ نهار صباحَ مساء، منذ دخوله الأزهر، وتخرجه في كلية اللغة العربية الأم سنة 1972م، وتخصصه في الدراسات الأدبية والنقدية بحصوله على درجة الماجستير سنة 1976م، ودرجة العالمية سنة 1981م، وهو يمارس تدريس الأدب في مختلف أعصاره وأمصاره، وله في ذلك أكثر من عشرين مؤلفًا سيارًا. ولا ريب في أن ذلك التخصص كان سببًا في بناء شخصيته الناقدة؛ فإن كثرة المدارسة لتعدي على العلم بالشعر، وكذلك الشعر يعرفه أهل العلم به(<!--)" المعاينة والاستماع له، بلا صفة ينتهي إليها، ولا علم يوقف عليه كما يقول ابن سلام الجمحي(231هـ) في طبقاته، وهذا خلف الأحمر(ت180هـ) يقول: "وجدنا رواة العلم يغلطون في الشعر ولا يضبط الشعر إلا أهله(<!--)"؛

وقال علي بن يحيى المنجم(ت230هـ):

رب شعر نقدته كما ينــ                 ــــقد رأس الصيارف الدينارا

ثمَّ أَرسَلتهُ فَكانَت مَعانيـــــ                 ــهِ وَأَلفــــاظُــــهُ مَعًا أَبكارا(<!--)

فدراسة الأدب وتقويمه علم له أصوله وضوابطه وقواعده.

<!--الثقافة المتكاملة

أستاذنا منذ نشأته التعليمية الأولى مسلح بالثقافة التراثية العتيقة، ومن آلات العلم: نحوًا وصرفًا وبلاغةً وعروضًا، وتاريخ أدب في معاهد الأزهر الثانوية، وقد تعمق في هذه الثقافة العتيقة في مرحلة الإجازة العالية، من خلال منهج أزهري وسطي يؤمن بالتعددية العقلية والحرية الفكرية. كما أنه مطلع على مترجمات قاطرة الثقافة الأعجمية الوافدة عن طريق المجلات الرائدة: أبوللو، الهلال، الثقافة، الرسالة، الشعر، فصول... وغيرها. وعن طريق معاشرته أدب المهجريين: شعرًا ومقالات ومسرحًا وقصصًا، مدة ست سنوات، ولا شك في أن المهجريين من قناطر أطروحات الحداثة  العالمية إلى العالم العربي، كما أنه قارئ جيد لكل المترجمات الغربية التي تأتينا بكل عجيب وغريب كل وقت وحين؛ فهو حقا مستنير بالمنتج الثقافي الوافد، استنارة قائمة على خلفية أصيلة واعية، تجد ف كتاباته أسماء: أرسطو، دانتي، تولوستوي، إليوت، كولريدج، شللي، راسين، رامبو، موليير، إلخ. وكتابه: (الأدب المقارن بين التراث والمعاصرة) أكبر دليل على تفاعل الثقافتين في عقليته الناقدة؛ فهو يشارك بهذا الكتاب في ميدان الجهود المتتابعة لرصد عوامل التأثر والتأثير بين الأدب العربي والآداب العالمية, التي ترصدها "الدراسات المقارنة" بين الآداب. وهذه الفصول تلقي الضوء على ما خفي من كنوز الثقافة العربية والإسلامية في المجال الأدبي، وتكشف عن الجذور البعيدة الأثر في الثقافة العربية والإسلامية في الآداب العالمية من خلال تأصيل القيم الفكرية والإبداعية التي أنتجتها أمتنا العربية والإسلامية في أوج حضارتها, ونلقي هذه الدراسات الأضواء الكاشفة على المؤثرات التراثية لأدبنا وثقافتنا الإسلامية في مسيرة الحركة الأدبية في عصر النهضة الأوروبية.. وما تلاه من عصور, ومن أهمها المؤثرات القرآنية.. واستلهامها مع المواقف البطولية والإنسانية في السيرة النبوية.ويتصل بذلك بحثه: (ظاهرة التلاقي بين الآداب: عواملها وثمارها وأثرها في حوار الحضارات) (<!--)، وبحثه: (أصداء الثقافة العربية والإسلامية في النتاج الإبداعي لرواد الأدب الروسي) (<!--)، وبحثه: (محمد في مرآة المفكرين والأدباء العالميين غير المسلمين) (<!--)... ولا مراء في أن هذه الثقافة المتكاملة أكبر معين على النقد الأدبي؛ فللأدب "صَناعة وثقافة يعرفها أهل العلم، كسائر أصناف العلم والصناعات(<!--)"؛ فمطلوب من الناقد أن يكون ذواقة مدربًا خبيرًا بالإبداع الأدبي، ولديه مؤهلات عقلية خاصة يقدر بها أن يبيّن جماليات أي عمل أدبي وإخفاقاته... وثقافة الدكتور صابر تمثلت في: ثقافة عربية بحتة مستمدة أصولها من التراث العربي القديم طريقها الأزهر الشريف، وثقافة حصيلتها نظريات أجنبية ومناهج دخيلة طريقها المترجمات، وثقافة جديدة طريقها تعلم الناقد الذاتي من خلال محيطه الأدبي، بعيدًا عن الغزو الثقافي. وقد ساعدته هذه الثقافات في تطوير نفسه، وتوجيه الحركة الإبداعية التي عاصرها وما زال يعاصرها .

<!--النفس السماوية:

‏إنه حقًّا الإنسان السَّمَاوي: صابر عبدالدايم، إنسان جميل قلبًا وقالبًا، يرى الجمال في كل وجود، ويقدره، وينأى عن القبح، ودائمًا ما يعلو فوق المشاعر السلبية، يتجاوزها، ولا يقف عندها أو أمامها، ولا تؤثر فيه أو تعوق مسيرته وفاعليته، كالآخرين؛ إذ كلما عاشرتُ الكبار الآخرين علمتُ عظمة َأستاذنا وإنسانيته وأستاذيته النادرة المثال: طهارة لسان ورحابة جنان وجزالة لسان وبراعة قلم فينان، يجل شيوخه، ويسير مع تربه، ويأخذ بالصغير ليكبر، ويغرس فيه الطموح والثقة، ويكتشف المواهب ويطورها، ويقيم في كل مكان عكاظًا للأدب حيث حل وارتحل، يرتفع بمن حوله ويوظف ما حوله، فيكون في أعلى عليين بيننا. ولا يدخل في معارك هامشية أو شخصية!

ثانيًا: الفرائد:

تتفرد تجربة صابر عبدالدايم النقدية بعدة فرائد متنوعة، تتمثل في:

<!--الحضور النقدي المتنوع فنيًّا

<!--الحضور النقدي المتنوع مكانيًّا 

<!--الحضور النقدي المتنوع زمانيًّا

<!--الهادفية النقدية

<!--اتساع مساحة التأثير

<!--خصوصية المصطلح النقدي

<!--قيام تجربته على الثنائيات

 

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) راجع في ذلك:  معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، د/سعيد علوش ص216-217،، دار الكتاب اللبناني، الطبعة الأولى، 1985م. وفي النقد الأدبي د/ عبدالعزيز عتيق، ص: 268، والأدب وفنونه، د/ عز الدين إسماعيل، ص: 67، وأصول النقد الأدبي، د/أحمد الشايب، ص: 126 – 137، وراجع الرابط:

https://www.alukah.net/literature_language/0/99735/#ixzz5iD8M3IXs

(19) طبقات فحول الشعراء1/6، وراجع ثقافة الناقد الأدبي للدكتور محمد النويهي، مطبعة لجنة التأليف و الترجمة والنشر، القاهرة سنة 1369/1949م. 

(19) عن دار كشيدة بالقاهرة. 

(19) منهاج البلغاء ص160. 

(19) العمدة لابن رشيق، ودلائل الإعجاز ص252-253، ورويت هذه المقولة عن أبي نواس أيَضًا. 

(19) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة لستانلي هايمن 1/175، ترجمة إحسان عباس، دار الثقافة ببيروتسنة 1958م.. 

(19)طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي 1/5. 

(19)طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي 1/60. 

(19)ربيع الأبرار للزمخشري1/415. 

(19) شارك به في مؤتمر جمعية لسان العرب بجامعة الدول العربية سنة 2003م.. 

(19) شارك به في مؤتمر اللغة العربية  أمام تحديات العولمة: اللغة العربية ومشروع الأمة الحضاري، نشر بكتاب المؤتمر سنة 2003م.. 

(19) شارك به في المؤتمر الدولي العالمي الذي نظمته الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في شهر نوفمبر سنة 2013م.. 

(19) طبقات فحول الشعراء1/6، وراجع ثقافة الناقد الأدبي للدكتور محمد النويهي، مطبعة لجنة التأليف و الترجمة والنشر، القاهرة سنة 1369/1949م.  

المصدر: احتفال اللجنة الفكرية بفوز الدكتور صابر عبدالدايم بجائزة الاتحاد في النقد الأدبي. يوم الثلاثاء5/3/2019/م.
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 186 مشاهدة

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

296,485