علائم العقلية المتكاملة في شخص الدكتور صابر عبدالدايم

ما زال الأزهر الشريف كعبة المسلمين العلمية، وسيظل كذلك إلى أن تقوم الساعة بإذن الله تعالى؛ فهو من الكيانات المصرية العريقة والعتيقة التي اكتسبت قيمتها المعنوية من تاريخ مشرق حققه، وبارتقاء قيمة النشاط الدعوي والعلمي والتعليمي الذي تمارسه واقعيًّا؛ فهو المرجعية المسئولة عن المفرد المهم في حياتنا وهو (الدين). لكنه يتهم بالضعف والتباطؤ، من خلال هجمة شرسة من الرويبضات الإعلامية والذباب الإلكتروني، والدخلاء المأجورين، والمرتزقة الموتورين! فمثلاً يتهم الأزهر اتهامًا قاسيًا من خارجه دائمًا، و من داخله حينًا! بأن كليات اللغة العربية وشعبها المناظرة بكليات الدراسات الإسلامية والعربية للبنين والبنات كافة، وتخصص الأدب والنقد بجامعة الأزهر بخاصة- تعاني من العقم والتخلف والرجعية والجمود، وأنها لا تضاهي أو توازي مثيلها في الجامعات الأخرى.

وما كان ينبغي لأساتذة الأزهر الشريف ـ وهم من أبناء هذه الجامعة الإسلامية العريقة ـ أن يتخلفوا في ميدان خدمة الإسلام، والعربية وآدابها، فما زالوا يؤدون دورهم الفعال الخالد، رغم العوائق التي تواجههم! والنكبات التي ألمت بأزهرهم … وما زالوا منبع العلم الأصيل الوسطى النافع، يفد إليهم العلماء والطلاب من كل صوب وحدب ليشهدوا في رحابهم منافع لهم، وليرتووا من مناهلهم الطاهرة، يجتمعون على خير، وينفضون في خير، لا تشوبهم شائبة، ولا يعتريهم جمود أو تطرف …

لكنهم ـ للأسف ـ ابتلوا بالجحود والتجاهل ـ الذى يكاد يكون متعمدًا في أحيان كثيرة، فأساتذة الأزهر الشريف وشعراؤه ونقاده من الباحثين والدارسين والمبدعين، مغمورون مطمورون ـ عن عمد ـ لا يهتم بهم حملة الأقلام الصحفية، ولا ألسنة الإعلام المرئية والمسموعة، ولا يُعنى بنتاجهم في دنيا الأدب والنقد، مع ما فيه من غناء وثراء، وما يحويه من قيم سامية، وأفكار عميقة ، ورؤى دقيقة، يدركها كل باحث منصف ، حيث تضاهى ما عند غير الأزهريين، إن لم تتفوق عليها كمًّا وكيفًا، وشكلاً ومضمونًا في أحيان كثيرة!!

إن لمن الغريب ، بل من العجيب "أن يظل هذا النتاج الأدبي المثالي الثر غفلاً عن الباحثين والدارسين، لا لشيء إلا لأنه انبثق من الأزهر، وتفجر في رحابه ، وانبجس في أروقته … في الوقت الذى ييمم فيه هؤلاء وجوههم شطر نتاج غيرهم دراسةً واقتباسًا واستئناسًا . وهو في معظمه لا يرقى إلى نتاجهم الأدبي والفكري"(<!--)0

فنتاج غير الأزهريين -من المتصدرين الساحة الثقافية والإعلامية- يحلق ـ غالبًا ـ في آفاق هلامية غامضة معقدة، فيها شطط وشذوذ، وخروج على سلطان الإسلام الحق، وبعد عن ضوابط العقل العربي المسلم المعتدل، وتعد على لغة القرآن الفصحى البيانية الناصعة، ومن ثم فلا كبير فائدة يراها أي باحث عاقل منصف في الاهتمام بمثل هذه الآداب والدراسات المستوردة في شكلها ومضمونها وغايتها! أما النتاج الأدبي والفكري للأزهريين ففي درسه وتعلمه ونشره والاهتمام به خير عميم لأبناء أمتنا: مبدعين ودارسين ومثقفين0 لا أقول هذا عن تعصب أو انحياز أحادي التوجه، بل أقوله إحقاقًا لحق يحاول المغرضون هضمه، ودفاعًا شرعيًّا عن النفس، باعتباري من أبناء هذا الصرح العتيق الشامخ، يتغيا مواجهة تلك الحملة الموجهة ضد مؤسسة الأزهر الشريف؛ لتسييسها وتلويثها وتمويتها!

إن لهؤلاء الشيوخ الأعلام جهودًا عظيمة في ميدان الدراسات الأدبية والنقدية عامة، وفى رحاب الأدب الإسلامي خاصة، تعريفًا، وتأريخًا وتأصيلاً، و لهم جهد غير منكور في الدعوة إلى هذا الأدب وحث المبدعين على الانضمام تحت لوائه، من خلال مشاركتهم الدؤوب في أنشطة رابطة الأدب الإسلامي العالمية، داخل مصر وخارجها. وقد أسهموا إبداعيًّا وتنظيريًّا في دفع عجلة الأدب الإسلامي إلى الأمام.  وجهودهم مسجلة في مطبوعات متنوعة: بين الديوان والكتاب والبحث والمقال.  ولكنها جهود فردية متفرقة، تحتاج إلى توثيق ببليوجرافي إحصائي، على غرار دليل مكتبة الأدب الإسلامي، وقراءات بحثية نقدية في رسائل جامعية أو بحوث علمية متخصصة!  حقَّا إنها جهود طيبة، لكن يعوزها الإعلام بها، والإعلان عنها، والتسويق لها، والعمل على نشرها طباعيًا أو إلكترونيًّا بكل الوسائل الثقافية المتاحة، لاسيما الحكومية منها، بدل كونها حبيسة الأدراج الخاصة، أو المطبعات التجارية المحدودة، أو المجلات والحوليات الجامعية التي ربما لا يطلع عليها أهلوها!

      وتعد جامعة الأزهر هيئة من هيئات الأزهر الشريف، تختص بالتعليم العالي بالأزهر، و بها كلية اللغة العربية، وشعبة للُّغة العربية بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة، وفروعهما الإقليمية: قبليًّا وبحريًّا؛ و تشهد رحابها العديدة نشاطًا تعليميًّا وبحثيًّا وإبداعيًّا في مجال أسلمة الأدب العربي؛ مسايرةً لتلك الدعوة النبيلة.  وقد تُوِّج هذا النشاط بجعل مساق "الأدب الإسلامي" مقررًا في السنة الرابعة بهاته الكليات.  وفي الدراسات العليا والحوليات العلمية لهذه الكليات عدد كبير من البحوث الأكاديمية الدائرة حول الأدب الإسلامي.  ولكنها تحتاج إلى رصد وتحليل. . . ولعل هذا الاحتفاء بالأدب الإسلامي يجد صدى في رحاب كليات: أصول الدين والدعوة، والتربية، واللغات والترجمة، إذا الأهداف العلمية والتعليمية المرجوة من هاته الكليات تقتضي العناية بهذا الأدب اطلاعًا ومدارسة واستئناسًا، وبحثًا وإبداعًا، كل حسب توجهه الأكاديمي؛ ففي ذلك الخير كل الخير لهذه الكليات وللأدب الإسلامي معًا!

ولعل في الاستئناس بتراث محمد الغزالى، ومحمد على النجار، وأحمد الشرباصى، ومحمد الخضر حسين، ومحمد عبدالمنعم خفاجى، ومحمد رجب البيومى،وأحمد عمر هاشم، ومحمد أحمد العزب، والدكتور/ صابر عبد الدايم، في مجالات الإبداع الأدبي والنقدي والثقافي. ويضاف إليهم -آنيًا- أمير الشعراء المعاصرين الدكتور علاء السيد أحمد جانب... ولعل نظرة أو نظرات في تراث هؤلاء الرواد ما يقرر أن الأزهر كان حصنًا حصينًا للغة العربية وآدابها إبداعًا ودرسًا، وما زال كذلك بحمد الله وتوفيقه، وسيظل على الدرب رغم كلام القانطين، وكيد الكائدين، وتشكيك الحاقدين، ومؤامرات المرجفين .. إن أزهرنا الشريف هو المرشح بقوة لإنجاز مهمة التفاعل مع مستجدات الآخر، مع الاعتماد على ثوابتنا وخصوصياتنا، عن طريق فهم شيوخه وطلابه لوسطية الإسلام فهمًا فكريًّا صحيحًا، وتطبيقًا واقعيًّا سليمًا0

فهذا الاتهام وهذا الجحود للأزهر والأزهريين صادر عن ذوي توجه استعلائي إقصائي قائم على نظرة جزئية محدودة قاصرة من قبل البعض، أو نظرة حاقدة على هذا التخصص بالجامعة؛ لما فيه من أصالة وحداثة راشدة حيوية ذات ثبات ومرونة وتطوير دائم، بطريقة فردية أحيانًا، ومؤسسة حينًا!

ولعل تطوافة سريعة في السيرة الحياتية والإبداعية والفكرية للأستاذ الدكتور صابر عبدالدايم يونس، تقدم دلالة حية واقعية على ذلك بل هي الدلالة الأكبر، والحاضرة بقوة في المشهد الإبداعي والنقدي والثقافي منذ ثمانيات القرن المنصرم إلى الآن، حفظه الله وبارك سعيه؛ فهو ابن الأزهر، والفائز بجوائز وزارة الثقافة، والمشارك في مؤتمراتها وأنشطتها، والباحث الجاد في جامعات الوطن العربي ومعاهد العلم فيه، وهو المعلم كأستاذ للأدب والنقد المتفرغ بجامعة الأزهر، وهو الإداري كعميد لكلية اللغة العربية بالزقازيق الأسبق، وهو القاضي الحكم مقررًا للَّجنة العلمية الدائمة لترقيات الأساتذة والأساتذة المساعدين بجامعة الأزهر، وهو مكتشف الإبداع وراعيه في إشرافه على دوحة الشعر بمجلة الأزهر، وفي رئاسته مكتب رابطة الأدب الإسلامي العالمية بمصر...وذلك من خلال ترجمة غيرية للدكتور صابر عبدالدايم بعد علاقة علمية بلغت عشرين عاما تقريبًا، أحسبه الرجل المتكامل، الحي الفاعل، الصافي قلبًا وقالبًا ولسانًا وقلًمًا، ولا أزكي على الله أحدًا، فهو قدوة لي ولأضرابي، منه نأخذ وقودًا يشعل حياتنا وينير طريقنا، حفظه الله ورعاه وسدد خطاه.

وهاك بورتيريهًا يزيد شخصه وشخصيته جلاء، في المحطات الآتية:     

النظرة الأولى:

دخلت كلية اللغة العربية بالزقازيق معيدًا بقسم الأدب والنقد في شهر مايو 1998م وعاشرت أساتذة في تخصص الأدب والنقد، فوجدت عجبًا، رأيت تيار الأصالة مهيمنًا، وتيار المعاصرة غير موجود! فعشت مع أفراده إلى حين؛ لأنني مثلهم: أزهري محافظ، مهتم برسالتي للدكتوراه فقط لا غير! وإذا بأستاذ جميل قسيم وسيم، فيه حياة وحيوية وإقبال على الناس وقبول عندهم، يقولون: إنه العائد من الخارج واستلم عمله بالكلية بقسمي: قسم "الأدب والنقد"، إنه الأستاذ الدكتور/ صابر عبد الدايم، خمسيني العمر حينئذ، جالسته سائلاً ومحاورًا، فهمت منه روائع إبداعية، وقضايا ثقافية مختلفة. وجدته بتعبير الخليجيين العرب "غِير" أي متميز من طراز فريد! شاعر يجمع بين الأصالة والحرية بإمتاع، وناقد ذواقة، متمكن من أدوات النقد، تعشقه الأضواء، وتتخطفه المذاييع، ويتناص معه الشعراء والباحثون ليل نهار وفي كل مكان! قرأت شعره، ودرَسته ودرَّست كتبه، وصرت تابعه وقرينه في كل صالون ومنتدى، حتى صبغت بصبغته، فصار صوتي وطريقة إلقائي المحاضرات والقصائد مثله، مع الفارق لصالحه بالطبع؛ لأنه الأصل وأنا النسخة!  

وسمعته يعرفنا نفسه شعرًا قائلاً:

اسمى : صابرْ

عمرى : سنواتُ الصبَّار جهلتُ بدايتَها

أو حتى كيف تُسافرْ .

بلدي : مصرُ . القريةُ والموّالُ الساخرْ

والمهنةُ : شاعرْ

وهواياتي : فكُّ الأحجبةِ وهدمُ الأسْوارْ

والبحثُ عن الخصْب المتوارِي خلفَ الأمطارْ

والتْنقيبُ بصحراء النفس عن الآبارْ

وقراءةُ ما خلفَ الأعين منْ أسرارْ .

حقا إنه مصري البيئة والقسمات والملكات، يفك الأحجبة الإبداعية، ويحلل الإشكالات الثقافية، ويهدم أسوار الجمود والانغلاق والتقوقع، ويبحث في الخصب المتواري، وينشره غضًّا بضًّا، نديًّا وضيًّا في كل الأنحاء، وبين الأشياخ، والأضراب، والأتباع، مجددًا مخترعًا، ومتثاقفًا متناصًّا، ومنفعلاً فاعلاً في نهر الثقافة، وسط جمود وركود، وتكلس وتهرؤ، وضبابية، وعقول أحادية روتينية مملة!!!

سماوية النفس:

إنه حقًّا الإنسان السَّمَاوي: صابر عبدالدايم؛ إذ كلما عاشرتُ الكبار علمتُ عظمة َأستاذنا وإنسانيته وأستاذيته النادرة المثال: طهارة لسان ورحابة جنان وجزالة لسان وبراعة قلم فينان، يأخذ بالصغير ليكبر، ويغرس فيه الطموح والثقة، ويكتشف المواهب ويطورها، ويقيم في كل مكان عكاظًا للأدب حيث حل وارتحل، يرتفع بمن حوله ويوظف ما حوله، فيكون في أعلى عليين بيننا.  

إسلامية الحركة:

والدكتور صابر من كتاب الفكرة الإسلامية المتلهفين إلى تجسيدها في حياة الناس واقعًا عمليًّا، ومنهجًا حاكمًا للناس في كل مجالات الحياة . ومن الباحثين عن منافذ الخلاص للإنسان عبر رؤية إسلامية متميزة تصاغ معالمها في قالب فنى مؤثر ، وكتابه هذا يأتي ضمن سلسلة منظومة من مؤلفاته وإبداعاته التي تتغيا جاهدة تحقيق هذه الرؤية النبيلة التي لا حل ولا خلاص للأمة ـ الآن ـ إلا بها0

الحلية الأزهرية:

والدكتور صابر عبدالدايم واحد من أبناء الأزهر الشريف ، الذين أفادوا من الأزهر أصالة، وأضافوا إليه حيوية وتجديدًا، إنه مبدع باحث مفكر، جمع بين الثقافة الواسعة، والرؤية الثاقبة في ميدان اللغة العربية وآدابها 0

شمولية الإبداع:

تجد في الدكتور صابر الصوت الغنائي المتأمل والبحث العلمي المتعمق؛ فهو شاعر النقاد وناقد الشعراء، والأديب المثقَّف، والمثقِّف الأديب. واحد من شعرائنا المعاصرين،  الذين استطاعوا أنْ يجمعوا بين عمليتي: الإبداع والنقد، دون أن تجورَ إحداهما على الأخرى. وقد جمع بيْن الحرفة / النقد، وبين الموهبة / الشعر، في توازن متعادل وإخاء متواكب. وتلك ظاهرة ثقافية نجدها عند القلة الفذة من أدبائنا القدامى والجُدادى على السواء؛ فما زالت تلك الحقيقة -التي مضى عليها حينٌ من الدهر، وهي صعوبة الجمع بين العلم والأدب- حاضرة!

ميدانية النقد:

وللدكتور صابر حضور فعال في المشهد الإعلامي والثقافي المعاصر ، فهو عضو مجلس ادارة اتحاد كتاب مصر ، ومقرر لجنة فروع الاتحاد بالمحافظات، وعضو لجنة الشعر بالاتحاد، وعضو مجلس تحرير مجلة الثقافة الجديدة بمصر، وشارك في عدد من مؤتمرات أدباء مصر في الأقاليم، وفى مهرجان الهيئة العامة للكتاب، وفى مؤتمرات الجنادرية بالسعودية، ومؤتمرات رابطة الأدب الإسلامي العالمية، إضافة إلى إسهامه العلمي والأدبي في العديد من البرامج الإذاعية والتليفزيونية ، ونشره نتاجه الإبداعي والنقدي في كثير من الجرائد والمجلات المصرية والعربية، واختياره للتحكيم في كثير الرسائل الجامعية، والمسابقات الأدبية في فنون الأدب المتنوعة(<!--)، أدام الله للأزهر هذه الإيجابية البناءة في هذا العصر المبتلى بكثير من التيارات المنحرفة غير الجادة، وأعان أستاذنا على أن يكون درعا حصينا لتيار الأصالة في مواجهة التمرد والتخريب0

سيرورة التآليف:

كما أن كتاب أستاذنا "الأدب الإسلامى بين النظرية والتطبيق" كتاب بكر، ظهرت طبعته الأولى سنة 1410هـ = 1990م، وقد نال شهرة واسعة ، وأحدث صدى رائعا في الخطاب النقدى المعاصر، ومن ثم طبع طبعة ثانية فخمة سنة 2002م في دار الشروق المصرية التى يعرف عنها الاهتمام بكل ما هو جاد أصيل فعال 0

ومن ذلك المدخل التمهيدى يتضح لنا أن عرض الكتاب والتعريف به : تحليلا وتقييما، أمر ذو بال وجدوى في المشاركة الفعالة لدراسة الأدب الإسلامى السامى، ذلك الأدب الذى يلمس جوانب الحياة لمسة الطهر والنقاء، ويطرق أبوابها طرق القوة والثبات، ويجول في شتى نواحيها جولات الحق واليقين، فيكتسب ـ بإذن الله تعالى ـ مساحات جديدة في الساحة الأدبية المعاصرة ، عن طريق جذب عشاق كلمة الحق ، ودعوة الصدق ، أصحاب الفطر السليمة، حتى يستمر هذا الأدب المثمر جيلا بعد جيلا، وعصرا بعد عصرا إلى أن تقوم الساعة0

وأكبر دليل على الحضور الأزهري في ميدان أسلمة الأدب العربي هو تلك السياحة البحثية في فكر الدكتور صابر عبدالدايم، التي نوجزها في المحاور الآتية: 

فاعلية تآليفه:

وأحسب- و لا أزكي على الله أحدًا- أن شخصيته تتسم بالإخلاص والدقة والإتقان، والعشق الفريد لإيصال الإبداع الأدبي والنقدي إلى قطاع عريض من جمهور المتذوقين، عن طريق المؤلفات الأكاديمية، والمقالات الصحفية، والمؤتمرات الثقافية، والمحاورات الإذاعية والتلفازية حول النصوص الأدبية البارزة والقضايا النقدية المثارة.

إنجازات الدكتور صابر في مشروع أسلمة الأدب:       

وأستاذي الدكتور صابر عبدالدايم من الكتَّاب الأزهريين الأكاديميين المُمَيَّزين، الداعين إلى الفكرة الإسلامية الأدبية.  أولئك المتلهفون إلى تجسيدها في حياة الناس واقعًا عمليًّا، ومنهجًا حاكمًا للناس في كل مجالات الحياة. الباحثون عن منافذ النجاة للإنسان عبر رؤية إسلامية متميزة تصاغ معالمها في قالب فني مؤثر.  و شيوع نتاجه التأليفي والإبداعي يدفع قارئه إلى معاودة النظر فيه عرضًا وتقييمًا وتقويمًا. . .

إن أستاذنا يتغيا التنقيب عن القيم الإسلامية في أدبنا العربي قديمًا وحديثًا، ومحاولة البحث عن نبض الإسلام في النص الأدبي: شعرًا كان أم نثرًا. وهذه الرغبة تعد علامة مضيئة على طريق طويل، يصلنا بمنابع مقومات الشخصية الإسلامية، ويرد إلينا ما ضاع من هذه المقومات التي قامت عليها حضارة الإسلام الراقية المؤثرة في كل الحضارات … و يأتي هذا كتابه عن الأدب الإسلامي إشارة خضراء على هذا الطريق العسير(<!--).

وهذا الهدف في نظري ـ وقد عاشرتُ المؤلفَ في شخصِه ومؤلفاتِه ـ يكاد يكون المشروع الكبير الذي  يسخر كل إمكانياته من أجل الإسهام به في سبيل التعريف بالدور الحضاري العظيم للإسلام قديمًا وحديثًا.  

كما أن مؤلفاته تتغيا تحقيق لبنات من هذا المشروع الحضاري، وله في هذا المجال مؤلفات: "الأدب الصوفي: اتجاهاته وخصائصه"، "من القيم الإسلامية في الأدب العربي"، "محمود حسن إسماعيل بين الأصالة والمعاصرة"، "الحديث النبوي: رؤية فنية جمالية"، "تاج المدائح النبوية: قصيدة البردة لكعب بن زهير، رؤية نقدية معاصرة"، " هاشم الرفاعي: الكوكب الآفل"، "ديوان الشعراوي: جمع وتحقيق ودراسة"، "شعراء وتجارب، نحو منهج تطبيقي في النقد" …(<!--).   يدلنا على ذلك نص الإهداء المثبت في صدر كتابه عن الأدب الإسلامي.  يشعرنا قائلاً:

 "إلى أصحاب الرؤى الإبداعية الدائرة في فلك التصور الإسلامي، وإلى الوطن الإسلامي الكبير، وهو على أبواب مدائن الفجر"(<!--).

 أرأيت ـ قارئي ـ مدى الحب الكبير الممتد، والإخلاص الطاهر، والتفاؤل الثابت، والإقدام الطموح، تجاه العقيدة والإنسان والمكان.  إنه كلم طيب لا يصدر إلا من نفس مؤمنة طيبة حية فاعلة. ناهيك عن التعبير البديع المصور الموحي في قوله:"فلك التصور، الوطن الإسلامي، مدائن الفجر". . .   

و يعد فكر الدكتور "صابر" عن "الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق" سبَّاقًا في التأصيل لمفهوم الأدب الإسلامي وبيان خصائصه؛ إذ له آراء نظرية وأحكام تطبيقية، جديرة بالمناقشة والتحليل.  وهى آراء وأحكام تثار في هذه الآونة من قبل العلمانيين وأذيالهم في مواجهتهم لمحاولات المخلصين للإسلام والراغبين في جعله مطبقًا في جميع مناحي الحياة الواقعية والفكرية؛ لذا فإن في التعريف بهذا الفكر وتحليل قضاياه إرشادًا للباحثين، وتوجيهًا لهم إلى تنظير نافع في قضية شائكة لها أنصارها وأعداؤها، هي قضية أسلمة الأدب.  

ومن منهجيته الفكرية تقريره أنه لم يتعصب لشكل أدبي محدد، فرؤية الشاعر المسلم تنطلق محلقة لا تحدها أسوار الشكل، وإنما يكون الالتزام في إطار المضمون الهادف، والنبض الإسلامي المؤثر في واقع الحياة، وفى مستقبل الإنسان.  كما أنه لم يحصر نفسه في إطار زمني محدد؛ لأن دراساته ليست تاريخية أدبية، ولكنها دراسات تعالج قضية ما زالت في حاجة إلى التحليل والمناقشة والتنقيب، ولبُّ هذه القضية هو النص الأدبي الناطق بأبعاد الرؤية الإسلامية.  وفى ذلك ردٌّ غير مباشر من المؤلف على من يأخذ عليه عدم تطبيق تنظيره على نصوص تراثية.

الأدب الإسلامي في آثار الدكتور صابر:

 

ولا عجب في أن يكون الدكتور صابر بهذا الأثر في ميدان أسلمة الأدب؛ فهو:* واحد من أبناء الأزهر الشريف الذين أفادوا من الأزهر أصالة، وأضافوا إليه حيويةً وتجديدًا، إنه مبدع باحث مفكر، جمع بين الثقافة الواسعة، والرؤية الثاقبة في ميدان اللغة العربية وآدابها.  مبدع يتشرف بانتمائه إلى رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ودراسته برحاب الأزهر المعمور.  وتأكيده على ذلك مرده في نظري إلى إحساسه بالمسئولية والواجب الملقى على عاتقه بوصفه شاعرًا موهوبًا يسخر فنه في الحق والخير والجمال، وهذه أهداف نبيلة للأدب الإسلامي وغيره. . .

 وكان انطلاقه الإبداعي المتطور والمتنور سببا في تهور بعض الرويبضات المتأسلمة على شخصه بإصدار فتوى خاطئة مغرضة كفرته واستتابته! لإيراده نصوصًا قرآنية في بعض أشعاره، رغم أنها جاءت في سياقات مناسبة ومقبولة، لا خارجة ولا شاذة، مما أثار معركة اقتباس الشعراء لآيات القرآن الكريم على صفحات الجرائد(<!--)، وكانت فيها رؤى متناقضة، كان أصوبها منهجيًّا رأى الدكتور صابر عبدالدايم، فقد قسم تأثر الشعراء بالقرآن إلى تأثر شمولي، وتأثر شكلي، وتأثر سلبي(<!--)!

 * و له حضور فعَّال في المشهد الإعلامي والثقافي المعاصر، فهو عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر، ومقرر لجنة فروع الاتحاد بالمحافظات، وعضو لجنة الشعر بهذا الاتحاد، وعضو مجلس تحرير مجلة الثقافة الجديدة بمصر، وشارك في عدد من مؤتمرات أدباء مصر في الأقاليم، وفى مهرجان الهيئة العامة للكتاب، وفى مؤتمرات الجنادرية بالسعودية، ومؤتمرات رابطة الأدب الإسلامي العالمية، إضافة إلى إسهامه العلمي والأدبي في العديد من البرامج الإذاعية والتليفزيونية، ونشره نتاجه الإبداعي والنقدي في كثير من الجرائد والمجلات المصرية والعربية، واختياره للتحكيم في كثير من الرسائل الجامعية، والمسابقات الأدبية في فنون الأدب المتنوعة، على النحو الذي يعرفه كل معاصري المؤلف ودارسي إبداعه وناقديه.  أدام الله للأزهر هذه الإيجابية البناءة في هذا العصر المُبتَلى بكثير من التيارات المنحرفة غير الجادة، وأعانه على أن يكون درعًا حصينًا لتيار الأصالة في مواجهة التمرد والتخريب.  

* و له آثار علمية متنوعة المضمون والاتجاهات يجمعها خيط فكري واحد هو البحث عن نبض الإسلام في الآثار الأدبية شعرًا كان أم نثرًا، قديمة أم حديثة أم معاصرة.  ويبرز معالم التأصيل في الأدب الإسلامي، ويوضح مناهج التطبيق على النصوص الأدبية المتنوعة.  هي:

- إبداعات شعرية:

له سبعة دواوين شعرية، هي:"المسافر في سنبلات الزمن" سنة 1982م، و"الحلم والسفر والتحول" سنة 1983م، و"المرايا وزهرة النار" سنة 1988م، و"العاشق والنهر" سنة 1994م، و"مدائن الفجر" نشر رابطة الأدب الإسلامي سنة 1994م، و"العمر والريح" سنة 8. . 2م.  وله  مسرحية مخطوطة بعنوان النبوءة"، إضافة إلى قصيدة مطولة مطبوعة بعنوان "القبو الزجاجي" سنة 3. .2م، وقد طبعت أعماله الشعرية الكاملة هذا العام(1440هـ=2019م).    

- مؤلفات أكاديمية متخصصة:

وتتمثل في: "مقالات وبحوث في الأدب المعاصر" سنة 1982م، و"محمود حسن إسماعيل بين الأصالة والمعاصرة" سنة 1984م، و"التجربة الإبداعية في ضوء النقد الحديث" سنة 1989م، و"الأدب المقارن" سنة 199. م، و"موسيقى الشعر العربي بين الثبات والتطور" سنة 1992م، و"أدب المهجر" سنة 1993م، و"شعراء وتجارب:نحو منهج تكاملي في النقد التطبيقي" سنة 1999م، و"الأدب العربي المعاصر بين التقليد والتجديد" سنة 2002م، و"فن المقالة" سنة 2010م، و"مناهج البحث بين القدامى والمحدثين" سنة 2008م.  

- مؤلفات إسلامية التوجه:

وتتمثل في:الأدب الصوفي:اتجاهاته وخصائصه سنة 1984م، و"من القيم الإسلامية في الأدب العربي" سنة 1988م، و"تاج المدائح النبوية: رؤية نقدية معاصرة" سنة 1994م، و"الحديث النبوي رؤية فنية جمالية" سنة 1999م، و"جماليات النص الأدبي في ضوء القيم الإسلامية" سنة2. . 7م، و"ديوان الإمام محمد متولي الشعراوي" سنة 2. . 9م. . . .  

*إضافة إلى كتابه "الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق" الذي خصصته ببحث أكاديمي محكم، دللت فيه ‘لى أنه كتاب ذو فعالية في ميدان أسلمة الأدب، وقد نال شهرة واسعة، وأحدث صدًى بارزًا في الخطاب النقدي المعاصر(<!--).  وكل يوم يزداد ألقًا توهجًا وحضورًا بالأدب الإسلامي في منابر الثقافة في مصر، رغم ما فيها من كارهي التوجه الإسلامي من "نخانيخ ثقافية" تابعة لحظيرة النظام البائد الفاسد!

ففي القسم الأول من هذا الكتاب  نجد دراسات تنظيرية تطمح إلى تأصيل معالم الأدب الإسلامي، اتكاء على القيم الإسلامية وموقف الإسلام من الكون والإنسان والحياة، داعيًا إلى أهمية جمع المبدع بين جودة الشكل وعمق المضمون.  وقد تضمن خمس دراسات تنظيرية، على النحو التالي:

 

 

 

 

عظيمنا صابر عبدالدايم قيمة إسلامية أزهرية عربية مصرية في حياتنا. أسأل الله له القبول والتمكين والسداد والحضور الدائم المبهر في كل مجالات الحياة المصرية بإنسانيته وسماويته، وأن يُحفَظ من المتكلسين المتهرئين!

 

ثم قلت مسجلاً هذا الانطباع الأولي عن أستاذنا، هذه المدحــة الشاكــرة، في مناسبة عودته المباركة إلى أرض الوطن الغالي والكلية الفتية، وبعث الحركة الشعرية بجهوده المخلصة في ذلك الميدان ثقافيًّا ودعويًّا.
    حمدًا لربِ العَالمِيـنَ الناصـــــــرِ

حَامِي النُهى ما مثْلُه مِنْ قَــــادِرِ

أحــيــا القــلوب مع العقول تَفَضـــــــلاً

بـرجـوعِ مِقْدَامٍ لنــشءٍ ذَاخِـــــــرِ
فيهِ الصَفَا فيهِ النَقَا دَرع لَنَــــــا

مـحـبـوبُ كلِّ مثابِـرٍ ومُجاهِـــــرِ
    هُوَ "صَابِرٌ" ومُجاهِدٌ من "يُونِسٍ"

ذي النون مرقى كُلِ شِعْرٍ آسـرِ
           هُــــوَ شــــعـــلـــةٌ وضـــاءةٌ وســــــــط الألــى

صـانـوا مـــشــاعــر كُـلِ قــلـبٍ طـاهِـــرِ

سيحوطنا بعنايـــــةٍ ورعَايــــــةٍ

هو مُرتَقَانَا في المَكَانِ الزاهِــــرِ
  الشعرُ عـــــادَ بعودهِ مُتكامِـــــلاً

فكأن "بَارودي" صحا كالثائِــــرِ

عيشوا مَعَ النبراسِ أطْوَلَ وقتكم

هو مُرشِــدٌ ومُنَــورٌ للحَائِــــــــرِ
ولتسمعوا مِنهُ مَحَاسِنَ شِعـــــرِهِ

ذوقوا بــقــلبكمُ الهَوَى مِنْ شَاعِـــرِ
هذى الوفودُ من المشاعر قد أتَتْ

يحدو بها أنغامُ شوقٍ غامِـــــــرِ
لترى مُكَافِح كلمةٍ يَشْدو بهَـــــا

فكأنَـــهُ ينبوعُ فـَــــــنٍ آسِـــــرِ
أستاذنَا مقدامَنَــــــا لك حُبنَــــا

شكرًا وشكرًا كل وقتٍ حاضرِ
<!--

<!--[if !supportFootnotes]-->

 


<!--[endif]-->

(<!--) أبعاد التجربة الشعرية فى شعر الدكتور صابر عبدالدايم صـ5، د/صادق حبيب، طبع دار الأرقم بالزقازيق سنة 1992م0

(<!--) راجع ترجمة الدكتور صابر فى معجم البابطين للشعراء العربى المعاصرين 2/ 640 ـ 641 ، طبع سنة 1995م، والترجمة التى ذيل بها المؤلف كتابه محل الدراسة، وقصيدته "القبو الزجاجى صـ89 ـ 102 ، سلسلة أصوات معاصرة ، العدد 110 ، أكتوبر سنة 2003م0

(<!--) الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق صـ7.

(<!--) راجع في ترجمته: معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين 2/ 640 ـ 641، طبع مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري ط سنة 1995م، و"أبعاد التجربة الشعرية في شعر د/ صابر عبدالدايم" للدكتور صادق حبيب، نشر دار الأرقم بالزقازيق سنة 1992م، والترجمة التي ذيل بها المؤلف كتابه محل الدراسة، وقصيدته "القبو الزجاجي صـ89 ـ 102، سلسلة أصوات معاصرة، العدد 110، أكتوبر سنة 2003م، وكذا معظم مؤلفاته، وموقع مدونته http://saber48.maktoobblog.com.

(<!--) الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق صـ5، طبع دار الشروق 2002م0

(<!--) راجع في ذلك جريدة آفاق عربية عدد 542، بتاريخ 24 من يناير سنة 2002م، والأسبوع عدد 257 بتاريخ 28/ يناير سنة 2002م، وعقيدتي عدد 486، بتاريخ 12 مارس سنة 2002م، وعدد 487، بتاريخ 19 مارس سنة 2002م، وراجع في القضية أيضًا: تقاريظ ديوان "مع القرآن الكريم" للدكتور محمود على السمان، وهى ملحقة بالطبعة الثانية للديوان سنة 1999م0فالدكتور محمود السمان أستاذ أزهري اقتبس كثيرًا من آي القرآن في شعره، سواء في ديوانه هذا أو في كتابه"العروض القديم"، طبع دار المعارف بالقاهرة.

(<!--) راجع: الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق صـ68 ـ 95 وراجع مقال الدكتور / متولي البساطي "الدراسات الأدبية ومشكلة الاقتراب من النص القرآني والنص النبوي" المنشور في مجلة كلية اللغة العربية بالمنصورة عدد 12 صـ 3 ـ 9، طبع سنة 1413هـ = 1993م0

(19) ظهرت طبعته الأولى سنة 1410هـ = 1990م.، وطبع طبعة ثانية فخمة سنة 2002م، في دار الشروق المصرية، تلك الدار التي يعرف عنها الاهتمام بكل ما هو جاد أصيل. وسنرصد في المبحث الأخير هذا الصدى الواسع للكتاب... راجع تعريف المؤلف بكتابه هذا في صحيفة "مرآة الجامعة"، بعنوان: مشاهد من سيرة كتاب، "الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق"، وهي  صحيفة صادرة عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سنة 2006م، بتاريخ السبت:10/ 1/1429هـ. وبحثي  عن الكتاب بعنوان:"الأدب الإسلامي في رحاب الأزهر الشريف:كتاب الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق أنموذجا" محكم ومنشور في العدد الحادي والثلاثين بمجلة كلية اللغة العربية بالزقازيق سنة1431هـ=2011م. 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 148 مشاهدة
نشرت فى 3 مارس 2019 بواسطة sabryfatma

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

297,177