ibrahiiiiim alzubi

utgf

 

الفصل الثالث

 

(الآثار التربوية للتشويق في التربية الإسلامية )

 

المبحث الأول :-الآثار العقديـة

المبحث الثاني :-الآثار العقليـة

المبحث الثالث:-الآثار النفسيـة

المبحث الرابع:-الآثار الأخلاقية

المبحث الخامس:-الآثار الاجتماعية

 الفصل الثالث

(الآثار التربوية للتشويق  في التربية الإسلامية)

 

في الفصل الأول من هذا البحث تم التعرف على مفهوم التشويق ، وأهميته و شروطه ، وأهدافه، و مصادره، ثم تم التعرف على أساليبه في الفصل الثاني ، أما في هذا الفصل ، فأبين الآثار التربوية للتشويق .

       و لا حاجة بنا إلى القول : أنه لم ينص في القرآن الكريم ، و السنة النبوية على الآثار التربوية للتشويق ، و ذلك ليذهب السامع أو القارئ فيها كل مذهب ، و لأنها تختلف في نفوس الطلاب ، على حسب اهتماماتهم و ثقافاتهم ، و بيئاتهم، و ازمانهم، و مستوياتهم، وأحوالهم النفسية و التربوية .

و قبل البدء بذكر الآثار التربوية ارتأيت أن اقدم مفهوماً للآثار التربوية ، لأن كثيراً ممن كتب في الآثار لم يفرقوا بينها و بين الأهداف ، فهل هنالك فرق بينهما؟.

       الأهداف هي المثل الفكرية، و الوجدانية ، و السلوكية ، التي يحرص المربي على تحقيقها من خلال تشويقه للموضوع المطروح.

       أما الآثار فهي الصورة العملية للأهداف المرسومة ، أو التفاعل العلمي للأهداف و مستوى تحقيقها في الواقع.(<!--)

             و من خلال ما تقدم يظهر لنا أن الأهداف تتصل بالناحية النظرية و الفكرية، أما الآثار فهي تتصل بالناحية العملية التطبيقية الواقعية، حيث أن الأهداف هي من قبيل ما ينبغي أن يتحقق و تكون الآثار هي الواقع الكائن.

       إذن الآثار هي العملية التي تتحقق في ارض الواقع لبناء شخصية المتعلم لبناء الإسلامي الصحيح، و الشخصية، التي تميز الشخص عن غيره تميزاً واضحاً.(<!--)

و تتحدد معالم الشخصية المسلمة في الآتي:(<!--)

اولاً:- الانفعالية- حيث الإيمان و القيم، و الحب و الكره،و التأييد و المعارضة.

ثانياً:- التعبدية- حيث إقامة الفرائض و الشعائر.

ثالثاً:- المعرفية-حيث الإدراك للعالم و الكون و الذات ، و القيام بالمهام.

 

رابعاً:- الاجتماعية- حيث التعامل مع الغير.

وحيث أن الأساليب التشويقية تعين المعلم على بناء شخصية المتعلم، لذا يتم فيما يلي إيضاح الآثار التربوية للتشويق :-

  المبحث الأول: ( الآثار العقدية).

          للتشويق أثر كبير في بناء عقيدة المتعلم المتكاملة، و قبل البدء بذكر الآثار التربوية لا بد من الإشارة إلى مفهوم العقيدة، و أهميتها  في بناء الشخصية المسلمة ، و بعض طرق التشويق في ترسيخها في العقل و الوجدان .

 

المطلب الأول :- ( مفهوم العقيدة)

أولاً :- (لغةً):

          هي مصدر من عقد يعقد عقداً ، و اعتقاداً ، و له معانٍ كثيرة في اللغة، قال ابن منظور : عقد قلبه على الشيء : أي لزمه." (<!--)

ثانياً:- ( شرعاً):

       هي "مجموعة الأمور الدينية التي يجب على المسلم أن يصدق بها قلبه،و تطمئن إليها نفسه، و تكون يقيناً عنده،لا يمازجه  شك، ولا يخالطه ريب"(<!--)

            و العقيدة في الإسلام تقابل الشريعة، لأن الإسلام عقيدة و شريعة، و الشريعة تعني التكاليف التي جاء بها الإسلام في العبادات و المعاملات ، و العقيدة تعني الإيمان.

 المطلب الثاني: ( أهمية العقيدة في بناء الشخصية)

       قضية الاعتقاد أهم قضية عرفها الإنسان ، و هي الركيزة الأولى في بناء و تربية الشخصية المسلمة، حيث أنها العامل الأول في تحديد منطلقات السلوك  الإنساني و تقدير غاياته، و كذلك فلها الأهمية  العظمى في ضبط مظاهر السلوك للفرد المسلم في المواقف الحياتية المختلفة.(<!--)

       و أن مجال البناء العقدي في الشخصية المسلمة هو تأكيد علاقة الفرد المسلم بالخالق ، و التعريف بمسؤولياته في العمل بأمر الله، و السعي لتحكيم منهج الله في حياته، و التأكيد على عناصر الضبط العقيدي في توجيه السلوك و تقدير غاياته.(<!--)

            و إذا تم بناء الإيمان عند المتعلم على أساس قوي ، كان هذا محركاً قوياً يحرك قلب المتعلم إلى الالتزام، و يتكون لديه رادع قوي عن الشهوات و الشبهات ، و يتربى على طاعة الله و رسوله –عليه السلام.

 

المطلب الثالث:-( بعض الأساليب التشويقية لبناء العقيدة)

       يتم بناء شخصية المتعلم اعتقادياً وفق أساليب التشويق التي تم ذكرها بالتفصيل في الفصل الثاني ، و في هذا المطلب يتم عرض بعض الأساليب العامة للتربيـة الاعتقادية و منها(<!--)

أولاً:- ( الابتعاد عن أسلوب التلقين الجامد)

اتبع الناس اليوم تلقين أبنائهم العقيدة بشكل صوري جامد بليد – إلا القليل -، بلا روحانية، وبيان ما فيها من آداب ومعان تهدف إلى تربية السلوك، حيث أن عدم الإيمان سبب في الكثير من الأمراض النفسية والعصبية. قال تعالى :( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) (<!--) وقال ابن كثير :"ضنكا في الدنيا فلا طمأنينة والانشراح لصدره، بل صدره ضيف حرج لضلاله… فهو في قلق وحيره وسآمه وشك". (<!--)

 

ثانياً:- (التركيز على بعض أبعاد العقيدة المؤثرة في سلوك المتعلم).

       التركيز على جوانب السلوك العملي، من أجل بناء الجانب العقدي لدى المتعلمين، بحاجة إلى الإكثار من الأمثلة على ذلك مثل: بيان الصفات التي تصور مراقبة الله لأفعال العباد، وأنه يراهم و يرعاهم، وأنه هو الخالق الرازق المدبر لهذا الكون، وأن هنالك حياة أخرى، وأنها هي الحياة الحقة، فيها الجزاء.

 

ثالثاً:- (الترغيب في الاعتقاد قبل ذكر أدلته)

       الرغبة في الإعتقاد السليم مهم، لأن من لا يرغب في الاعتقاد لا يعتقد ولو ذكرت له جميع الأدلة النقلية والعقلية، ويتم تكوين الرغبة، والاعتقاد عن طريق التقليد والمحاكاة، والعقل والتفكير، ومن خلال ذكر وتعداد النعم المحسوسة، وإثارة العقول والوجدان معاً ومن خلال توضيح أن الاعتقاد مصلحة للبشر، لأن فيه راحتهم نفسياً واجتماعياً، قال تعالى: (فمن يؤمن فلا يخاف بخساً ولا رهقاً) (<!--)

رابعاً:- (تكوين عاطفة قوية دافعة إلى السلوك الإيماني السوي) لا بد من تكوين عاطفة الحب للخير، وكراهية الباطل وذلك ببيان حاجة المتعلم الدائمة إلى الله وتخويفه منه، وذكر الجنة والنار، وبيان مضار المعاصي وعواقبها الواضحة في الدنيا والآخرة.

 

المطلب الرابع:- (الآثار التربوية للجانب الاعتقادي).

          إن المتعلم إذا آمن بالله ورسوله، وبقية الرسل، والكتب السماوية، والملائكة واليوم الآخر، والقضاء خيره وشره، تكونت لديه شخصية قوية متشوقة، يقطف ثمارها في الدنيا والآخرة، والفضل في بناء هذه الشخصية لله أولاً ثم لمعلمه الذي جعله يتفاعل معها، ومن هذه الآثار ما يلي:-

أولاً:- (أداء عبادة الله عز وجل)

       حيث إن المتعلم إذا آمن بالله حقاً، وآمن برسوله –عليه السلام- سلك الطريق القويم، واستشعر وجود الكرام الكابتن، وأدرك أن هناك يوماً يجزى فيه الإنسان بما عمل، ومن ثم فإنه يتشوق لعبادة الله –عز وجل – حق عبادته.

 

ثانياً:- (الإبتعاد عن الشرك)

       لا شك أن المتعلم يستطيع بإيمانه الصحيح التخلص من أوحال الشرك سواء القولي منه، والعملي، وذلك عندما يعلم بأن الله أغنى الشركاء عن الشرك، وأن المشرك ليس له نصيب في الآخرة إلا الخسران.

 

ثالثاً:- (تحرير العقل من الخرافات والأباطيل)

       إذا آمن المتعلم إيماناً كاملاً وصادقاً فإنه لا يعتمد على الدجالين والمشعوذين، ولا يذهب إلى الكهان والمنجمين  والعرافين، ولا يصدق أقوالهم، بل يعتمد على الله، ويتوكل عليه ويدعوه ويرجوه.

 

 

رابعاً: - (التمثيل بالأخلاق الحسنة)

       الأخلاق الحسنة هي منبثقة من الإيمان، كالكرام، والشجاعة، والصبر، فإذا آمن الإنسان بالله تعالى، وبقضائه وقدرة، فإنه يؤمن بأن الغني والفقر بيد الله، فينفق ولا يخاف النفاذ وإذا آمن بأن أجله مكتوب، فإنه يجاهد في سبيل الله غير هيّاب ولا مبال بما يناله من الأذى والمصائب، وهذا هو سر نصر المؤمنين في المعارك الإسلامية.

 

خامساً:- (الجد والحزم في الأمور كلها)

       فإذا آمن المتعلم بالله، فإنه سيشعر عناية الله ومعونته ومراقبته، وإذا آمن بالملائكة الكاتبين كان هذا دافعاً على تصحيح العمل والإخلاص فيه والجد والحزم في الأمور، وإذا آمن بالقضاء والقدر، وباليوم الآخر، جد واجتهد، ومن ثم تكتمل شخصيته ويقوي بناؤها.

 

سادساً:- (عدم اليأس من انتصار الحق)

       إذا صدق إيمان المرء، استيقن بأن العاقبة للمتقين، وأن الحق سينتصر ولو بعد حين، وهذا من سنن الله -عز وجل- في الكون.

 

سابعاً:- (علو الهمة وعزة النفس، والتحرر من رق المخلوقين)

       وهذه آثار سامية يقطفها من آمن بالله إيماناً كاملاً، فتجد عنده همة عالية لا تزعزعها الجبال، ونفس كبيرة متشوقة لديها العزة والترفع، متحررة من رق المخلوقين، لا تخضع لهم ولا تلين، واستسلامها وخضوعها وتذللها لله رب العالمين، بل وتسعى لإنقاذ البشرية وتحريها من الخضوع لغير الله شعارها قول ربعي بن عامر:- عند كسرى خرجنا لنخرج العباد من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد(<!--)

 

ثامناً:- (الهداية)

       وهي ثمرة يجنيها من آمن بالله تعالى، قال تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) (<!--)

 

تاسعاً:- (القضاء على كثير من الأمراض الاجتماعية)

       إذا آمن المتعلم بها؛ فإنه لا يؤذي جاره، ولا يبخل على ضيفه، ولا يقول إلا خيراً، ويبتعد عن الأنانية، والهجران والقطيعة، والحسد والعين، والمعاصي والآثام، ويترفع من الحقد والغل، ولا يفتح باب الشر.

 
عاشراً: (الخشية من ارتكاب الفواحش، والمسارعة في الخيرات

       قال تعالى : (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون، والذين هم بآيات ربهم يؤمنون، والذين بربهم لا يشركون، والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجله أنهم إلى ربهم راجعون، أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) (<!--)

           

وخلاصة القول : إنه يجب بناء شخصية المتعلم بناء إيمانياً، يدفُعهُ إلى عمل الخير    والابتعاد عن الشر، ومن هنا يسعد في الدنيا والآخرة. وما ذكرته آنفاً يعتبر غيضاً من فيض ما يتركه التشويق من آثار على حياة المتعلم وفاعليته في الحياة، ونهايته التي يستقر فيها.

 

المبحث الثاني: (الآثار العقلية)

       إذا كان البناء العقدي –كما مر معنا- هو الركيزة الأساسية في البناء للشخصية المسلمة، فإن البناء العقلي – العلمي – هو مجال الحركة الإيمانية للترجمة عن العقيدة في واقع عملي ملموس، وممارسة سلوكية في ضوء الظروف المحيطة بالواقع الحياتي الذي يتعايش فيه الإنسان.

       وللبناء العقلي ركيزة في الفطرة الإنسانية أودعها الله في مكنونها وهي "الدافع إلى الاستطلاع والمعرفة" في ملكة العقل، وللبناء العلمي دور فعّال في تحقيق عبودية الذات المسلمة لله تعالى، والوفاء بمهام الاستخلاف.(<!--)

       والطاقة العقلية من أكبر الطاقات، ونعمه من أكبر النعم، وهي إحدى جوانب الشخصية المهمة، التي تحتاج إلى بناء تربوي سليم، والتربية الإسلامية التي تستخدم أساليب التشويق، لها آثار تربوية في هذا المجال يتم بيانها في المطالب التالية:-

 

المطلب الأول:- (مفهوم العقل لغة واصطلاحاً)

أولاً: (لغة):

       العقل في اللغة هو إدراك الأشياء على حقيقتها، وعَقْلاً لجأ وتحصَّن(<!--)

ثانياً:- (اصطلاحاً):

       هو جوهر مجرد عن المادة في ذاته مقارن لها في فعله، وهي النفس الناطقة التي يشير إليها كل أحد بقوله :"أنا" أو هو جوهر روحاني خلقه الله-تعالى- متعلقاً ببدن الإنسان، وهو ما يُعقل به حقائق الأشياء ومحلة الرأس والقلب(<!--).

 

المطلب الثاني:- (أهمية البناء العقلي لدى المتعلم)

       العقل من النعم العظيمة التي أكرم الله به بني آدم، وفضلهم به على غيرهم، قال تعالى: (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) (<!--)

       حيث يمتن الله بهذه القوى الثلاث (السمع، والبصر والقلب) التي هي أكمل القوى الجسمانية، وبواسطتها يتم الإدراك، وبتحقيق التأمل والتفكير، وإلا عاش الإنسان عيشة بهيمة، ولذا فإن الإسلام يخدم الطاقات العقلية ويشجعها.

       والوحي والعقل والحواس هي أدوات المعرفة التي تضبط سلوك المسلم. (<!--)

            والإسلام يدعو إلى التفكير، ويوجه إلى الاهتمام به، بل أن التفكير يعتبر فريضة إسلامية، قال تعالى :(أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو أذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار. ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (<!--). ويقول أيضاً (قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون) (<!--)

            والبناء العقلي موقوف على ذات الإنسان، وتتجلى حركة العقل المسلم في بعدين متكاملين:

الأول:- إيمان يؤدي إلى إثراء القيم الإيمانية في الذات المسلمة.

الثاني:- سلوكي يتعلق بالبحث عن الجوانب التطبيقية والعملية.

وبناء على ما تقدم فإن للبناء العقلي لدى المتعلم أهمية قصوى يجب العناية بها باستخدام جميع أساليب التشويق سالفة الذكر.

 

المطلب الثالث:- (أساليب البناء العقلي لدى المتعلم).

       يتم البناء العقلي والفكري لدى المتعلم باستخدام المعلم بأساليب التشويق والتوضيح وفقاً لطرق كثيرة ومنها ما يلي: (<!--)

أولاً: تعريف المتعلم بمكانة العلم والعلماء والمتعلمين.

ثانياً: تعليم المتعلم المنهج العلمي في التفكير، وتعليمه ضوابطه الصحيحة، وبيان أن عنايته مرتبطة بالإيمان، وتحقيق العبودية لله، وبيان المنهجية المتعلقة به، وبيان مجاله في معرفة التصور الصحيح للخالق، والكون، والحياة.

ثالثاً: حث المتعلم على المشاورة، ونهيه عن الاستبداد بالرأي.

رابعاً: تعليمه الجرأة في قول الحق، وفي فعل الحق، لا تأخذه في ذلك لومة لائم.

خامساً: تدريب المتعلم على استخدام الدليل البرهان، وعدم اتباع الظن.

سادساً: غرس صفة الإحساس بنعمة التدبر في آلاء الله.

سابعاً : تنمية قدرة التخيل عنده، بتعليمه القصص، ونحوها.

ثامناً  : تدريب المتعلم على القراءة الناقدة والنظرة المتفحصة في الكتب والكون.

تاسعاً : تربية الفرد على الانفتاح الفكري، بحيث يعي ثقافات العصور المختلفة، دون تزمت، أو تعصب، أو تقوقع؛ ليستفيد من خبرات الماضي، ويعرف مشكلات الحاضر، ويستشرف للمستقبل.

       وأهم ما في هذا الأمر التفكير فيما يطلب منه الإسلام التفكير فيه، وأن يؤمن بالله أيماناً صحيحاً، ويؤمن بالغيب، وأن ينظر في الكون، والحياة، ومنشأ الإنسان، ومصيره من منظور إسلامي سليم، يستمد قواعده من مناهج التشريع الإسلامي، مما ورد في القرآن الكريم وثبت في السنة النبوية المطهرة.

 

المطلب الرابع: (الآثار التربوية للبناء العقلي لدى المتعلم).

       إن للتشويق آثارٌ متعددة في بناء شخصية المتعلم وفاعليته من الناحية العقلية الفكرية ومن هذه الآثار الآتي:-

أولاً: (تحرير العقل من الشرك ونحوه)

       إذ أن الشرك حجْر على العقول، وشلل للتفكير، وفساد للقطرة، فهو في حقيقته عبادة لمجموعة من السحرة والكهان، تحرص على أن يظل أتباعها أسرى الجهل والخرافات والألغاز، فلا تسمح للعقيدة الصحيحة أن تخرج إلى النور، ولا للعبادة أن تكون موضع تفكير، فالجهالة عندها أساس الإيمان، والكهنة وحدهم الذين يحتكرون المعرفة، ويقومون بالوساطة بين الناس وما يعبدون، ويعتبرون أنفسهم أوصياء على العقول.

       ولكن الإسلام القائم على مبدأ التفكير والأيمان المستخدم فيه أساليب التشويق يسعى إلى تحرير العقول من جميع الشوائب، ويربط صلة الناس بخالقهم دون وساطة، قال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب).(<!--)

 

 

ثانياً: (نبذ الهوى والتقليد الأعمى)

       حيث أن القرآن الكريم قد نعى الغافلين الذين يعطلون عقولهم، ويغلقون على أنفسهم منافذ المعرفة، والنور، وهبطوا بأنفسهم دون مستوى الأنعام،

قال تعالى :( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان وآباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون، ومثل الذين كفروا كمثل الذين ينفق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون)(<!--)

       وقال تعالى :( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) (<!--)

 

ثالثاً: (دوام النظر والتفكير)

       حيث أن العقل يطوف دائماً على بدائع خلق الله وصفة، الذي جعل الكون محراباً للتفكير والتدبر والاعتبار، قال تعالى:(وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون، وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)(<!--)

            وفي هذه الآيات الأدلة الواضحة القاطعة من آيات الله الكونية الشاهدة على وحدانية الله وقدرته العظيمة، ومنها دعوة إلى النظر والتفكير واستخدام العقل مما ينتج عنه قوة في الأيمان بالله –عز وجل- والشوق إلى لقائه.

 

رابعاً: (ربط التفكير بالحس والنظر والتجربة).

      ومن ذلك معرفة التاريخ، وفهم نواميس الكون، وكشف قوانينه، وتسخيرها لصالح الحياة، والأحياء، حيث يكشف لهم أن أساس هلاك الأمم السابقة، وفناء الحضارات سببه البعد عن المنهج الرباني، قال تعالى: (أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشدَّ منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)(<!--) فإذا أدرك هذا، وتشوق إليه، واقتنع به، اتبع المنهج الرباني، وأبتعد عن سبيل الهالكين.

 

خامساً: (معرفة أهلية الاجتهاد)

       إذا تم بناء المتعلم فكرياً على ضوء أساليب التشويق عرف أن القرآن جاء في التشريع بالأصول والإطار العام، وترك التطبيق للأمة على أساس أصوله، وفي حيز إطاره، فكان لهذا المنهج الأثر الكبير في الدعوة إلى التفكير والاجتهاد بالرأي، وأعطى للأمة حق التفكير في المستقبل، وينتج عن هذا بناء فكري لدى مجموعة من العلماء اكتملت فيهم شروط الاجتهاد، وخدموا الدين، وأصبح الاجتهاد والرأي فيما بعد مصدران من مصادر التشريع التي تدل على مرونة الإسلام وصلاحية في كل زمان ومكان، وأنه بإمكان الإنسان أن يتعلم حتى يصل إلى درجة الاجتهاد.(<!--)

سادساً: (القدرة على الابتكار والاختراع والاكتشاف).

سابعاً: (تنمية الذات وتقوية الشخصية)، حيث أن المتعلم الذي تم بناؤه، وقويت أرادته، الواثق في نفسه، تقوى شخصيته، وتصير له شخصية إسلامية متميزة مستقلة.

ثامناً: تحقيق الكرامة الإنسانية، حيث ترقى روحه، ويستخدم عقله الذي كرمه الله به، وينظر للناس نظرة إنسانية محترمة.

تاسعاً: الاحترام والفاعلية في المجتمع؛ حيث أن المتعلم الذي يتم بناؤه فكرياً يحترمه المجتمع، لأنه يتفاعل معهم بفهم وقناعة، ويكون عنصراً منتجاً، فاعلاً، موضعاً للاحترام والتقدير.

عاشراً: (القدرة على الإنتاج الفكري والعملي الذي يفيد الأمة الإسلامية).

حادي عشر: (زيادة القدرة التحصيلية لدى الطلاب ومن ثم النجاح في الحياة).

 

هذه بعض الآثار التربوية في مجال البناء العقلي، نتاجاً للتربية الصحيحة المبنية على التشويق، وخلاصتها: إن صاحبها يسعد في الدنيا والآخرة، وينعم بعقله الذي منحه الله إياه، الواجب عليه تسخيره في معرفة الله –عز وجل- والاستمرار في طاعته.


المبحث الثالث:  الآثار النفسية للتشويق في التربية الإسلامية

       إن بناء شخصية المتعلم من الناحية النفسية، وكيف يرتاح نفسياً ويتعامل مع غيره؟ يعتبر أحد جوانب الشخصية المتكاملة التي تسعى التربية الإسلامية لها.

       ويتم بيان الآثار التربوية للتشويق في مجال بناء شخصية المتعلم، نفسياً من خلال: بيان مفهوم النفس، وأهمية التربية النفسية، ومن خلال طرق التربية النفسية والآثار التربوية لها.

 

المطلب الأول: مفهوم التربية النفسية:

أولاً: (لغة) النفس هي الروح أو الدم أو الجسد<!--

ثانياً: (اصطلاحاً) هي تربية المشاعر والأحاسيس والعواطف والانفعالات والإرادة الحرة القوية، وأثر ذلك في شخصية المسلم<!--.

       أو هي التربية الموجهة من الله ورسوله -عليه السلام- إلى وجدان الإنسان المسلم بقصد الوصول إلى الأهداف المرتبطة بالرسالة الخاتمة، ودور المسلمين أفراداً وجماعات في حمل منهج الله إلى خلفه<!--.

 

المطلب الثاني:     أهمية التربية النفسية

       لما كانت النفس هي محور العملية التربوية فإن الحديث عن قضايا التربية لا بد أن يسبقه حديث عن النفس البشرية، فهي من خلق الله تعالى، الذي يعلم أسرارها وخفاياها، وقد أنزل الله عز وجل ما يصلح شأنها إذا اتبعت منهج ربها، وإذا ضلت عن الصراط المستقيم واتبعت السبل فإنها ستعيش حياة قاسية صعبة ضنكاً.

       وتعتبر علاقة المتعلم بنفسه هي المقدمة الأولى لضمان الفعالية في المستويات الأخرى للتفاعل في الحياة، وذلك لأن الذات المسلمة هي هدف البناء، وهي مستودع العقيدة والقيم والفكر، وهي المكلفة لتحقيق أفعالها وتدبير غاية سلوكها وهي المسؤولة عن الوفاء بالتزاماتها في إطار المبادئ والقيم العقدية الإسلامية<!--.

       وإذا كان الأساس العقدي يرسم الأهداف المرجوة لتكوين الإنسان الصالح في كل شيء، فإن الأساس النفسي يرسم الواقع الذي تنطلق منه في تحقيق الأهداف والوسائل المؤدية إلى ذلك.

       ولا غنى للمربي عن معرفة نفسيات المتعلمين، لأنه يتعامل مع أفراد تجمعهم خصائص مشتركة، وينفرد كل منهم بخصائص فردية مستقلة، وهذا يؤدي إلى القدرة على تفسير سلوك الطلاب، ومعرفة أسباب تصرفاتهم ولو بدت شديدة في نظره، فلا يعجب لها ويقابلها بالإهانة، بل يبذل الجهد لتوجهها وتعديلها.

       ومن خلال معرفة نفسيات المتعلمين يمكن للمدرس أن يتبع أنجح الأساليب التي ينبغي أن تسلك في العملية التربوية من حيث المناهج والكتب والوسائل التعليمية وطرق التدريس، والتي تتضمن عنصر التشويق في ثناياها. وقد اهتمت التربية الإسلامية بتربية النفس من أجل إيجاد حالة من التوازن بين الدوافع في ذات الإنسان وبين البيئة الاجتماعية المرتبطة بها.

 

المطلب الثالث:     طرق التربية النفسية في التربية الإسلامية

       يربي الإسلام أتباعه على التعاطف والمحبة والتقدير فيشعر المسلم بشعور أخيه فرحاً أو ترحاً، ويعاونه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ويعمل على تفريج كرباته وإزاحة همه، فيؤدي ذلك إلى التراحم والتناصر على الخير، ويرتبط المسلم بنفسه وبالآخرين، وتنطوي صلته بالمجتمع الذي يفرح لفرحه ويحزن لحزنه، وقد سلكت التربية الإسلامية طرقاً لتربية النفس البشرية السوية ومنها:

أولاً: تصوير روح المحبة والود والإيثار والتعاطف التي سادت في المجتمع الإسلامي الاول والثناء عليها، والدعوة إلى التخلف فيها.

ثانياً: النهي عن الرذائل والممارسات التي تقضي على تماسك الجماعة المسلمة أمثال الغيبة والسخرية واللمز والهمز..الخ

ثالثاً: تربية العواطف والانفعالات أمثال عاطفي الحب والكره، والخوف والغضب باعتدال وتوازن.

رابعاً: الحرص على تمثل الأخلاق العليا التي أنزلها الله عز وجل من أجل بناء مشاعر إنسانية متحابة<!--

خامساً: الحرص على تنقية وجدان المسلم من الأوهام ومثبطات العزائم، حيث أن المسلم الحق لا يعرف التشاؤم، ولا يثنيه على طريقة الأوهام لأنه مرتبط بالله، ولا يسلم نفسه لهواجس النفس الأمارة بالسوء.

سادساً: تثبيت نفسية المسلم بمجموعة من التحصينات والأدعية عندما يحاصره الشيطان أو يخادعه شك، قال تعالى: (وإما ينزعنك من الشيطان نزع فاستعذ بالله إنه سميع عليم)<!--.

سابعاً: تربية المسلم على الاعتدال في عواطفه، فلا يتطرق في أية عاطفة مهما كانت حتى لا يطغيه ذلك ويدفعه إلى هضم حقوق الآخرين قال تعالى: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بماءاتكم والله لا يحب كل مختال فخور)<!--.

ثامناً: الرفقة مع الحزن في تعديل مسلك الشخص المسلم، فلا يأس من الرحمة، ولا تصغير فعل الحرام، وهذا يؤدي إلى الثقة بالنفس.

تاسعاً: تقوية الوجدان ليكون مستعداً لمواجهة أي طارئ أو نازلة، وليشعر دائماً بأنه ليس وحده، مثل الأدعية عند السفر والركوب والنوم…<!--.

 

 

qw7412

لا اله الا الله محمد رسول الله

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 220 مشاهدة
نشرت فى 4 أكتوبر 2012 بواسطة qw7412

عدد زيارات الموقع

40,644