<!--<!--<!--
كعادتي أنتظر شهر مارس من كل سنة كي أذهب للحقل بحجة أو بأخرى تارة أقول لأبي أني أشتاق للجدول ورؤية العصافير وتارة أقوم بقطف الزهور الملونة البرية....وتأخذني قدمي التي تسير شوقاً مع دقات قلبي لحافةِ الجدول الذي يربط بين حقلنا وحقل بيت عمي ... كي أرى أرثر إبن عمي وهو يجلس على الناحية المقابلة لحقلنا...تارةً أتبسم وأرفع عيني وتارةً أتخبـأ وراء جذع الشجرة التي كتبنا عليها عدة مخطوطات للذكرى منذ طفولتنا في ذلك العام من سنة 1980 م كان الربيع في جنوب أسكوتلندا جميل جداً .. وكانت الزهور في بداية تفتحها فذهبت أقطف الزهور وأحمل حقيبتي القماشية التي أهداها لي أرثر عند أخر لقاء كان لنا منذ ثلاث سنوات عندما عرف والدي بحبي له وخشى على فكري أن يتشبث بفكرة الحب ويترك العلم ... فمنعنا من التواصل... ولكننا بقينا على عهدنا نتلاقى من سنة لأخرى كل ربيع ننظر لبعض عبر ضفة الجدول وأرسل له رسائلي وأشواقي عبر رسائل أحملها بقارب ورقي صغير وأدفعه بذبذبة أمواج الماء عندما أحركها بيدي وهو يأخذها وفي اليوم الثاني يرسل لي أشواقه أيضاً عبر رسائل بالقارب الورقي لحين أن نتمم دراستنا الجامعية ونتزوج... ولكن في ذلك العام لم يكن أرثر عبر ضفة الجدول .... بقيت أنتظره عدة دقائق ثم ساعة وساعتين وثلاث حتة إني خشيت عليه من أمر ما قد يكون مرضاً أو سفراً ولم أفكر في لحظة بأنه سوف ينساني .... وضعت زهوري التي قطفتها من الحقل على سطح الماء ودفعتها بحركة الذبذبات للضفة الثانية وصنعت قاربي الورقي ووضعت بداخله رسالتي التي عملتها على شكل لفافة صغيرة وحزمتها بالخيط ودفعت قاربي الورقي الصغير بفعل ذبذبة الماء للضفة الثانية وأرسلت معه نبضات قلبي ووفائي ...
ولكن عندما أرسلت قاربي جائت قربي أحد الفراشات الجميلة ترفرف بجناحيها فوق رأسي فأستبشرت من جمالها خيراً... أخذت الفراشة تطير وأنا أركض وراءها حتى إن وصلنا بقعة من أرض حقلنا أستطيع أن أرى منها أصطبل الخيول الخاص بحقل عمي...رفعت عيني فرأيت أرثر!
وياليتني لم أراه... حاولت أن أكذب عيني ولكن بصري صمم على الرؤيا... وإذا بأرثر يحتضن هلين إبنة عمتي وعمته .... ويكلمها بنظرات الحب التي كان يكلمني بها... وهيلين تضع بيديها على كتفه... أرتعدت خوفاً... وأرتجفت قدمي .... أجهشني البكاء وأنفاس الدهشة ... خفت من أن يراني فركضت كي أختبأ وراء جذع الشجرة... وأحاول أن أكذب ذالك المشهد .. ولكن عيني تأبى أن تترك الرؤى....نظرت مرة ثانية من خلف جذع الشجرة وإذا به يضع يده بيدها ويحاول أن يركبها الحصان الأبيض الذي كان يركبني عليه ويضعني خلفه كي أتشبث به ويركض بنا الحصان وتركض معه أحلامي كي ترسم حب أرثر على مدى بعيد.. ولكن حلمي اليوم خطفته هيلين...
تمالكت نفسي وحاولت أن أحمل نفسي وأنفض ثيابي التي اتسخت من الأرض وأذهب للبيت... وفراشة أحزاني كانت تحلق فوق رأسي لم تتركني أبداً... دخلت للبيت وحاولت أن لا يراني أي شخص من المنزل... صعدت إلى غرفتي كي أغير ثيابي وأغسل وجهي ولكن جسدي كان يرتعد ويرتجف من الألم والصدمة ... دخلت إلى غرفتي وأستلقيت على فراشي فغلب علي النوم... وفي اليوم الثاني إستيقضت مبكراً جداً ... ذهبت نحو نافذتي ودموعي تسكن عيني... وذهولي كان رفيقي... رفعت الستارة... وإذا بي أرى الفراشة نفسها التي كانت تنبهني تجلس على مسند نافذتي وأمامها ترى فراشتين تطيرا نحو الحقول وهي جالسة تحمل حزن يشبه حزني... فتحتُ نافذتي ولم تخف مني فراشتي الحزينة وبقيت أنظر إليها وتنظر إلي تكلمني وتقول أنظري لحالتي ترينها متشابهة معك... وفكرت بها على نطاق عالمها الصغير فوجدت إن ثمة خيانة تحزنها... فقررت مع نفسي أن أتخذ قراراً شجاع بحق أرثر الذي طالما أحببته وأنتظرته... فقلت مع نفسي ... مثلما تجاهل قلب يفداه فدورك اليوم هو التجاهل لشخصه... أتركيه وعندما تريه عامليه كصديق وإبن عم ليس إلا فلا ينفعك من بعد خيانته ومن طبع البشر الخائن إذا خان مرة أستمرت خيانته في كل مرة...
وحاولت أن أعيد قواي وأعيد أنفاسي وبعد ثلاث أيام... ذهبت للحقل كي أقطف أزهاري ليس بحجة لحب أرثر ولكن لكي أمتع نظري بالربيع وجماله... ولكن قدمي أخذتني للجدول أيضاً... فوجدت قارب صغير يحمل لفافة ورقية صغيرة يقف على حافةِ ضفة الجدول المحاذية لحقل والدي...
فتحت اللفافة ... وإذا بي أقرأ إعتذار بخط يده يقول : أعتذر لك حبيبتي من عدم المجيء في الأيام الأربع السابقة وذلك بسبب مرضي وإصابتي بوعكة صحية...
تبسمت وخبأت اللفافة بيدي... ولم أكتب له أي رد كوني لم أكن أحمل الحقيبة القماشية معي...تركت ذلك القارب الصغير كي تغسله الأمطار ويصبح مع النسيان أمراً يتلاشى... وذهبت لبيتنا... وخبأت رسالته مع الرسائل السابقة حيث كانت آخر رسالة منه.... لأنني لم أذهب للجدول من بعد ما لقيت عذره الكاذب...ومضت الأيام ... والأشهر وهيلين تزوجت من تاجر التبوغ الذي كان أحد أصدقاء والدها.. تزوجته لأجل المال وتركت أرثر المخدوع... وكنت كل ما أسمع خبر أضحك لأنني كنت أعرف إن من يخن يخان بأمره... وجاء شهر مارس من سنة 1981م ... وأرثر يعيش الأمل ولكن لا جدوى من رؤية حبيته المغفلة التي أستغفلها في الربيع الماضي... وفي منتصف شهر مارس...من من تلك السنة... طرقت باب بيتنا عصراً... كنت أقرأ في أحد الكتب وأشرب كوباً من الشاي... فتحت خادمتنا الباب وإذا بي أرى عمي وأرثر ينظر لي مبتسماً...خفق قلبي لرؤية أرثر ولكني تمالكت نفسي وإذا بمشهد الخيانة يحضرني ... فسلمت على عمي وعلى أرثر ودعوتهم للجلوس لحين نزول والدي..
فقال لي أرثر جئت كي أفي بوعدي لك يا كارول... وكان يقول هذه العبارات مبتسماً أمام والده...
تبسمت وقلت له : أي وَعد يا صديقي...
فقال بدهشة : صديقك؟؟
قلت له نعم صديقي...
فقال : أنا لست بصديقٍ لكِ بل أنا حبيبك الذي وفى لك طوال تلك السنين...
فقلت له : متى؟؟؟ من بعد زواج إبنة عمتنا هيلين ؟؟؟
ذهل أرثر من الموضوع ولم يعرف كيف إنني عرفت ذلك السر...
فقلت له : كن صديقي ... (فليس بالأمر إنتقاص من رجولتك)...
تضايق من هذه المقولة .... فقلت له: ( إقبل صداقتي وتنحى من دور البطولة)... وتركته... ونزل والدي إليهم كي يستقبلهم... وتركت كل ماضي خائن كان يحويه... فكم أنتظرت هذا الموقف كي أستعيد جزء من كرامتي التي سحقت بيني وبين ذاتي... وأستطعت اليوم بصمتي وتستري على خيانته سنةً كاملة أن أثأر لكرامتي وأن أقتل قلب أرثر ...
بقلم
نور ضياء الهاشمي السامرائي
عضوة الإتحاد العربي لحماية حقوق الملكية الفكرية
ساحة النقاش