authentication required

العيون بين الفيزياء والفلسفة 

هناك تزايد وإقبال حول تغيير لون العين بعمليات تجميلية بل تخطت أن تكون حصرياً للنساء ليتجه بعض الرجال لذلك وفي نطاق آخر من استخدام العدسات اللاصقة وجد أن ثلث النسبة للمستخدمين من الرجال يمارسون ذلك .هل يمكن لتغيير لون قزحيةالعين – تلك البوابة التي ننظر منها إلى العالم – أن يغير نظرتنا للحياة ذاتها؟ وهل فيهذا التغيير المادي انعكاس لرغبة في تحول نفسي أو روحي أعمق؟ 

وأسألكم : العين: مرآة النفس أم نافذة الروح؟لطالما نظر الفلاسفة والشعراء إلى العينليس كعضو بصري فحسب، بل كرمز للبواطن والأعماق. 

**عيناك غابتان أُعيدَت كَهلٍ**  

**فيهما عن عالمِ الحِسانِ غَفْلُ**  

**أمْ هما نرجسانِ أُضِيعا سدىً**  

**بينَ رَبىً ناءَتْ وَبينَ جَبَلِ؟**

هذه الأبيات تتساءل عن حقيقة النظرة، هل الضياع في النظر هو ضياع في الروح؟ هلالتغيير في لون العين يمس جوهر الرؤية أم قشرتها فقط؟وهنا يتسارع سؤال فلسفي ملح التجميل الجراحي: بحث عن الهوية أم هروب منها؟

عمليات تغيير لون العين (مثل زرع قزحية صناعية) هي ظاهرة حديثة تطرح إشكاليةفلسفية حول مفهوم الهوية والذات. الإنسان هنا لا يغير مظهراً عابراً، بل يغير واحدةمن أكثر السمات تعريفاً لهويته الجسدية، والتي غالباً ما يرتبط بها اسمه وشخصيته("العيون السوداء"، "العيون الزرقاء"). ووصفات أخرى كنزار عندما يقول 

حبك يا عميقة العينين
تطرفٌ .. تصوفٌ.. عبادة
حبك مثل الموت والولادة
صعبٌ بأن يعاد مرتين

والنظرة الإيجابية المحتملة (تحرر أم تمكين؟):

    يمكن القول إن هذه العمليات تمثل سيادة الإرادة الإنسانية على الطبيعة، وتعبيراً عنالحرية الفردية في تشكيل الهوية كما يريد الشخص، لا كما ورثها. إذا كان الفرد يعتقدأن عيونه لا تعكس حقيقته الداخلية، فربما يسعى من خلال التغيير إلى تحقيق توافقبين  الداخلي (الروح) والخارجي (الجسد). قد يمنحه هذا ثقة جديدة، فينظر إلى الحياةبنظرة أكثر إيجابية لأنه أصبح أقرب إلى الصورة التي يحبها عن نفسه. هو بحث عنالذات عبر تغيير الغلاف ... أما النظرة السلبية المحتملة (استلاب أم انفصال؟):

    من جهة أخرى، يرى كثير من الفلاسفة أن هذا الفعل هو ذروة "اغتراب الإنسان" عنطبيعته وجسده. هو انصياع لمعايير جمالية مُعلَبة تروجها ثقافة الاستهلاك، تجعلالجسد سلعةً قابلة للتعديل بلا نهاية. بدلاً من البحث عن الجمال في التنوع والاختلاف،نبحث عن التوحيد القسري تحت مسمى "الجمال". هنا، التغيير ليس تعبيراً عن الذاتبل هروباً منها وقبولاً لذات مُستَلَبة مُفروضة. قد يؤدي هذا إلى نظرة سلبية للحياة،حيث يصبح السعي نحو الكمال المادي الخارجي هدفاً أبدياً لا يُشبع، ويغدو الإنسانعبداً لرغبته في التغيير، لا سيداً لها. الشاعر الذي ينظر بعين الرضا يقول:

**وَقَلْبِي وَإِنْ أَعْيَا لِسَانِي بِذِكْرِكُمُ**  

**فَإِنَّ الْعَيْنَ تَعْزِفُ عَنْ لِسَانِ الْفَمِ**

فالجمال الحقيقي ينبع من الداخل وتعبّر عنه العين الحقيقية، لا المصنوعة.و هل تتغيرالنظرة للحياة؟

الجواب الفلسفي مركب: التغيير الحقيقي في "نظرة الإنسان للحياة" ليس عمليةفيزيائية في العين، بل هو عملية في الوعي والروح والفكر. اللون الجديد للقزحية قديمنحك إحساساً مؤقتاً بالجدة والبهجة، كما تفعل أي ملابس جديدة، لكنه لن يغير منكيفية تفسيرك للأحداث، أو تقبلك للآخر، أو شعورك بالفرح والحزن.

*   **إذا تغيرت النظرة إيجاباً:** فذلك لأن العملية كانت **رمزاً** لتحول داخليحقيقي. لأن الشخص قرر أن يتخذ خطوة جريئة ليكون ما يريد، فثقته بنفسه زادت،وهذا هو الذي غير نظرته، وليس الصبغة في عينه. النظرة الإيجابية مصدرها الداخل،والعين الجديدة مجرد انعكاس لها.

*   **إذا لم تتغير (أو تغيرت سلباً):** فذلك لأن الشخص اكتشف أن العالم من حولهلم يتغير، ومشاكله لم تحل، وشعوره بعدم الرضا لم يزل، بل ربما زاد لأنه أنفق الكثيرولم يحصل على "السعادة" التي وعد بها. هنا يخيب الأمل وتصبح النظرة أكثر سلبية.

واختم بأن النظرة الحقيقية هي نظرة القلبفي النهاية، العين أداة للإبصار، ولكن"البصيرة" هي أداة للإدراك والفهم. تغيير لون العين يغير الإبصار المادي، لكنه لا يغيرالبصيرة المعنوية. النظرة الإيجابية للحياة تنبع من الرضا الداخلي، والتسامح،والحكمة، والشعور بالمعنى، وكلها أمور لا تُزرع في العين بالجراحة.

**إِذَا الْعَيْنُ أَنْكَرَتْ مِنَ الْجَسِيمِ دَقَّةً**  

**فَقَلْبُ الْمُحِبِّينَ لَهَا بِالْخَبَرِ الْيَقِينِ**

فقلب المحب يرى الحقيقة التي قد تخفى على العين. فليكن شغلك بتصفية نظرتكالباطنية أكثر من تهذيب نظرتك الظاهرية. لأن الحياة تُرى بالقلب أولاً، والعين ثانياً.

الكاتب الصحفي والتربوي

أ/نزار رمضان 

01018573602

الكاتب الصحفي والتربوي

أ/نزار رمضان 

01018573602

المصدر: بعض أشعار حول العيون
  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 88 مشاهدة
نشرت فى 19 سبتمبر 2025 بواسطة nezarramadan

ساحة النقاش

nezarramadan

فكرة المقال عميقة

نزار رمضان حسن

nezarramadan
مدرب تنمية بشرية بالمملكة العربية السعودية / مدرب معتمد في الكورت من معهد ديبونو بالأردن / متخصص رعاية موهوبين وهندسة التفكير/ مستشار في حل المشكلات الأسرية والشبابية / معهد اعداد دعاة / عضو شبكة المدربين العرب /مدرب في نظرية سكامبر/مدرب في نظرية تريزمن معهد ديبونو بالأردن / دبلوم برمجة لغوية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

426,761