صفحات الكاتب نظمي محمد القواسمه

من بلدة سوم في المملكة الاردنية الهاشميه

 

نحن وعندما نذكر محاسن الرجال وخصالهم الطيبة ونتحدث عن إنجازاتهم وما قدموا للمجتمع  السومي من خدمات  فمن الواجب علينا أيضاً التحدث عن محاسن أخلاق بعض النساء وخصالهن التي لا تقل طيبة عنهم ؛ ونتحدث أيضاً عن إنجازاتهن وما قدمنه للمجتمع من أعمال إنسانيه جليلة يستحققن عليها التكريم والذكر الطيب ؛ وقال صلى الله عليه وسلم ( واذكروا محاسن موتاكم )- هنا لابد وأن أتحدث عن قصة واقعية جرت أحداثها  وفي سوم قبل عقود وبأيام النخوة والطيبه  ؛ ولا أزال أشاهد تلك المشاهد والصور من خلال استرجاع  أحداث تلك الليلة الجميلة والبائسة ؛ لقد كنت ابن أعوام تعد على ألأصابع " وكانت أخواتي

وأخي ألأكبر صغاراً أيضاً " لقد جرت أحداث تلك القصة في  ليلة معتكرة   ماطرة مرعدة  وقاسية البرودة  ؛ وكنت أتخيل بأن الفجر لن يجود علينا بسناه للأبد ..!! وكنا نصطف حول كانون حديدي - عرنجلي -  بوجوه شاحبة ودموع منهمرة  جراء تلك ألأدخنة المنبعثة من أغصان الزيتون المشبعة بماء الخير والبركة التي لم تكن لتنقطع طوال مواسم الشتاء بتلك الفترة ؛ وكان الصمت مطبق ورهيب وقاتل ؛ ولم نكن نسمع سوى إيقاعات حبيبات الماء المتسللة من  بين عصي سقف المنزل لتستقر ببعض ألأواني المعدة لها هنا وهناك ؛ ولم أكن أعرف  بتلك الفترة شيئاً عن مقاساة الأمهات الماجدات سابقاً ؛ لقد كنت متعلقاً بأمي

كثيراً بحيث كنت وعندما أراها تبتسم أشعر بأن الدنيا مفعمة بالخير والحب وحنان ألأمهات؛ ولا أزال وهي تحت التراب عندما  يمر ذكراها على خاطري تنزل من وجدي دموعي ؛ وعندما تمر صورتها من أمام مخيلتي أهيم في دنيا غير هذه الدنيا ؛ لقد كانت الخيال والروح وحبيبة ألأجل ؛ ولكنني في تلك ألليلة كنت في حيرة من أمر أمي  فلم أراها كعادتها فكانت في تلك الساعة تخفي نفسها محتضنة ألآمها في فراشها وكانت تبكي بصمت وكنت أرى عيناها تشحذان همتي وشفقتي ولم تنطق ببنت شفه غير آهاتها ذا الصدى المفزع  ؛ ولكن وعندما كنت أتطلع بعينيها كانت لاتشح على بابتسامتها المصطنعة ..!! رغم مشاهدتي لدموعها التي كانت تحاول لملمتها عني " فأيقنت أن أمي ورغم جبروتها قد  أضعفتها ألآمها ونالت من قواها الكثير ؛ لقد كنت أبكي وأبتسم حسب تغير ملامح وتعابير جبينها وحين تمسك بيدي الصغيرة وتشد عليها بقبضتها ؛ لقد كانت أختاي

الأكبر مني سناً بقليل يقمن بتسخين الخبز بينما كان إبريق الشاي مركون بأحد زوايا الكانون بانتظار وليمتنا المتواضعة المعتاده  ؛ يا ألهي زفرات أمي تخترق جدار الصمت الرهيب  وتصرخ بشده وتستغيث وتستنجدنا ؛لقد ذٌهلت  وتطلعت بعيون أخواتي  فلم أري بعيونهن سوى الدموع والهلع والوجل ؛ ونحن مصطفين حولها عاجزين عن إنقاذها وفعل أي شيء لها وهي تصدر أنات ذات ترانيم يبعث على الشفقة والتحسر؛ لقد كان مشهداً مؤلماً قاسياً لا يحتمله قلب بشر؛ فما الذي عساي  أن أفعله وأنا في مثل هذا السن  ولا يوجد لدينا لكسا يدوي لأذهب  لأتسول نخوة الجوار  في عتمة الليل الموحش وخوفي مما كنت اسمعه عن وجود أرواح شريرة تخرج ليلاً ؛ لقد جلست بقربها وكنت أرى العرق يترقرق من جبينها ألأجمل ما في الدنيا بنظري ؛ وأحسست بأن كل عضواً فيها يموت تلو ألآخر"

فقررت أن افعل شيئاً ؛ فقلت لها ماذا أفعل يا أمي قولي شيئاً وأنا سأذهب لأي مكان تريدين ولن أخشى حتى كل عفاريت الكون ؛ فأجابت بصوت العليل المٌعنى" روح ناديلي الحجة كرمه الحسن " وهممت بالذهاب فور طلبها رغم وجود  مسافة لا بأس بها بين بيتنا وبيت تلك ألإنسانه " الملاك الرحيم " لقد ذهبت إلى منزلها حافي القدمين أتنقل بين بواطيس المياه المنتشرة بالشارع مسرعاً ودققت بابها ونادينها باسمها - حجة كرمه -  فقالت بعدما فتحت باب غرفتها ورأيت تلك الوجه الصبوح وكأن سراجاً ربانياً يصيح بجوانبه فتوهمت المساء صباح بتلك اللحظة وأيقنت أن في الناس أملاك – قالت مالك يا جده ؛  فقلت لها ؛ أمي يا جده  تكاد تموت وتستنجدك وتشحذ همتك " فقالت على الفور : جاي إيدك يا جده بلغة النشميات الماجدات  ؛ فأمسكت بيدها وسارت بجانبي وكانت تشعرني لأبتعد عن تلك

البواطيس الذي كنت أقع فيها أثناء ذهابي إليها ولم أكن أراها وتمكنت هي من رؤيتها رغم الفارق العمري  الهائل بيني وبينها  ؛ لقد وصلت بيتنا وقالت حين وضعت  قدمها على عتبة البيت وبدأنا نسمع أنين أمي المنبعث من البيت ونواح أخواتي قالت - (بسم الله الرحمن الرحيم - أللهم صلي عليك يا حبيبي يا محمد ) لقد تبدل المشهد  بقدومها وحلت ألطمأنته وتهيأ لنا بأن ملاك من السماء  يتمثل بهذه ألإنسانه  المهيبة هب لنجدتنا " وتحولت الصور للأجمل  وألأروع ؛ وشقت طريقها وسط الدخان وطلبت من أختي الكبيرة فقط لتبقى جانبها وطمأنتنا قائلة – ما تسكتوا عاد مستعجلين تشوفوا الصبي الجديد اسم الله عليه – فعلمت ما لم أعلم من خلال كلماتها - مزيج من الدمع والبسمات معاً  " وبعد صراع أستمر ليس بقليل سمعنا بكاء تلك الطفل الذي كان مصراً للخروج للحياة مخترقاً كل آلام وجراح والدتي وأنينها  وتحول المشهد للأروع  " لقد ضحكت أمي عندما سمعت صراخ مولودها وتغيرت

ملامحها وصورتها هي ألأخرى  للأجمل وصار المشهد في غاية ألروعه  " ولقد اكتملت فرحتنا بتلك الليلة بقدوم والدي الذي كان يغمر ملابسه الوحل جراء مسيره من منطقة – برد المع – وكان قد ركن شاحنته هناك لعدم وجود طريق تصل لسوم تصلح لسير السيارات عليها " وكانت قد تعالت ضحكاته الذي بدلت ألمشهد ذات الدرامة الهندية لمشهد ذات طبيعة  درامية سوميه بامتياز واصطحبنا للدكان ليشتري لنا التمر والكعكيان وما تيسر من هذه المواد لتكتمل فرحتنا بزائرنا الجديد ..!! خلاصة القول " لقد كنا نعيش في زمن في غاية القساوة مع غياب معظم مقومات الحياة البشرية ؛ فلم تكن توجد أية خدمات طببه " ولم تكن الناس تعرف غير – البنسلين وألإسبرين

ألألماني ألوحيد ماله ثاني لأن لم يكن من ثاني أصلاً؛ وبعض علب البراهم " وكان معظم الكبار يخلعون أسنانهم بأدوات الكسارات " لم تكن الحاجة كرمه الحسن درست طب الولادة في ألمانيا " لم نراها لبست المر يول الطبي الأبيض وبرنيطة الرأس ألخضراء ولم نكن نشاهد سماعة ألأذن الطبية مدلاة على صدرها كما لم تقم بقياس ضغط أمي التي ستخضع للولاده ؛ إن عمليات الولادة يجب أن تتم بدقة ويجب أن تتوفر ألأنوار الكافية والكليكوز وأبر ألفولترين والمعقمات وغيرها من ألأدوات بأيامنا ألحاليه ؛ بينما كانت تتم قبلاً على  " ألبركه " ونحن اليوم في عصر الصر عات الطبية وتكنولوجيا ألأجهزة المتطورة الداعمة لها كما وهناك جميع أنواع

أجهزة التصوير علاوة على توفر غرف عمليات الولادة المجهزة بكل تلك الأجهزة المتطورة والممرضات ألمهره وكل أنواع المسكنات ..!! ورغم ذلك نحن نسمع بأن ثلثي حالات الولادة تتم بعمليات قيصريه بسبب أخذ الطفل وضعية مقلوبة وما شابه " ولكننا منذ عام 1900 ولغاية بداية السبعينات لم نسمع بمثل تلك الحالات التي يدعيها الطب الحديث ولم تتم عمليات قيصريه  بتاتاً ؛ فهل أؤلئك ألأطفال الذين أشرفت على ولادتهم مثل تلك الحاجة كان يتحركون  - بالريموت – ومحجور عليهم نظام الشقلبة وكلنا نعرف بأن كل أمهاتنا كن يعملن كالماكينات ليل نهار؛ ولم  يكن يتوقفن عن الحركة ولو للحظه  وبعضهن أنجبن توائم ؛ فكيف لحاجة في مثل سن تلك ألحاجة العظيمة أن تجري تلك العملية منفردة ومن دون وجود أية أدوات ولم يكن هناك نور

سوى نور وجهها  وشعلة البنوره التي لم تعمل بالمانويلا – لقد سمعتها أثناء بدئها بالعمل تقول – توكلت على الله وفرجك الله  – وهذا هو سر نجاحها بكل أعمالها  "  إن الحاجة – كرمه الحسن – لم تكن  تعرف معنى الطب في تلك الفتره ؛ ولا تعرف معنى التخدير ولم تكن تعير اهتماما لأعراض جانبيه فقد كانت تعمل بثقة معتمدة على توكلها على الله في عملها ؛ يجب على الشباب أن يستخلصوا العبر من هذه القصة وما أكثرها في تلك الفتره " ويجب عليهم أيضاً إكرام أمهاتهم وأن يثقوا بأن رضا ألوالدين هو جواز السفر الساري المفعول لدخول الجنة ..!! عندما أتذكر أمي أبكيها فابكوا أمهاتكم وهن أحياء  " كما ويجب علينا تذكيرهم بماضينا وتصوير مشاهده لهم كما كنا نعيشه نحن ؛ لقد أفنت الحاجة المتميزه – كرمه الحسن عمرها في مزاولة تلك المهنة العظيمة ألشريفه من خلال مساعدتها

لمعظم نساء بلدنا ثم التخفيف من ألامهن كما ولها بصمات على أجساد معظم أطفال سوم الذين هم اليوم في ريعان شبابهم ومنهم من أبدعوا  " مهما كتبت عن تلك ألحاجة ألصالحه لا يمكن أن أفيها بعض من حقها فلقد كانت بارعة في عملها ولا تتأخر عن تأدية خدماتها الإنسانية لمعظم أمهاتنا ليلاً كان ام نهاراً وشتاءً وصيفاً  ؛ كما وكانت الحاجة – عساكر – أم فريد رحمها الله ؛ تعمل بنفس المجال وكانت أيضاً من ألنشميات المبدعات  السوميات  ولقد قدمت خدمات عظيمة وجليلة تستحق التكريم هي ألأخرى ؛ ولكن سبب اختياري لتلك الحاجة المر حومه - هي تلك ألقصه الذي شهدت أحداثها "أسأل الله تعالى أن يوسع على تلك ألإنسانه المبدعة في قبرها ويجعله ربيعاً احضر ويدخلها فسيح جنته ويحشرها مع الصديقين  والأبرار....

--------------------------------

كما وأتمنى الحياة المملوءة بالسعادة  والطمأنينة لكل نشميات سوم ,والوطن - ستات الحايب وأهديهن هذه الكلمات الرائعة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة ..!! ..  

 

nazmimuhammad

حرر بقلم نظمي القواسمه

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 217 مشاهدة
نشرت فى 1 مارس 2013 بواسطة nazmimuhammad

ساحة النقاش

نظمي محمد القواسمه

nazmimuhammad
الكاتب نظمي محمد القواسمه من بلدة سوم في المملكة الاردنية الهاشميه وله عدة كتابات اجتماعية تم نشرها على صفحات هذا الموقع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

211,298

كلمات بين السطورعن سوم

 نظمي محمدالقواسمه


اتمنى ان يلاقي قلمي اعجابكم 

نظمي القواسمة 2

سوم هي إحدى قرى محافظة إربد في الأردن. يبلغ عدد سكانها قرابة 9 آلاف نسمة وتقع إلى الغرب من مركز ‏الالمحافظة وعلى بعد 6 كيلو متر من مركز المدينة، ضمن بلدية غرب إربد (كفر يوبا، بيت يافا،ناطفة، هام، جمحا، ‏كفر رحتا، زحر، دوقرة، ججين، سوم). ويوجد بها مقام الصحابي الجليل "أبي الدرداء" الذي روى بعض الأحاديث عن النبي ‏.‏

يتسم سكان البلدة بالبساطة ويشتهرون بزراعة الزيتون والمحاصيل الصيفية والتجارة. ويتجه الشباب إلى التعليم فقد حققت أعلى ‏نسبة خريجين من الدراسات الأكاديمية على مستوى محافظة إربد.‏

إن العشائر الموجودة في سوم هي كل من عشائر الشناق والمعابرة والخمايسة والقديسات والمراشدة والطعامنة والدغيمات ‏والكيلاني والقواسمه, وكل هذه العشائر ترتبط براوبط المصاهرة والنسب مع عشيرة الخمايسة التي تعتبر أول من سكن قرية سوم ‏في العصر الحديث.‏