ثورة مصر وتحدّياتها


سيد حسين موسوي



الواقع أن المؤسسة العسكرية في مصر ومع استلامها زمام الأمور والسلطة في هذا البلد كانت قد وعدت الشعب المصري الثائر بأنها ستحمي الثورة وشعاراتها وستحمي موقع مصر في المنطقة واقتصادها وصناعتها بالإضافة إلى حرية الشعب المصري. كما وعدت المؤسسة العسكرية أنها سوف تسلم السلطة إلى حكومة منبثقة من إرادة الشعب عبر انتخابات حرّة بعد انقضاء المرحلة الإنتقالية. لكن ما جرى أن الكثير من النُخب والأحزاب السياسية المصرية لم تكن راضية عن أداء المجلس العسكري وتعامله مع المسائل المختلفة في الأشهر التي تلت ذلك. فمحاكمة مسؤولي النظام السابق لم تكن كما يشتهي الثوار، بل اتخذت طابعاً من المماطلة والبطء في المحاكمات، وأُحيل عدد كبير من الثوار إلى المحكمة العسكرية.

أما موقع مصر فلم يخرج من دائرة السياسة السابقة، التي تدور في الفلك الأميركي بل أصبحت مصر أسيرة هذه السياسة أكثر من قبل، كذلك استمر الاقتصاد المصري يعاني أزمات جدية وحقيقية. من جهة أخرى فإن بعض أحزاب مصر التقليدية لم تنجح في جذب الناس واستمالتهم، حتى أن الحزب الحاكم السابق بدأ يشكل نفسه في قالب جديد وتلبّس بلبوس آخر وأخذ ينتج نفسه ويعيد بناءها في ظل بعض مؤسسات الدولة وأجهزتها.



إن هذه التطورات مجتمعة أوصلت الشعب المصري إلى النتيجة والخلاصة التالية: أن ثورتهم محاصرة من جميع الجوانب. فتحذيرات النّخب وبعض الأحزاب الإسلامية والقومية المصرية لحكومة عصام شرف السابقة بضرورة الإسراع في تحقيق أهداف الثورة لم تلقَ ذاك الإهتمام الكبير، أما ما يثير الإهتمام فهو محاولة المجلس الأعلى للقوات المسلحة طمأنة شركاء مصر في المنطقة والعالم، بأن ثورة مصر لن تشهد أي تغيّرٍ في السياسة تجاه المنطقة والعالم، بمعنى أن الثورة لن تدفع مصر بإتجاه تغيير سياستها مع حلفائها المحليين والدوليين. فالمجلس الأعلى لهذا البلد قام بخطوات فيما يتعلق بسياسة المنطقة تشير إلى أن حكومة مصر ثابتة في معسكر السياسات التقليدية السابقة. مما جعل الأحزاب والشخصيات الإسلامية والقومية في مصر تنتقد هذا التوجه والميول عند المجلس الأعلى وبصورة متواصلة. وبالإجمال فقد وصل شباب مصر إلى القناعة والنتيجة الحتمية التالية بأنه يجب العودة إلى ميدان التحرير من أجل حماية الثورة ومنجزاتها.

وهذا ما حصل لاحقاً في نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 وعلى أثر هذه المظاهرات الواسعة طلبت واشنطن من المجلس العسكري الأعلى تسريع تحويل السلطة إلى المدنيين. غير أن المسألة المهمة في التطورات الأخيرة في مصر أن شباب الثورة في تحركهم الجديد ضد تولي العسكريين بقيادة المشير حسين طنطاوي لزمام الأمور لم يأتوا إلى ميدان تحرير القاهرة تحت غطاء الأحزاب المعروفة، كما كان في الأيام الأولى للثورة، إضافة إلى ذلك فإن الأحزاب الكبيرة مثل الإخوان المسلمين قد نأوا بأنفسهم عن المشاركة في التظاهرات المليونية.

ولم يكن تكليف كمال الجنزوري بتشكيل حكومة جديدة، ليحلّ المشكلة بل تحوّلت عودته إلى السلطة إلى إحدى مسائل الإختلاف في صفوف التيارات السياسية والتيارات الثورية والمجلس العسكري. فالتظاهرات المنفصلة التي جرت من قبل مؤيدي المجلس العسكري لدعم كمال الجنزوري في ميدان العباسية في القاهرة وتزامنها مع تظاهرات الثوار بمئات الآلاف في ميدان التحرير هي من علامات هذا الإختلاف في الرأي والنظرة. والحقيقة أن المشهد السياسي والإجتماعي في مصر تشكّل في إطار ثلاثة لاعبين أساسيين في الأونة الأخيرة.

اللاّعب الأول هو المجلس العسكري الذي تشير جميع المؤشرات واستطلاعات الرأي أن شعبيته تتراجع وهو يسعى إلى الإحتفاظ بالسلطة حتى إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية طبقاً للأجندة المعلنة سابقاً.
اللاعب الثاني هم الأطراف التي تتطلع إلى الإنتخابات البرلمانية ونتائجها لتقيّم وزنها الإجتماعي. وهي بالتالي تفضل أن تنأى بنفسها عن مواجهة المجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى إعلان نتائج الإنتخابات. وفي مقدم هذه الأطراف الأخوان المسلمون.

أما اللاعب الثالث فهم الشباب الذي ليس لهم بشكل عام حضور في أيّ من الأحزاب السياسية المعروفة. والجدير ذكره أن الشرارة الأولى لثورة 25 كانون الثاني/يناير 2012 بدأت مع هؤلاء الشباب، وكذلك شرارة العودة إلى ميدان التحرير في الأيام الأخيرة من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2011 والتي حملت شعار حماية الثورة وضرورة تنحيّ العسكريين في مصر أيضاً بدأت مع هؤلاء الشباب الذين لم يتشكلوا في أطر تنظيمية.

المعضلة الأساسية التي يواجهها المجلس العسكري أنه يواجه حركة شبابية فعّالة ومؤثرة وغير متشكلة تنظيمياً، ودائرة مطالبها غير محددة. لكن إصرار المجلس العسكري على إجراء الإنتخابات العامة في وقتها المحدد يعود إلى أن المجلس يريد نقل الخلافات في وجهات النظر والتصدع السياسي الحاصل من الشارع إلى المؤسسات الرسمية لكي تنحصر الإختلافات في هذه المؤسسات ويمكن إدارتها والسيطرة عليها من قبل الأحزاب السياسية. في المقابل فإن اندفاع شباب الثورة مجدداً إلى الميادين لا سيما ميدان التحرير وبقوة جعلت حكومة عصام شرف تتهاوى وتعلن استقالتها.

وقد توصلوا إلى هذه النتيجة وهي أن الضغط في الشارع من شأنه أن يسرع في انتقال السلطة إلى المدنيين. ويجعل من الصعب امكانية استمرار سياسات الحقبة الماضية. والمفهوم الضمني لهذه المعادلة أن شباب ثورة مصر، خصوصاً الحركة التي اتسمت (بحركة السادس من أبريل) يهدفون إلى تحقيق شعارات الثورة المحورية بالبقاء في ميدان التحرير، ويخالفون انتقال اختلافات النظر والتحديات إلى أروقة المؤسسات الحكومية.

إن إجراء الإنتخابات النيابية التي تقدّم فيها بشكل واضح الإسلاميون، سواء من حزب "الحرية والعدالة" التابع للإخوان المسلمين أو "حزب النور" السلفي، سوف ينقل الصراع بين مثلث الإسلاميين ـ المجلس العسكري ـ شباب الثورة، إلى مرحلة جديدة "تتهيكل" فيها الثورة في مؤسسات جديدة، سوف تكتمل مع إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعودة المجلس العسكري إلى ثكناته كما يعد دائماً، ومع ذلك فإن مصر الثورةالتي انطلقت شرعية ثورتها من الشارع، لن تكون آمنة ومستقرة ما لم تتكامل إرادة سلطتها السياسية الجديدة مع إرادة شبابها، وما لم تخلع مصر عنها قيود السياسات التي جعلت منها دولة هامشية وبدور لا يليق بمكانة مصر تاريخياً ولا بأهمية موقعها في الوطن العربي.

لا يمكن للثورة أن تبقى في الشارع إلى الأبد، لكن الخيارات الداخلية والإقليمية يجب أن تكون منسجمة مع روح الثورة اليوم وغداً.
nahda2011

هيثم البشلاوى(باحث فى الأدارة الأستراتيجية)

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 94 مشاهدة
نشرت فى 29 مارس 2012 بواسطة nahda2011

هيثم عادل البشلاوى

nahda2011
سنحيا طالما مصر تحيا لذا لن نموت »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,803