ملخّص تنفيذي

يؤثّر هيكل النّظام الدّوليّ في إدارة وحداته للأزمات الدّوليّة من حيث التّأثير في أدوات إدارتها ونتائجها، كما يتأثّر النّظام الدّوليّ ذاته بالطّريقة التي تدار بها الأزمات الدّوليّة - خاصّة من جانب القوى العظمى - من حيث استقراره أو حدوث تغيّرات طفيفة أو عميقة فيه، إلى حدّ حدوث تحوّل كامل فيه ليتّخذ شكلا آخر من أشكال القطبيّة الدّوليّة. ومن خلال متغيّرات ثلاثة هي التّحيّزات الدّوليّة، وساحة الصّراع الدّوليّ، والقيم الدّوليّة؛ تقدّم هذه الدّراسة تحليلًا مقارنًا لإدارة الأزمة الدّوليّة في ظلّ بنية النّظام الدّوليّ المختلفة (القطبيّة التّعدّديّة والثّنائيّة والأحاديّة)، ولفهم الكيفيّة التي تدار بها الأزمة الدّوليّة وفقًا لكلّ نمط من هذه الأنماط البنيويّة، وكذا لفهم سلوك الدّول الكبرى وإدراكها لحدود تأثير المتغيّر الدّوليّ أثناء الأزمات الدّوليّة.

المشكلة البحثيّة

يلعب النّظام الدّوليّ دورًا ضابطًا لسلوك وحداته أثناء إدارة الأزمات الإستراتيجيّة الدّوليّة، إلّا أنّ تكرار حدوث الأزمات الدّوليّة في ظلّ نظامٍ دوليّ معيّن يدلّ على الطّبيعة الفوضويّة Anarchic Nature للسّياسات بين الدّول في هذا النّظام، فحيث لا توجد سلطة مركزيّة لضبط سلوك عددٍ كبير من الوحدات السّياسيّة المستقلّة، يستمرّ صراع المصالح بين هذه الوحدات. ويزيد هذا الصّراع من فرص حدوث مواجهات عسكريّة مباشرة بين الوحدات الدّوليّة. وعلى الرّغم من أنّ مثل هذه المواجهات يمكن تجنّبها من خلال التّهدئة المتبادلة والحسابات الدّقيقة للمصالح الخاصّة، إلّا أنّ بعض صراعات المصالح تكون شديدة وتتحوّل إلى أزمات تهدّد باستخدام القوّة العسكريّة التي في الغالب لا يمكن تجنّبها، ويتزايد العداء بين الدّول إلى درجة تصبح فيها الحرب وشيكةً أو محتملة الحدوث. وعند اندلاع مثل هذه الأزمات فإنّ كيفيّة إدارتها تؤثّر في العلاقات بين القوى العظمى، فهي قد تُجمّد الصّراع بينها، أو قد تساهم في حلّ بعض القضايا التي انقسم الأطراف الرّئيسون في شأنها، ومن ثمَّ تمهّد الطّريق لتأسيس علاقات أكثر استقرارًا وتناسقًا على المدى البعيد.

المقولة البحثيّة

تسعى الدّراسة إلى التّحقّق من مدى صحّة مقولة بحثيّة أساسيّة مفادها أنّ "العلاقة بين الأزمة الدّوليّة وهيكل النّظام الدّوليّ القائم وقت حدوث الأزمة تتّسم بالتّأثير المتبادل بينهما، فبالقدر الذي يؤثّر فيه هيكل النّظام الدّوليّ في إدارة أزمة دوليّة ما من حيث التّأثير في أدوات إدارتها ونتائجها، يتأثّر النّظام الدّوليّ بالطّريقة التي تدار بها هذه الأزمة حيث تساهم في تعزيز استقراره أو في إحداث تغيّرات طفيفة أو عميقة فيه، إلى حدّ حدوث تحوّلٍ كامل فيه، ليتّخذ شكلًا آخرَ من أشكال القطبيّة".

الأهمّية العلميّة للدّراسة

تنبع الأهمّية العلميّة للدّراسة ممّا قد تمثّله من إضافة علميّة للدّراسات في مجال إدارة الأزمات الدّوليّة، حيث أنّها تتعرّض بشكلٍ مباشر لعلاقة التّأثير المتبادل بين الأزمة الدّوليّة وهيكل النّظام الدّوليّ. وقد بدأت الأزمات الدّوليّة تلعب دورًا محوريًّا في أحداث العالم منذ أوائل القرن العشرين؛ حيث قادت أزمات فاشودا عام (1889) والمغرب (1905-1906) والبوسنة (1908-1909) وأغادير (1911) والبلقان (1913) تباعا إلى الحرب العالميّة الأولى، كما أنّ الأزمات التي أثارها هتلر في الثّلاثينيّات من القرن الماضي مهَّدت لاندلاع الحرب العالميّة الثّانية، بالإضافة إلى أنّ الأزمات الدّوليّة التي شهدتها فترة الحرب الباردة كادت تفضي إلى مواجهة بين القوّتين العظميين. وتُجمع أدبيّات الأزمة الدّوليّة على أنّ أزمة الصّواريخ الكوبيّة عام 1962 كانت نقلةً نوعيّة في مجال الاهتمام بدراسة الأزمات الدّوليّة، نظرا لما اتّسمت به إدارة هذه الأزمة من درجة عالية من المرونة في ظلّ ظروفٍ دوليّة حرجة من حيث الحاجة إلى سرعة اتّخاذ قرار خلال زمنٍ محدود ودرجة رشاده عالية، نظرا لما كان من الممكن أن يترتّب على إدارة هذه الأزمة من مواجهة بين القوّتين النّوويّتين العظميين. وبالرّغم من زيادة الاهتمام بدراسة الأزمات الدّوليّة منذ ذلك الوقت، إلّا أنّ المكتبة العربيّة مازالت في حاجة إلى المزيد من الأبحاث والدّراسات العلميّة عن الأزمات الدّوليّة، خاصّةً في ظلّ الظّروف التي يشهدها العالم والتي أدّت إلى تزايد الاتّجاه نحو عسكرة الأزمات الدّوليّة.

مراجعة الأدبيّات السّابقة

تعدّ أدبيّات مدرسة النّسق، التي اهتمّت بدراسة العلاقة بين الأزمة الدّوليّة والنّظام الدّوليّ، أهمّ إسهام نظريّ في مجال إدارة الأزمة الدّوليّة من منظور النّظام الدّوليّ، حيث قدّمت كورال بيل Coral Bell كتابا بعنوان "اصطلاحات الأزمة: دراسة في الإدارة الدّبلوماسيّة"، وركّزت في هذه الدّراسة على مفهوم توازن القوى في النّظام الدّوليّ باعتباره عاملا أصيلا يَحول دون اندلاع الحروب، كما تناولت هذه الدّراسة أنماط السّلوك التي تَحُول دون تحوّل الأزمات إلى حروبٍ كبرى، وتطرّقت إلى أدوات إدارة الأزمة الدّوليّة ووسائلها، وأيضا مشكلات إدارتها، خاصّةً إذا تزحزح النّظام الدّوليّ من نمط القطبيّة الثّنائيّة ليأخذ شكلا آخرَ من أشكال القطبيّة.

كما قدّم تشارلز ماكليلاند Charles McClelland دراسة بعنوان "الأزمة الدّوليّة: بدايتها وامتدادها وما بعدها، دراسة مقارنة لمنطقتي صراع". وتركّز هذه الدّراسة على تحوّل العلاقة بين الدّول ذات السّيادة من علاقة السّلم إلى علاقة الحرب.

وقدَّم كلّ من Glen H. Snyder، Baul Diesing دراسةً قيِّمة بعنوان "الصّراع بين الأمم: المساومة، هيكل النّظام وصناعة القرار في الأزمات الدّوليّة" حيث تناولت تأثير النّظام الدّوليّ في سلوك الدّول في الأزمات الدّوليّة وقت حدوثها، كما قدّمت تحليلًا وافيًا لإدارة الأزمة الدّوليّة في مرحلة التّعدّديّة القطبيّة، وإدارتها في مرحلة الثّنائيّة القطبيّة، وأوضحت أثر طبيعة الأحلاف الدّوليّة في إدارة الأزمة الدّوليّة.

ويعتبر الكتاب الذي حرّره Charles F. Herman (الأزمة الدّوليّة: جوانب من البحث السّلوكيّ) من أهمّ الكتب التي قدّمت الأساس النّظريّ لدراسة الأزمات الدّوليّة، وبحث في مختلف جوانبها، كما أنّه يُعدّ نقطة البداية للمهتمّين بدراستها.

وبجانب هذه الدّراسات، توجد مجموعةُ كتبٍ أخرى قدّمت إسهامات مفيدة في مجال دراسة الأزمة الدّوليّة، منها كتاب James L. Richardson (دبلوماسيّة الأزمة). والذي حاول من خلاله الاستعانة بنتائج الدّراسات التي تناولت الأزمات الدّوليّة الكبرى والمشهورة في دراسة الأزمات الدّوليّة الأقلّ شهرة. كما سعى إلى تحديد الملامح العامّة لدبلوماسيّة الأزمة من خلال بحث كلّ حالة داخل إطارها التّحليليّ العامّ، وتقييم الاتّجاهات النّظريّة المختلفة لدراسة سلوك الأزمة في ضوء هذا التّحليل. وتحاول دراستنا الاستفادة من هذا الكتاب في الجزء الخاصّ بدراسة علاقة الأزمة بالنّظام الدّوليّ، وتَأثّر هذه العلاقة بالتّغيّر في النّظام الدّوليّ.

ويركّز كتاب Richard Clutter Buck (الأزمة الدّوليّة والصّراع)على تحليل العلاقة بين اندلاع الحروب والأزمات الدّوليّة، باعتبار أنّ نهاية الحرب الباردة تركت العالم غير مستقرّ، وهو أمر كان ينذر بطبيعة الحال باندلاع العديد من الأزمات الدّوليّة مستقبلًا. وقدّم هذا الكتاب تحليلًا عميقًا للعديد من الأزمات الإستراتيجيّة الدّوليّة في مراحلَ زمنيّة مختلفة، من منطلق أنّ دراسات الحالة تلعب دورا مهمّا في بلورة رؤية عن المشكلات التي قد تندلع مستقبلا، لأنّ عمليّة التّحليل للأزمات الماضية والمعاصرة تساعد على معرفة كيفيّة التّعامل مع مشكلات المستقبل.

وهناك العديد من الدّراسات الأخرى التي تستفيد دراستنا من التّراكم المعرفيّ الذي أنتجته، مثل دراسة Ole Holsti (نظريّات صناعة قرار الأزمة)، ودراسة Alexander L. George (تجنّب الحرب: مشكلات إدارة الأزمة الدّوليّة)، حيث اهتمّت هذه الدّراسات بتوضيح معنى الأزمة الدّوليّة وتحديد خصائص موقف الأزمة، والإستراتيجيّات والأدوات التي تستخدمها الدّولة في إدارة موقف الأزمة.
nahda2011

هيثم البشلاوى(باحث فى الأدارة الأستراتيجية)

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 134 مشاهدة
نشرت فى 29 مارس 2012 بواسطة nahda2011

هيثم عادل البشلاوى

nahda2011
سنحيا طالما مصر تحيا لذا لن نموت »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,803