حين تتمرد الكلمات \ الكاتبة الفلسطينية ناديا كمال
في عالم الكبار يسود الصمت القاتل ، وتهرب منه الكلمات لتبحث لها عن ملجأ ، عن وطن ، أو حتى سكن ،فلا تجد سوى السراب ، تبحث في الأزقة والطرقات عن ذكرى جغرافية وعناوين منسية ودلائل لأمجاد وحضارات قديمة جسّدتها بطولات الأجداد ...كما تبحث في جنبات التاريخ وبين سطور الكتب أو حتى العناوين المغلّفة بماء الزعفران عن حروفها التائهة في ظلمات الأحداث العصرية ، و ترتجي حلو العبارات من بين الجدران المُلّونه بالأحمر القاني والسماء المتشحة بالسواد ، علّها تهتدي لسبيل يخلصها من ألم الحيرة ونار الصمت ، لا سبيل ... فتنذوي بعيدا عن اّفاقها ،تُحلّق في سَماء الكون وترنو باحثة عن بقايا حُروف تنطق لو كلمة حق واحدة في وجه سلطان جائر ، أو صوت كاالمعتصم يقول لبيك لبيك لإمرأة تصرخ وامعتصمااه في ظلمات الليالي الباردة تستنجد بمروءته فما خيّب اّمالها أبدا ، أو كلمة صدق يسودها عدل عمر فتغدو أثمن من اللؤلؤ والمُرجان ...فتجد أفواها قد علت صادحة بها منادية بالتغيير في هذا الزمان العجيب وتخرج بعض
عندها تعلن الكلمات تمردها فينحلُّ عقدها ، وتتبعثر المعاني في زوايا الأحداث ، في الطرقات والأزقة والزوايا ، تتناثر الأفكار ، وتتشتت الرؤى ، ولا يبدو في الافق إلا سواد حالك ، يحوم حول عاصفة الأفكار المزمجرة لتعلن الغضب على كل تفاصيل الحياة البالية ، تريد أن تعبّر عمّا يدور داخل الإنسان البسيط ،وما يجري على أرض الواقع من أحداث ،فتجد حاجزا حديديا صلداً يتصدى لها ...فتلوذ بحروفها بعيدا لاجئة الى جبل جليدي قاسِ...ربما فيه تجد منفذا لها ، أو تذوب في عالم النسيان .... من للكلمات يحييها من جديد ، ويخلع عنها ثوب الحزن السوداوي الكاذب ؟؟ ويلبسها ثوب المصداقية والشفافية وحسن التعبير ، لتعود عن تمردها وتتألق من جديد ،لو كانت الكلمات تنطق لصرخت من هول ما صنع بها السفهاء الذين يمسكون زمام الأمور في عوالمنا وأوطاننا ، ولأعلنت الحرب على كل الألسنة والأفواه التي عرّتها من مصداقيتها وداست عليها بحكم اتخاذ القرار ، ولشكّلت بحروفها التاريخية جسرا من التحدي لتتصدى لكل من كذبوا من خلالها واتخذوها منبرا لألاعيبهم القذرة وداسوا بها على كل القيم والمباديء الإنسانية وضيّعوا بها الأوطان ، وهدروا كرامة الإنسان ..
ربما تكون مجرد كلمات كما يظن البعض ، ولكننا لوفكرنا جيدا ،فكلماتنا هي مصدر افعالنا ، فما نفع الأفعال اذا لم نتوجها بكلمات صادقة تعبر عنها وترتقي بها وتزفها نحو اّفاق النجاح المرتقبة، وما نفع الكلمات اذا لن تتبعها الأفعال وتؤكدها ، الإثنين يكملان بعضهما ،فبالكلمات والحروف تنهض الأمم وبها تنحدر الى أسفل سافلين ، وبالأفعال تسترد الحقوق او تنتهك الحريات ،وما أروع الكلمات والأفعال حين نسخرها في سبيل الحق والعدل والخير ، وما أقسانا عليها حينما نستغلها في الاتجاهات المعاكسة ..وفي النهاية أقول لصناع القرار
بقلم : ناديا كمال |
ساحة النقاش