أرض الياسمين \ الكاتبة ناديا كمال - القدس
وضعوها في أرض جميلة معبقة بالياسمين ،مفروشة بورق الورد وزهر الرمان ... ..وقالو لها هنا جنتك هنا بيتك هنا أهلك وأحبتك،هنا الأمان ،فما كان منها إلا أن أفرغت كل ما في جعبتها من العطر ونشرته شذى يعبق في أجواء المكان ..فتعطر به كل من كان ، وغدت هي وهم ،طيورا مغردة تسافر كل لحظة على أجنحة الشوق والمحبة،إلى تلك النجمات البعيدة هناك يحرسها القمر ..تنسج من الياسمين عقدا للفرح ومن السوسن إسورة للأماني ومن زهرة البيلسان تنسج خاتما للأحلام ،وترسم بألوان الطيف حياة جميلة ،جدرانها الطهر والنقاء وسقفها المحبة والخير، والعطاء ...
قالو لها : لا تحزني ،هنا ،لا مكان للأحزان ،هنا نحن معك ،نتقاسم أحزانك وأحزاننا ،نحمل عنك وتحملين عنا هم الأيام وتعب السنين ،فكان وكان ..جنة نضيرة .. كلهم كانوا ملائكة بها ،وحوريات ،استمتعوا جميعا برائحة العطر ،ولعبوا ،حلموا ،عانقوا الأماني ،وفتحوا دروب سعادة خيالية ،عاشوها معا،ونسجوا من الياسمين جسرا يصل بينهم كلما أوصدت أبواب اللقيا والحنين .. كانت تظن أن السعادة طرقت أبوابها أخيرا بعد عناء سنين ،وأن كل جراحها قد برئت في هذا المكان العجيب ،وأن الصدق والحب والطهر هم أصحاب الدار ...ولا مكان للحاقدين والكاذبين والغادرين..شعرت بالأمان لأول مرة في حياتها ،كيف لا ،وقد كانوا لها الماء والهواء ،كيف لا ،وقد أصبحت هي وهم كالروح الواحدة في جسد واحد ..كيف لا وقد وجدت فيهم كل معاني الإنسانية
مرة كانت حورية تتنقل بين النجمات ،تغازل القمر وتصافح السماء ..ومرة كانت عصفورة مغردة تعزف أغاني الشوق على شباك الحيارى ..التائهين ..فتزرع البسمة على وجوههم ..في كل وقت ،وحين ..ومرة كانت فراشة ملونه تتنقل بين الورود ،تنتشي من كل وردة عطرها الأخاذ ..لتنشره شذى في أجواء الاخرين ، يفيض جمالا وحبا وعطاء ..وطهرا ،لم يهن عليها ذاك المكان
لكن ،في ليلة ،ظلماء ،ساكنة،حزينة ،وهي تقتطف مع الجميع اّخر وريقات الفرح ،هبّت رياح هوجاء مزمجرة على المكان، لكي تدوس على كل ما هو جميل في حياتهم الخيالية ..تلك الحياة الأشبه بالجنة ..تبعثر كل شيء حولها ،حتى الأمان ،ما عاد له وجود،تشتت الجميع وتفرقوا ،وتناثر العطر هنا ،وهناك ،والقوا به خارج جنتهم ،وتركوه يحترق بنار الحيرة والشك والاشواق .. ماذا حصل ؟؟ ماذا جرى ؟؟
ربما اجتاحتهم الوساوس والأقاويل وسوء الظنون والأوهام ،ربما قالوا عنها خانت الود ،وألقت بالجميع خارج مدارات أشواقها وقلبها، الحزين ،ربما قالوا عنها أنها سحرت من حولها بكلمات كاذبة مغطاة بالعسل والشوكولا ،ومعبقة بالرياحين ،ربما قالوا عنها حية رقطاء تنشر سمها في قلوب العاشقين،ربما قالوا ،وقالوا ،ويقولون ..!! مهما كان ومهما يكون ..!! فعهدها وعهدهم ليس حبرا على ورق ..ولا صورة في برواز ،ولا كلمات متقاطعة في جريدة يومية ،عهدهم هو دم يجري في الوريد ،وقلوب تنبض معا .. وروحا واحدة تتنفس نفس الأوكسين ، وأحلام وردية ،ووعود صادقة ..
عهدهم نبيل طهور كطهر مدينتها الحزينة ..صاف نقي كنقاء البحر وصفاء السماء ،ومن كان هذا عهده لا يخون ،لا يخون ،فإياكم أحبتي أن تصدقوا سوء الظنون ..
ناديا كمال / القدس |
ساحة النقاش