إن القوة ـ كما أوضحت تعريفاتها ـ ليست التأثير ، وإنما القدرة على التأثير . وتستند هذه القدرة على امتلاك الدولة إمكانيات (خصائص ، موارد ، قدرات ، مؤسسات) معينة تشكل مقومات القوة القومية Elements of National Power التى تمكنها من التأثير على سلوكيات الدول الأخرى فى الاتجاهات التى تحقق مصالحها، كالمساحة الجغرافية ، وعدد السكان ، والموارد الطبيعية ، والقدرات الإقتصادية ، والقوة العسكرية ، والبنية التكنولوجية ، والفعاليات الثقافية، والمؤسسات السياسية ، والحالة المعنوية للشعب ، وغيرها .
لكن ، على الرغم من أن هذه الإمكانيات المتداخلة تشكل فى مجموعها عوامل القوة الشاملة لأى دولة ، فإن هناك اختلافات أساسية فيما بينها ، ترتبط باعتبارات عملية ، تتصل بالقدرة على استخدامها فى عملية التأثير ، خاصة خلال المواقف التى يتعرض فيها أمن الدولة أو مصالحها الحيوية لتهديدات أو ضغوط حادة من الخارج . واستناداً على تلك الاختلافات ، يتم التمييز فى تحليل مقومات قوة أى دولة ـ أى الإمكانيات العامة التى تستخدمها فى عملية التأثير ـ بين مستويين (يوضحهما الشكل التالى ) هما :
عناصر القوة القومية
مصادر القوة قدرات القوة
(أسس القوة) (أدوات القوة)
الأول : مصادر القوة Power Resources ، وهى عناصر القوة التى تمثل موارد عامة ، يمكن أن تستخدمها الدولة على المدى الطويل لامتلاك أو تطوير قدرات معينة تستخدم فى التأثير ، مثل الموقع الجغرافى ، وعدد السكان ، والموارد الإقتصادية ، والقاعدة الصناعية ، والإمكانات العلمية ـ التكنولوجية ، والقيم الثقافية . فالسكان ـ على سبيل المثال- لا يستخدمون مباشرة فى الحروب ، وإنما العناصر المنظمة القادرة على حمل السلاح منهم ، والتى تسمى عادة جيشا . وتمثل هذه المصادر عموما أسس لقوة الدولة .
الثانى : قدرات القوة Power Capabilities ، وهى عناصر القوة التى تمثل قدرات محددة يمكن أن تستخدمها الدولة مباشرة فى عملية ممارسة التأثير على المدى القصير ، كالقوات المسلحة ، والإحتياطيات النقدية ، والأدوات الدبلوماسية ، وأجهزة الاستخبارات ، فالجيوش عادة ما تكون فى وضع استعداد لاستخدام القوة المسلحة فى أى وقت تتعرض فيه الدول للتهديد . وتمثل هذه القدرات عموما (والتى سيتم تناولها فى الفصل التالى) أدوات لقوة الدولة.
وبداية ، فإنه فيما يتصل بأسس القوة (التى يركز عليها هذا الفصل) ، تبدو الصورة معقدة إلى حد كبير . فعلى الرغم من أنه يصعب استخدامها فى ممارسة التأثير بشكل مباشر على المدى القصير ، كقاعدة ، توجد بعض الإستثناءات بشأنها ، إلا أنها تعتبر ذات أهمية قصوى لقوة الدولة بصفة عامة ، لعدة اعتبارات، أهمها ما يلى :
1 - أنها تمثل العامل الأساسى فى تحديد وزن الدولة ضمن هيكل القوة العالمى . فعلى الرغم من الدور الحيوى الذى تلعبه القدرات المحددة (العسكرية ، المالية .. الخ) فى تشكيل موقع الدولة على خريطة النظام السياسى الدولى ، إلا أن عدم استناد تلك القدرات على موارد كبيرة يحد من تأثيراتها على هذا المستوى . فتصنيف دول العالم الى قوى عظمى ، وقوة كبرى، ودول متوسطة القوة (قوى اقليمية كبيرة) ، ودول صغيرة ، يرتكز عادة على أسس القوة ذات الطبيعة الثابتة نسبيا . فإنهيار أسس قوة الإتحاد السوفيتى هبط بالدولة الوريثة (روسيا الإتحادية) من مصاف القوى العظمى الى مواقع الدول الكبرى رغم امتلاكها قوة عسكرية تعادل القوة العسكرية الأمريكية . وامتلاك كل من الهند وباكستان لأسلحة نووية ، لم يحولهما من دول متوسطة القوة إلى قوى كبرى ، وحيازة بعض دول جنوب شرق آسيا ، أو الخليج العربى قدرات إقتصادية أو مالية كبيرة لم يؤد إلى تعديل أوضاعها فى هيكل القوة العالمى .
2 - أن طبيعة (كم وكيف) الموارد المتوافرة لأى دولة هى التى تحدد طبيعة القدرات التى يمكنها امتلاكها ، أو بعبارة أخرى نوعية أدوات القوة المتاحة لها ، لكى تستخدمها فى إدارة علاقاتها مع الآخرين ، فدول مثل السلفادور أو موريتانيا ، التى تمتلك إمكانيات محدودة ، أو غير متطورة بدرجة معينة ، لا يمكنها ـ حتى لو أرادت ـ أن تنتج أسلحة نووية تؤثر بها فى الآخرين ، أو أن تكون لديها شبكة إعلامية تغطى العالم ، أو أن تبعثر عدة ملايين من الدولارات سنويا كمعونات خارجية لسبب أو آخر ، بعكس دول أخرى كفرنسا أو بريطانيا ، تمتلك إمكانيات كبيرة تتيح لها بناء جيوش قوية ، وقواعد عسكرية خارج أراضيها، وامتلاك وسائل إعلام وبرامج معونات خارجية ذات تأثير ، وإن كان توافر الموارد لا يتيح أوتوماتيكيا امتلاك القدرات ، وهناك محددات مختلفة تحيط بذلك . فالعلاقة هنا غير مباشرة ، لكنها واضحة .
المصدر: أ. محمد عبد السلام - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN63.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
284,134
ساحة النقاش