3 - أن تأثيرات أسس القوة على علاقات القوة بين أى طرفين قد تكون حاسمة على المدى الطويل ، بشروط معينة ترتبط بالكيفية التى يتم توظيفها بها . فقد كانت القوات الألمانية قد تمكنت عام 1942 ، خلال الحرب العالمية الثانية ، من إلحاق الهزيمة بالقوات الروسية ، والتوغل فى أراضى روسيا، إلا أن اتساع وعمق مساحة روسيا ، ومناخها قارس البرودة ، قد أدى الى إرهاق القوات الألمانية ، التى اضطرت للانسحاب تحت وطأة الضربات غير النظامية للقوات الروسية ، كما كانت اليابان قد قامت بعملية مفاجئة ضد الولايات المتحدة عام 1941، حطمت فيها الأسطول الأمريكى فى بيرل هاربور ، بحيث تمكنت من السيطرة الكاملة فى منطقة الهادى ، واضطرت القوات الأمريكية إلى إخلاء الفلبين ، لكن خلال سنوات قليلة ، تمكنت الولايات المتحدة من إعادة بناء قوتها العسكرية ، لتقوم باجتياح القوات اليابانية فى آسيا ـ الهادى ، وهزيمة اليابان واحتلالها عام 1945 .
إضافة إلى كل ذلك ، فإن بعض موارد القوة يمكن أن تستخدم مباشرة فى التأثير على سلوك الأطراف الأخرى كقدرات قوة ، والمثال الشهير على ذلك هو استخدام الدول العربية للبترول كسلاح ، يحظر تصديره إلى الدول الداعمة لإسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973 ، فى ظل ملامح معينة لأسواق البترول ومصادر الطاقة خلال السبعينات ، كما أن الدول يمكن أن تستخدم إمكانياتها المالية مباشرة فى منح المساعدات الإقتصادية للدول الأخرى ، فبعض الموارد الاقتصادية / المالية تمثل أسس قوة و أدوات قوة فى الوقت نفسه .
فى هذا السياق ، فإن محاولة الحصر الدقيق للعناصر التى تشكل أسس القوة لأية دولة تبدو أحيانا وكأنها مهمة مستحيلة . فالدول تتكون من أرض وشعب وحكومة ، ثم عنصر السيادة التى يفترض على أساسه قدرة الدولة على السيطرة على ثرواتها ومواردها ، وتعبئتها فى الاتجاهات التى تحقق مصالحها دون مؤثرات خارجية هيكلية . وتتشكل أسس القوة القومية للدولة استناداً على تفاعل تلك العناصر الرئيسية الثلاثة (الأرض ، الشعب ، الحكومة) ، وهى العناصر التى تحدد ـ مبدئيا ـ حجم الدولة من حيث الصغر والكبر . فهناك دول صغيرة الحجم كغانا وسويسرا ، ودول كبيرة الحجم كالولايات المتحدة والهند ، بصرف النظر عن مستوى تقدم (تحديث) كل دولة، إلا أن لكل عنصر تعقيداته الخاصة ، التى يمكن الإشارة إليها كالتالى :
أولا : الأرض:
ويعبر عنها عادة بالعامل الجغرافى الذى اعتبر من جانب الإستراتيجيين الأوائل أهم عوامل قوة الدول ، فى ظل ظروف عصورهم بالطبع ، ويشتمل العامل الجغرافى على عدة عناصر أساسية ذات أهمية واضحة بين كل عناصر (أو موارد) قوة أى دولة ، منها:
1 - الموقع الجغرافى . فهناك دول تحتل مواقع استراتيجية متميزة على خريطة العالم مثل مصر ، بينما تقع دول أخرى فى مناطق متطرفة معزولة كأيسلندا ، أو حبيسة كتشاد . وتبعا للمقولات السائدة فإن مواقع الدول (مثل مواقع العقارات أو الشقق) تمثل عنصر قوة أساسى فى تقييم وزنها (ثمنها) ، خاصة إذا كانت تسيطر على ممرات مائية دولية رئيسية كقناة السويس ، أو باب المندب ، أو الدردنيل . ويرتبط بذلك أيضا موقع الدولة بالنسبة للبحار والمحيطات ، والذى يحدد طول سواحلها ومنافذها البحرية التى تتيح لها انفتاحا على العالم وثروات بحرية إضافية ، وكذلك موقعها الفلكى على خطوط الطول والعرض ، الذى يؤثر على مناخ الدولة الذى سادت بشأنه نظرية مثيرة فى الماضى تربط بين المناخ الحار والتخلف، وبين المناخ البارد والتقدم . يضاف الى ذلك شكل وطبيعة حدود الدولة وعدد وخصائص الدول المجاورة لها، وهو عنصر يؤثر بشدة فى سياساتها وأمنها.
2 - المساحة الجغرافية ، فهناك دول مترامية المساحة كروسيا الإتحادية والبرازيل ، ودول صغيرة المساحة كالبحرين وبلجيكا. وتفترض التحليلات التقليدية أن اتساع المساحة يعنى قدرة الدولة على استيعاب أعداد أكبر من السكان ، مع تزايد احتمالات وجود الثروات الطبيعية، وتمتع الدولة بعمق استراتيجى طبيعى ، بما يدعم قوتها ، لكن ذلك ليس حتميا فى كل الأحوال ، فوقوع كندا فى مناطق باردة يقلص من أهمية مساحتها ، وقد تتمتع دول صغيرة بموارد كبيرة كالكويت . كما أن شكل الدولة من حيث التضاريس الطبيعية (جبلية ، سهلية) ، أو الحدود الخارجية ، أو كونها جزراً أو أقاليم قارية ، يؤثر بشدة على أهمية المساحة ، ويطرح تداعيات معقدة بالنسب لقوة الدولة .
3 - الموارد الاقتصادية . فإقليم (أرض) الدولة يشمل ما تحت الأرض من موارد إقتصادية طبيعية ، كمصادر الطاقة (البترول ، الفحم ، الغاز ، المواد النووية) ، أو ثروات معدنية (كالحديد ، والقصدير ، والذهب) ، إضافة إلى ما يوجد على سطح الأرض من تربة (ومصادر مياه) تتيح إنتاج الموارد الغذائية (كالقمح) أو الموارد الزراعية (كالقطن). ويشمل إقليم الدولة كذلك ما حول الأرض من مياه إقليمية فى البحار والمحيطات ، وإمتداداتها تحت البحر (الجروف القارية) . وتتمثل أهمية الموارد الإقتصادية فيما تتيحه للدولة من قدرات مالية تمثل عنصر قوة مزدوج (مورد + قدرة) ، كما أنها تمثل الأساس المادى للنمو الإقتصادى، والتبادل التجارى فى إطار الإقتصاد الدولى . وتتفاوت الدول بشدة من حيث امتلاك أو عدم إمتلاك مثل هذه الثروات ، وتأثيراتها على قوتها فى حالة وجودها أو عدم وجودها .
المصدر: أ. محمد عبد السلام - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN63.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
284,123
ساحة النقاش