ثانيا : الشعب:
ويعبر عنه عادة بالعامل الديموجرافى (أو البشرى) ، أو السكان ، الذى يمثل وزنا جوهريا بين أسس قوة الدولة ، إذ أنه يتيح لها قوة العمل اللازمة لإدارة شئونها ، وتطوير اقتصادها ، كما يتيح لها القوة البشرية اللازمة لإمداد القوات المسلحة باحتياجاتها من الأفراد، وقد يمارس نمط القيم والثقافة السائدة فيه، وإرادته القومية، أدوارا مباشرة كأدوات قوة تؤثر فى الشعوب الأخرى. لكن ذلك كله يتم فى ظل تباينات شديدة فى تقييم العلاقة بين العامل البشرى وقوة الدولة، بفعل المتغيرات الوسيطة لتلك العلاقة. ويشتمل هذا العامل ، على عناصر فرعية عديدة، أهمها :
1 - عدد السكان ، وهو العامل الأكثر بروزاً ضمن عناصر القوة البشرية . فهناك دول يزيد تعدادها عن مليار نسمة كالصين والهند ، ودول تعانى من نقص حاد فى عدد السكان ، كدولة الإمارات العربية المتحدة ، مع تفاوت نسب نمو هذا العدد من دولة لأخرى ، بين حالات ينمو سكانها بأسرع من قدرتها على الإستيعاب، وأخرى تتوازى فيها أعداد المواليد مع معدلات الوفيات، وفى بعض الحالات المثيرة يتجه عدد السكان الى النقصان . وتتضح معالم هذا المؤشر أكثر بإضافة كثافة السكان إليه ، أى نسبة عدد السكان الى مساحة الدولة القابلة للحياه فيها، وتكمن أهمية ذلك فى أنه يوضح حجم الضغط على الموارد ، وشكل (نمط) الحياة فى الدولة ، وتشكل دول مثل بنجلاديش والهند والسويد والدانمارك حالات صارخة لتفاوتات الكثافة، وإشكالياتها المختلفة . وتبعا للمقولات التقليدية ـ التى تقلصت أهميتها فى العصر الحديث ـ فإنه كلما زاد حجم السكان (وقلت كثافتهم) كلما كان ذلك يدعم قوة الدولة عموما .
2 - توزيع السكان ، وهو عنصر رئيسى تتحدد بناء عليه (بمفهومه الواسع) القيمة الحقيقية لعدد السكان كمورد قوة أساسى للدولة . ويتضمن عددا لا حصر له من المؤشرات منها التوزيع العمرى للسكان ، الذى يبين قوة العمل والوعاء التجنيدى فى الدولة ، ومعدلات الإعالة الإقتصادية فى المجتمع ، ويشير إلى بعض المشكلات السياسية المحتملة . ومؤشر التوزيع الجغرافى للسكان على أقاليم ، أو مدن وأرياف ، الدولة ، الذى يبين مستويات التحضر، وأوضاع المدن، وتحركات السكان . ومؤشر التنوع العرقى ـ الدينى لسكان الدولة، فوجود مشكلات عرقية، أو حساسيات دينية يؤثر بشدة على التجانس الإجتماعى ، وقد يعرض الدول لمشكلات حادة ، كما هو قائم فى العراق ، أو الجزائر ، أو السودان ، أو رواندا وبوروندى ، أو منطقة البلقان، أو إندونيسيا ، أوبريطانيا وكندا ، يضاف إلى ذلك التوزيعات الأخرى المتصلة بمؤشرات التنمية البشرية المختلفة ، من تعليم وصحة وخدمات ، فهى التى توضح حالة السكان فى الدولة .
إن الربط بين عدد السكان وقوة الدولة ، ربط مجرد، كما هو واضح لا يفيد الكثير ، والتأثير المحتمل للعامل السكانى كمورد قوة فعال ، يرتبط باعتبارات معقدة (أهمها مستوى التنمية البشرية) إلى درجة يصعب معها إصدار أحكام محددة ، بعيدا عن ظروف كل دولة ، أو مجموعة من الدول المتشابهة ، على حدة .

ثالثا : الحكومة:
ويرتبط هذا العامل بالإطار السياسى المؤسسى الذى تتفاعل فيه أسس (موارد) القوة الأخرى للدولة ، على نحو يمكن أن يفرز أو لا يفرز قدرات (أدوات) قوة مؤثرة، إذ أنه هو الذى يخلق النظام System الذى يمكن فى إطاره تحويل الموارد إلى قدرات، أو إهدار الموارد المادية والبشرية وتبديدها . فدولة مثل روسيا الإتحادية تمتلك أسس قوة هائلة (مساحة ، سكان ، موارد ، خبرات ، ثقافة) تمكنها من أن تكون قوة عظمى متكاملة ، إلا أن سلبيات النظام السياسى قد أدت إلى تحولها لدولة تعانى من مشكلات واختلالات مزمنة، إضافة إلى ما يمثله جهاز الدولة ذاته (بمؤسساته الدبلوماسية ، والثقافية ، والأمنية) من أدوات قوة تمارس تأثيراتها مباشرة على الساحات الإقليمية والدولية ، لتحقيق مصالح الدولة .
وقد قدمت دراسات تحليل القوة مؤشرات مختلفة بشأن العناصر المرتبطة بقدرة النظام السياسى ، سواء أكان يتم النظر إليها ، كمتغيرات وسيطة تحكم عملية تحويل الموارد إلى أشكال وأنماط جديدة لعناصر قوة الدولة ، أو كعناصر قدرة مستقلة تضاف (كأدوات) إلى إمكانيات الدولة . لكن يمكن الاقتصار على رصد ما يلى :
أ - استقرار النظم السياسية ، فهناك نظم سياسية غير مستقرة، بمستويات أدت إلي انهيار هيكل السلطة المركزية ، وتفكك الدولة فى بعض الأحيان ( يوغوسلافيا ، الصومال) ، أو تفجر العنف المسلح داخل الدولة لفترة طويلة (أفغانستان) ، ونظم سياسية تمتلك مؤسسات مستقرة تكفل إدارة العملية السياسية داخل الدولة دون مشكلات قائمة أو محتملة ، وتتيح إتخاذ القرارات القومية على أسس تتسم بالعقلانية وفق قواعد محددة ، كمعظم النظم السياسية فى أوروبا الغربية .
ب - أداء النظم السياسية . ويرتبط هذا العنصر بكفاءة النظام السياسى فى إدارة شئون الدولة ، وامتلاكه الكوادر التنظيمية والمهارة الفنية اللازمة لتعبئة واستخدام الموارد الأساسية لصالح المجتمع ، بدءا بجمع الضرائب ، مرورا بتطوير الاقتصاد وتحديث القوات المسلحة ، وصولا الى إدارة السياسة الخارجية ، فهناك دول تفتقر إلى الموارد كاليابان تمكنت من تعويض النقص عبر تطوير المهارات التنظيمية والفنية ، والحالات العكسية تشمل معظم دول جنوب العالم .
وتركز تحليلات عديدة على عنصر تعتبره شديد الأهمية ، هو التأييد الشعبى للنظام الذى يمثل سبب ونتيجة (مع اختلاف النسب) فى علاقته بالاستقرار والأداء السياسيين، ويمثل كذلك مورد قوة فى الوقت نفسه ، فالنظم السياسية بدون غطاء شعبى تصبح فى مهب الريح .
وهكذا، فإن موارد القوة تمثل عنصرا رئيسيا للقوة القومية ، لكن مشكلتها هى أن تأثيراتها لا تسير فى اتجاه واحد ، كما أن تحولها إلى أدوات قوة يتوقف على عوامل مختلفة ، وبالتالى فإنها تمثل فى الغالب قاعدة لقوة الدولة ، حيث يتم النظر إليها كأساس يمكن استنادا عليه تحويل القوة الكامنة ـ بدرجة أكبر أو أقل ـ إلي قوة فعلية ، إضافة إلى ما تقدمه أحيانا من تفسيرات جزئية لعملية التأثير فى حالات عديدة .

المصدر: أ. محمد عبد السلام - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN63.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 156 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,476