إن امتلاك القدرات Power Capabilities هو الحقيقة الأساسية فى ممارسة القوة . فكل الدول ترغب فى أن تؤثر على الدول المحيطة بها ، أو ذات العلاقة بمصالحها ، على نحو يحافظ على أمنها ، ويطور اقتصادها ، ويدعم مكانتها ، مع ضمان استمرار ذلك فى المستقبل، لكن تلك الأهداف ستظل مجرد رغبات إذا لم تترافق مع وسائل أو أدوات يمكن من خلالها تحويلها إلى واقع . فالوسائل ـ مثل المال بالنسبة للأفراد على سبيل المثال ـ هى التى تحدد القوة الشرائية لكل دولة مما هو متوافر فى السوق العالمية من سلع وخدمات ، أى حجم ونوعية ما يمكنها الحصول عليه من أمن ورفاهية أو مكانة ، وقد عبر جوزيف ستالين (الزعيم الشهير للإتحاد السوفيتى الأسبق) ببرود شديد ، عن هذا المعنى ، ذات مرة ، عندما استبعد رأى البابا فى إحدى المشكلات المطروحة ، قائلا كم فرقة (عسكرية) لديه؟ ، على الرغم مما تمثله تلك العبارة من سوء إدراك لقوة وسائل التأثير المعنوى .
فى هذا الإطار ، تمتلك كل دولة فى العالم تقريبا مجموعة من وسائل القوة ، التى تتراوح بين أدوات رمزية تتشكل من عناصر محدودة الحجم والمهام ، ومؤسسات ضخمة ذات أذرع أخطبوطية تزيد ميزانياتها أحيانا عن الدخل القومى لدول أخرى بكاملها ، أهمها ما يلى :
1 - القوة العسكرية :
وتعتبرها معظم التحليلات العنصر الأكثر أهمية ضمن مكونات القوة القومية ، نظرا لخطورة الدور الذى تقوم به ، وطبيعة المهام الموكولة إليها ، وعنف التأثيرات الناتجة عن استخدامها ، ففشل القوة الإقتصادية لدولة ما قد يؤدى إلى الفقر ، بينما قد يعنى فشل القوة العسكرية لها الموت . وتشمل القوة العسكرية لأى دولة بصفة رئيسية قواتها المسلحة Armed Forces بأفرعها ( البرية ، الجوية ، البحرية ) وتسليحها ( التقليدى، فوق التقليدى، النووى) وكفاءتها القتالية ومواقع انتشارها ، إضافة إلى العلاقات الدفاعية التى تربط الدولة بالدول الأخرى ، بما تشمله من تعاون عسكرى أو تحالفات عسكرية ، ثم عنصر عسكرى فرعى مهم هو الصناعات الحربية التى توفر للجيوش الأسلحة والذخائر والقدرة على الحصول عليها وقت الحاجة ، وتطويرها فى المستقبل ، كما تشكل فى الوقت ذاته مورد قوة يمكن أن يدعم أسس اقتصادها ودفاعها على مستويات أخرى .
2 - القدرة الإقتصادية:
وهى أداة متشعبة الجوانب تمثل أحد أهم الوسائل متصاعدة الأهمية للقوة القومية للدول ، إضافة الى كونها ـ كما سبقت الإشارة ـ مورد قوة . وترتبط هذه القدرة بعدد هائل من الوسائل والأنشطة الخاصة بتصدير واستيراد (تجارة) السلع والخدمات ، وتبادل الثروة والمعاملات المالية ، ومنح المساعدات الإقتصادية، وأدوات الحماية التجارية ، والعقوبات والمقاطعات الاقتصادية ، ومنح أفضليات تجارية (كوضع الدولة الأولَى بالرعاية) ، وأدوات تحديد سعر صرف العملة الوطنية، والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة فى الخارج ، وكافة أشكال المفاوضات الخاصة بتنظيم التعاملات الإقتصادية، والتعاون الإقليمى. فقد أصبح الاقتصاد محور عمليات تفاعل واسعة النطاق بين الدول، لا تؤثر فقط على رفاهية الشعوب ، وإنما ـ أحيانا ـ أمن الدول .
3 - الأدوات الدبلوماسية:
وهى أدوات تقليدية قديمة استخدمت بأشكال شديدة التعقيد فى إدارة علاقات الدول ، وتطورت مع الوقت لتتضمن أنماطا عديدة من أشكال التأثير ، استنادا على شبكة من السفارات والقنصليات والمفوضيات التى لا تضم دبلوماسيين فقط ، وإنما ملحقين تجاريين وثقافيين وإعلاميين وعسكريين وعناصر استخبارات ، يعملون فى إطار أدوات القوى الأخرى . فلم تعد الدبلوماسية ترتبط فقط بالمراسم أو الترتيبات أو توصيل الرسائل ، وإجراء الاتصالات ، وتنظيم أوضاع المواطنين فى الخارج ، وإنما شرح السياسات وتوضيح المواقف ، والتنسيق السياسى ، وإجراء المفاوضات ، وعقد المعاهدات ، والتوصل إلى تفاهمات ، فقد أصبحت الدبلوماسية إطاراً لأنشطة واسعة النطاق تتم بين الحكومات والمؤسسات والممثلين فى المؤتمرات والمنظمات ، على نحو يصعب حصر حدوده .
4 - الأدوات الاستخباراتية :
وترتبط فى الأساس بعمليات جمع وتقييم المعلومات الخاصة بقدرات ونوايا وخطط وتحركات الأطراف الأخرى ذات العلاقة بمصالح الدولة ، على غرار ما تقوم به عادة أجهزة الاستخبارات مستخدمة وسائل الاستطلاع والتصنت والجواسيس، بالتوازى مع مهام مكافحة المحاولات التى تقوم بها الأطراف الأخرى لنفس الأغراض ضد الدولة المعنية.
إلا أن مهام أجهزة الإستخبارات كانت دائما أوسع من مجرد جمع وتقييم المعلومات، أو الدفاع ضد محاولات التجسس المضاد، إذ أنها عادة ما تقوم بالأعمال التى اصطلح على تسميتها فى العلاقات الدولية تقليديا بالنشاطات السرية ، التى تصل بالنسبة لبعض الدول الى تنفيذ أعمال الاغتيال والحماية والاختطاف والتوريط أو تهريب الأسلحة أو الأموال عبر الحدود، ودعم نشاطات أو جماعات أو أشخاص فى دول أخرى ، وعقد صفقات أمنية وسياسية، وكافة المهام الأخرى ذات الحساسيات الخاصة ، وقد اتسع نطاق اهتمامات تلك الأجهزة فى السنوات الأخيرة ليتطرق الى مجالات عمل جديدة كالإقتصاد والتكنولوجيا ، وأصبحت أوضاعها أكثر شفافية .
5 - الأدوات الرمزية :
وترتبط هذه النوعية من القدرات بمجموعة من الأدوات التى تهدف إلى التأثير فى أفكار الأطراف الأخرى (قوة الفكر) ، وتشمل وسائل الإعلام / الدعاية التى تصاعدت تأثيراتها بشدة فى عصر الأقمار الصناعية ، على غرار ماهو قائم فى المنطقة العربية بشأن القنوات الفضائية ، وتقوم هذه الوسائل بمجموعة من الأنشطة الموجهة الى التأثير فى أفكار النخب غير الرسمية والأفراد العاديين فى الدول الأخرى ، بهدف تسويق توجهات معنية ، أو الدفع فى اتجاه تأييد أو رفض وضع معين ، فقد أصبح الإعلام قوة ، خاصة مع تصاعد أهمية تأثيرات الرأى العام فى التوجهات السياسية للدول .
أما الأدوات الأيديولوجية الرمزية ، فإنها تهدف الى نشر تصور مثالى شامل لما ينبغى أن يكون عليه المجتمع فى المستقبل ، بما يحمله ذلك من قيم تخدم مصالح الدولة الفاعلة فى المدى الطويل ، كمحاولات الترويج للشيوعية فى فترة الحرب الباردة ، أو لما يسمى النمط الأمريكى للحياة، أو القيم الغربية، وتختلف الأدوات الثقافية عن الوسائل الدعائية والأيديولوجية فى أنها ترتبط بتوظيف الإنتاج الثقافى والتراث القومى فى التأثير على الشعوب الأخرى ، عبر الأقلام السينمائية أو المعارض الثقافية أو المهرجانات الدولية ، وإن كان ثمة نقاش واسع حول هذه القضايا كلها ، فى ظل توجه لإعادة النظر فى المقولات التقليدية ( على غرار ما قيل طويلا حول الغزو الثقافى ) المتصلة بها ، فى إطار العولمة .

المصدر: أ. محمد عبد السلام - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN64.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 635 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,130