كما أن وجود أحزاب متعددة يعطي فرصا للاختيار بين برامج وسياسات متباينة تتقدم بها الأحزاب المختلفة، ويسعي كل حزب منها الي الحصول علي تأييد المواطنين لبرامجه وسياساته في الانتخابات العامة ليحصل علي اغلبية تمكنه من تولي الحكم ووضع هذه البرامج موضع التنفيذ. علاوة علي أن وجود الأحزاب يكفل تحقيق المشروعات العامة بقدر أكبر من السرعة والفاعلية نتيجة التأييد الشعبي الذي تحققه الأحزاب الحاكمة لهذه المشروعات .
وقد أثبتت التجربة حاجة كل من الناخب والنائب لوجود الأحزاب السياسية . فالناخب يحس بالحاجة الي من يقوده ، ويقدم له برنامجا ، ويفسر له ما قد يكون غامضا عليه من الشئون العامة. والنائب كذلك يشعر بالحاجة الي جهاز منظم يزوده بالمعلومات اللازمة التي يعتمد عليها في المناقشات البرلمانية وتوجيه الاسئلة والاستجوابات، كما يشعر بالحاجة الي تعضيد زملاء له من النواب ينتمون الي نفس الحزب ، ويشكلون فريقا أو تكتلا برلمانيا يكون له من التأثير والفعالية أضعاف ما يملكه نائب منفردا .
وتفسر هذه الضرورة بردها الي عدد من المزايا التي تحققها تعدد الأحزاب مثل تنظيم وترتيب الأفكار والمبادئ السياسية والاجتماعية المختلفة ووضعها في شكل أولويات محددة يتم علي أساسها توجيه الفنيين للعمل علي تنفيذها عندما يصل الحزب الي الحكم.
وتعمل الأحزاب علي مساعدة جمهور الناخبين علي تكوين آرائهم السياسية . فاذا ترك كل ناخب وشأنه ، فإن الديمقراطية تصبح شيئا مستحيلا ، إذ يكون من الصعب ، في كثير من الحالات ، تكوين إرادة عأمة .
في هذا الاطار يمكن القول إجمالا ان الأحزاب السياسية تقدم الاطار الأكثر أهمية وملاءمة لتحقيق المشاركة السياسية وعدم قصرها علي فئة أو طبقة اجتماعية معينة خاصة مع اتساع وسائل الاتصال الجماهيري وانتشار التعليم. ذلك أن ظهور الأحزاب السياسية نفسها يمكن ان يزكي لدي الافراد الرغبة في الممارسة السياسية. علي أن مجرد وجود الأحزاب أوالنظام الحزبي لا يضمن بذاته تحقيق المشاركة السياسية . فهناك بعض النظم الحزبية التي تقلص المشاركة. وقد حدد بعض علماء السياسة عدة عوامل تؤثر علي قدرة النظام الحزبي في استيعاب أو قمع مطالب المشاركة السياسية أهمها :
-
القيم التي تتبناها النخبة الحاكمة عند تبلور النظام الحزبي، وهل تشجع هذه القيم علي توسيع قاعدة هذه المشاركة أم تقليصها .
-
الاجماع السائد في المجتمع حول موقع قيمة المشاركة وبالتالي حول دور النظام النيابي.
-
مدي مرونة النظام الحزبي وقدرته علي استيعاب الاجيال الجديدة الراغبة في المشاركة وتوفير فرص لهم.
علي ان الاستجابة الايجابية من جانب الأحزاب والنظم الحزبية لمطالب المشاركة يمكن تحليلها وفق أكثر من معيار، مثل درجة وصور المشاركة المسموح بها، واختلاف قدرة النظم الحزبية المختلفة علي تحقيقها .
من ناحية درجة أو صور المشاركة التي يسمح بها ، يمكن التفرقة بين المشاركة بالانتماء الحزبي المحدود ، والمشاركة بالانتماء الحزبي الكامل.
ويقصد بالنشاط الحزبي المحدود سماح النظام السياسي للجماعات المختلفة بتنظيم أحزابها الخاصة مع حرمانها من أي نافذة للحكم أو السلطة .
أما الانتماء الحزبي الكامل فيقصد به منح الأفراد والجماعات حقوق المشاركة السياسية الكاملة سواء من خلال الأحزاب القائمة أو إنشاء أحزاب جديدة .
4 -
التحديث والتنمية السياسية :
تقوم الأحزاب السياسية بدور هام في تحديث المجتمعات، أي تحقيق التطور من أوضاع تقليدية تقوم علي أعراف موروثة وذات طابع قبائلي أو عائلي أو مستمدة من تفسيرات معينة للدين ، الي اوضاع حديثة تقوم علي مؤسسات يتخصص كل منها في وظائف معينة وسياسات عقلانية قائمة علي الاختيار الشعبي.
وهذا هو ما يركز عليه مفهوم التحديث الذي يعرفه علماء الاجتماع والسياسة بأنه عملية تطور يحدث في ظلها تكيف للمؤسسات مع الظروف المتغيرة التي تنتج عن زيادة المعرفة الانسانية بشكل مستمر مما يسمح للانسان بالسيطرة علي البيئة التي يعيش فيها.
ولذلك يرتبط مفهوم التحديث علي هذا النحو بالتنمية السياسية التي يقصد بها - في ابسط معانيها - ترشيد ممارسات السلطة السياسية وجعل المجتمع أكثر قابلية للمشاركة في صنع القرارات العامة وزياة دور الرأي العام، وتوفير الظروف التي تكفل حل الازمات الناجمة عن التطور السياسي مثل ازمات الشرعية والمشاركة والتوزيع والهوية والتكامل.
واستنادا الي مجمل دراسات التنمية السياسية ، فإن المقومات الأساسية لمفهوم التنمية السياسية التي يفترض أن يسعي اليها المجتمع ، إنما تتمثل في ثلاثة مفاهيم أساسية وهي المساواة والتمايز والقدرة ، بمعني ان يعرف المجتمع قواعد ونظم تتسم بالعمومية وأن يكون هناك نوع من التخصص في الأبنية السياسية ، ويكون للنظام السياسي قدرة علي الاستجابة للمطالب الشعبية .
في هذا الاطار يربط بعض علماء السياسة تحقيق التنمية السياسية بالأبعاد الرئيسية للتحديث الذي سبقت الاشارة اليه ، والتي يمكن ادراجها تحت ثلاثة عناوين أساسية اولها : ترشيد السلطة، بمعني ان تستبدل بالسلطات التقليدية المتعددة (الدينية والعائلية والعرقية) سلطة سياسية موحدة وعقلانية ومؤسسات. وثانيها تمايز وظائف سياسية جديدة، وتنمية أبنية متخصصة لممارسة هذه الوظائف . وثالثها المشاركة المتزايدة في السياسة، من جانب الأفراد والجماعات في المجتمع .

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 86 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,176