ثانيا : وظائف الأحزاب في النظام التعددي :
تستند النظرية الديمقراطية في القول بضرورة التعدد الحزبي لممارسة حياة ديمقراطية ، الي عدد من المبررات والوظائف الذي تقوم بها الأحزاب في اطار النظام السياسي والتي يمكن تصنيفها علي النحو التالي :
1 - إدارة الصراع السياسي في المجتمع :
إن الأحزاب هي نوع من الجماعات المنظمة. ونزعة حب الانضمام أو الانضواء تحت لواء إحدي هذه الجماعات هي - كما يقول لورويل في مؤلفه عن الرأي العام - إحدي نزعات، بل غرائز النفس البشرية، وتلك الغريزة هي التي جعلت من الانسان مخلوقا اجتماعيا.
إن الانسان أودعت فيه - كما يقول برتراند راسل في مؤلفه عن الفرد والسلطة - كل الغرائز العدوانية، الي جانب غرائز الابتكار والبناء . وهذه الغرائز ينبغي اشباعها ، وفي مقدمتها غريزة المنافسة، فالأفراد لا يستطيعون ان يكونوا سعداء بلا تنافس بينهم لأن التنافس كان منذ ظهور البشرية حافزا علي القيام بأهم انواع النشاط . وهذا التنافس لا يمكن القضاء عليه ، ولكن يمكن تنظيمه ، حتي لا يتخذ شكلا ضارا باتجاهه الي العنف. ومن المسالك غير الضارة ، التنافس السياسي في إطار النظام الدستوري والقانوني.
وتلعب الأحزاب السياسية دورا هاما في ادارة الصراع السياسي في المجتمع بشكل يبعده عن دائرة العنف والتطرف. والواقع أن هناك عدة عوامل تتوقف عليها قدرة الأحزاب علي إدارة عملية الصراع السياسي بشكل سلمي. وتتمثل أهم هذه العوامل في :
- نوعية القيادات الحزبية، أي اتجاهات ومهارات تلك القيادات.
- مدي اتساع قاعدة الأحزاب السياسية وانتشارها في انحاء البلاد .
- طبيعة علاقة تلك الأحزاب بالهياكل الحكومية القائمة .
2 - ضمان الحريات العامة :
يعتبر تعدد الأحزاب أمرا ضروريا لصيانة حرية الرأي والتعبير والاجتماع . حيث لا يوجد أحد أو جماعة من الناس تستطيع أن تستأثر بالحقيقة الكاملة دون سائر الناس .
في هذا السياق فإن تعدد الأحزاب وحرية تكوين المؤسسات والجمعيات والمنظمات السياسية يكفل مبدأ حيويا في الحياة السياسية الديمقراطية ، وهو حرية المعارضة لكونها تمثل ظاهرة صحية في الحياة السياسية . فالديمقراطية لا تقوم فحسب علي أن للأغلبية حق الحكم، ولكن كذلك علي أن للأقلية حق المعارضة. وتبدو أهمية تعدد الأحزاب في جعل هذه المعارضة منظمة. ذلك أن مفهوم المعارضة معروف منذ القدم. وفي العصر الاغريقي كانت المعارضة تعني - كما يذكر هيرودوت في عرضه عن التاريخ - المواطن الذي لا يقبل صورة الحكم القائمة، والذي يجب أن تكون حقوقه وحرياته مكفولة، مقابل أن يحترم القانون القائم . فتعدد الأحزاب إذن ، يسبغ علي هذه المعارضة الفردية صفة التنظيم، مما يجعلها أكثر قوة وقدرة علي التأثير .
كما أن ممارسة الحريات والحقوق السياسية لا يمكن تحقيقها دون تنظيم ، والأحزاب هي التي تتولي ذلك التنظيم. والتنظيم - لدي روبرت ميتشيل أحد علماء السياسة - هو الوسيلة الوحيدة لخلق إرادة عأمة. وعلي هذا النحو، فالتنظيم في يد الجماعة الضعيفة سلاح من أسلحة الكفاح ضد الأقوياء ، لأن كفاحا ما لا يمكن أن تكون له فرصة للنجاح إلا إذا كان ثمة تضامن يجمع بين الافراد الذين يبتغون هدفا واحدا.
ويقوم تعدد الأحزاب ، في الأصل السليم، علي خلافات معينة في الرأي ، وفي تصور الحلول للقضايا الأساسية. والذين ينضمون الي حزب من الأحزاب إنما ينضمون إليه لأنهم يؤمنون برأي معين ، ويريدون أن يدافعوا عنه في ظل تنظيم يوفر لرأيهم وأفكارهم من القوة، مالا يمكن أن يتوافر لهم وهم أفراد . وفساد الأحزاب في بعض البلاد ، وعدم قيامها علي أساس مبادئ معينة لا يعني فساد نظام تعدد الأحزاب في جملته. وحتي القول بفساد النظام الحزبي لا يرتب نتيجة أن يكون البديل هو الحزب الواحد إلا إذا كان يراد للفساد أن يكون مركزا غير منتشر، وأن يكون مستورا غير مفضوح .
وبوجه عام ، فإن تعدد الأحزاب يكفل الضمانات الحقيقية لممارسة الأفراد لحرياتهم العامة .
3 - توسيع قاعدة المشاركة السياسية وتشكيل الرأي العام :
تساهم الأحزاب في تشجيع التجمع الانساني بكل صوره لتحقيق أهداف مشتركة، وبصفة خاصة، التجمع السياسي، وتدريب المواطنين علي العمل السياسي ، والمشاركة في شئون بلادهم، وتشجيع الفرد علي الإقدام علي هذه المشاركة بالانتماء الي جماعة سياسية منظمة في حزب من الأحزاب، ومن ثم شعوره بالأمن السياسي ، مما تتحقق معه الشجاعة الأدبية في ابداء الرأي في المسائل العامة.
ويكفل تعدد الأحزاب عنصر الاختيار للأفراد. فحرية انضمام الفرد الي حزب ما ، أو رفض الانخراط في عضويته، أمر له أهمية كبري في تحقيق الديمقراطية ، وذلك عن طريق تعدد التنظيمات المختلفة والمفتوحة أمام الأفراد وأمام الناخبين من أجل انتخاب ممثلين لهم في الحكومة. والتوزيع الاختياري لأصوات الناخبين بين التنظيمات الحزبية هو الذي يحدد ما يحصل عليه كل حزب من مقاعد في البرلمان والحكومة .
والأحزاب السياسية هي التي تقدم المرشحين الصالحين لتولي الوظائف النيابية والادارية والعامة ، وهي التي تقدم البرامج السياسية والطرق اللازمة لتنفيذها والوسائل الفعالة لنقد اعمال الحكومة . واذا كان الشعب في مجمله يستطيع الحكم علي صلاحية السياسة الحكومية أو عدم صلاحيتها ، فإنه لا يستطيع أن يقدم سياسة بديلة عنها ، إلا في حالة توافر التنظيمات السياسية وغيرها من الامكانات التي توفرها الأحزاب ، وتتيح له المعلومات الكافية لفهم هذه السياسة.
ساحة النقاش