ثالثا : المشاكل والانتقادات التي توجه الي تعدد الأحزاب :
تعرض مفهوم تعدد الأحزاب الي عدد من الانتقادات، يمكن الاشارة الي أهمها علي النحو التالي :
1 - تعدد الأحزاب قد يقود الي عدم الاستقرار الوزاري :
ينطلق هذا الانتقاد من أن تعدد الأحزاب يفترض أن ممارسة السلطة تنتقل من مجموعة الي مجموعة أخري وفقا لتحول اتجاهات الرأي العام مما يؤثر علي قدرة الحكومات المتتالية علي رسم وتنفيذ سياسات متكاملة في الشئون العامة، وخاصة في النموذج الديمقراطي البرلماني .
ومما يزيد من صعوبة تحقيق الاستقرار ، ما يحدث غالبا في ظل تعدد الأحزاب من عدم استطاعة حزب بمفرده أن يحرز الأغلبية المطلقة للمقاعد البرلمانية مما يؤدي الي ضرورة تشكيل وزارة ائتلافية من عدد من الأحزاب قد يكون بينها تعارض، وما يصحب ذلك من تعقيدات ، وتوزيع للمسئوليات ، وخلافات داخلية بسبب الصراع الحزبي، وخاصة عندما تكون هذه الأحزاب المؤتلفة قائمة علي مبادئ أو برامج جامدة، بحيث يكون من الصعب علي أي منها أن ينزل عن بعض مبادئه في سبيل التفاهم مع الآخرين دون أن تتعرض قيادة الحزب لمشاكل وصعوبات في صفوف الحزب وقواعده، فتكون النتيجة تصدع الائتلاف الحاكم وسقوط الحكومة. ومن مساوئ عدم استقرار السلطة علي هذا النحو ، أنه يؤدي الي فقدان روح الاستمرار في الحياة السياسية والادارية ، فضلا عن أنه يحيط النظام بإطار من عدم الثقة قد يدعو الي البحث عن صورة أخري من صور الحكم ، ربما تتجاوز الإطار الديمقراطي .
ولكن يرد علي هذا الانتقاد في العادة بأن ظاهرة عدم الاستقرار ليست مقصورة علي نظام تعدد الأحزاب من ناحية، كما أن هذا النظام ليس العامل الوحيد الذي يؤدي الي عدم الاستقرار من ناحية اخري. ولذلك فليس ثمة ما يدعو الي الافتراض بأن العدول عن تعدد الأحزاب يؤدي بالضرورة الي توافر الاستقرار الوزاري .
2 - مخاطر غياب الديمقراطية داخل الحزب :
لعل أحد الانتقادات التي توجه الي الأحزاب أنها قد تخضع، في الواقع ، لسيطرة وتوجيه نخبة معينة أو قلة من الأفراد تتمثل في قيادات الحزب، مما يؤدي الي الإضرار بأحد المفاهيم الهأمة في الديمقراطية الليبرالية عندما يسود حكم الاقلية بدلا من حكم الأغلبية .
واذا كان هذا التخوف يظل قائما في مختلف أنماط النظم الحزبية، فإن مخاطره تبرز في ظل تعدد الأحزاب، لما يؤدي اليه التنافس الحزبي من تدعيم نفوذ قيادات الحزب، بحيث تسيطر علي شئون الحزب سيطرة مطلقة. ويظهر ذلك ، بوجه خاص ، في عملية الانتخابات، حيث يكون الحزب وسيطا بين هيئة الناخبين وهيئة المرشحين ، وذلك لأهمية الترشيح الحزبي، وإسهام الحزب في تحمل نفقات الدعاية الانتخابية وتعضيد المرشح في الانتخابات . وترتيبا علي ذلك ، يري البعض أنه اذا لم تراع قيادات الحزب اختيار أفضل وأكفأ العناصر الصالحة للترشيح للعمل النيابي والوظائف العامة، أو اذا أساءت هذا الاختيار، بدافع التنافس علي كسب الرأي العام، أو لاعتبارات شخصية ومصلحية ، فإن ذلك يؤدي الي ضعف السلطة وفسادها. كما يقود الي هذه النتيجة، من باب آخر، تركيز السلطة في زعامات الحزب، أو نزوع هذه الزعامات الي خنق حرية النائب عضو الحزب في ابداء رأيه بالبرلمان، وإرغامه علي التصويت في اتجاه القرار الحزبي ، حتي لو لم يكن علي قناعة كاملة بصوابه .
ويرد أنصار تعدد الأحزاب علي هذا الانتقاد عادة ، بأن ارتفاع مستوي الوعي السياسي في المجتمع هو الضمانة لتجنب هذه المخاطر ، وأن الممارسة والمران ، في ظل التعدد الحزبي هما السبيل الوحيد الي ذلك .
3 - مخاطر سيطرة المصالح الاقتصادية الكبري علي الأحزاب :
يثير هذا الانتقاد مشكلة تمويل الأحزاب السياسية. وهي مشكلة تنبع من حاجة هذه الأحزاب الي المال لادارة نشاطها مما يجعلها تلجأ الي الجماعات ذات المصالح الكبري في المجتمع ، مثل المؤسسات المالية والتجارية والصناعية، وهو ما يعتبره البعض مكمن الخطر في الديمقراطيات الحديثة، لأن هذه المؤسسات لا تمد يد المساعدة إلا للأحزاب التي ترضخ لمطالبها ، وتتبني الدفاع عن مصالحها. وقد يؤدي هذا الي تسابق الأحزاب علي ارضاء هذه المؤسسات ، وبالتالي سيطرة رأس المال علي الأحزاب السياسية، ومن ثم علي الجهاز الحكومي برمته . وينتقد الفقه الدستوري والسياسي ، وخاصة في الولايات المتحدة ، التأثير البالغ لرجال الأعمال والمؤسسات الكبري علي الأحزاب عن طريق التبرعات والتمويل .
ويرد انصار تعدد الأحزاب علي هذا الانتقاد ، بأنه من الممكن اللجوء الي علاج تشريعي لهذه المسألة لازالة المساوئ الناجمة عنها ، كأن يكون ذلك بتقرير الرقابة الدستورية علي موارد الأحزاب ، وإلزامها بنشر حساباتها علي الرأي العام .
4 - تعدد الأحزاب قد يؤدي الي نوع من الغوغائية السياسية :
ينطلق هذا الانتقاد من افتراض أن كل حزب ينزع عادة الي مهاجمة الأحزاب الأخري، حتي لو لم يكن ثمة أساس موضوعي لذلك الهجوم، وذلك بغية الاحتفاظ بدرجة من التضامن الداخلي، وتوثيق الشعور بالوحدة داخل الحزب، وتدعيم الالتفاف حول مبادئه وقيادته. وبالتالي تكون غاية أعضاء كل حزب أن ينتصروا لرأي حزبهم وأن يعارضوا آراء الأحزاب الأخري ، سواء اتفق هذا الموقف مع المصلحة العامة أو لم يتفق. وهذا هو ما يطلق عليه الغوغائية السياسية، أي التطرف والتعصب لموقف معين ومهاجمة انصار المواقف الاخري ورفض الاستماع اليهم وتسفيه آرائهم واستخدام لغة حادة في الحوار السياسي. ويرتبط بهذا الانتقاد ، التخويف من أن استفحال الخلافات بين الأحزاب قد يهدد بإشاعة نوع من الفوضي في البلاد .
ويرد علي هذا الانتقاد عادة بأن احتمالات وجود هذه الظاهرة تقل تدريجيا كلما ارتفع الوعي السياسي في المجتمع ، وكلما تمرس الرأي العام بالعمل السياسي الديمقراطي وأن تعدد الأحزاب هو بمثابة مدرسة شعبية في هذا الصدد .
5 - تعدد الأحزاب يرتبط بالتنظيم الرأسمالي للمجتمع:
ويثير هذا الانتقاد قضية أن تعدد الأحزاب ارتبط تاريخيا بالنموذج الرأسمالي ، وأن هذا النموذج علي الرغم مما حققه من نجاح في استغلال عوامل الانتاج ، ورفع مستوي المعيشة. وابتكار وسائل جديدة للقيام بالأعمال، فإنه أدي في نفس الوقت الي عدم المساواة .
ويرد علي هذا الانتقاد ، بأن ثمة محاولات تجري لإقامة تعدد حزبي في ظل اصلاح النظام الرأسمالي ذاته من خلال الاهتمام بالبعد الاجتماعي والتأكيد علي دور الدولة في ضمان شبكات الأمان وبرامج الرعاية الاجتماعية في مختلف المجالات مثل الصحة والتعليم وغيرها، أي بما يضمن مصالح الفئات الاجتماعية العريضة في المجتمع .
ساحة النقاش