يقصد بمفهوم الحزب الواحد أن الجماعة السياسية لا تعرف سوي تنظيم سياسي واحد. ويطلق علي النظم السياسية التي تجري علي هذه القاعدة نظم الحزب الواحد أو النظم الحزبية غير التنافسية .
وفي مجال دراسة هذا النمط من النظم الحزبية، تجدر الإشارة إلي حقيقة أنه لا يوجد نوع وحيد من نظام الحزب الواحد، بل إنه في اطار الحزب الواحد يوجد أكثر من نمط فرعي، بمعني تعدد تطبيقات الحزب الواحد. ويمكن التمييز أساسا بين نوعين من هذه التطبيقات.
الأول : هو نمط الحزب الواحد الذي يقوم علي أساس عقائدي أي بتبني أيديولوجية معينة. وقد ساد هذا النمط بوجه عام في البلاد التي كانت تطبق فيها النظرية الماركسية. والنموذج الذي كان يعبر عنه بدقة هو النموذج السوفيتي وكذلك - بدرجات متفاوتة - كل من النموذج الصيني واليوغوسلافي.
ويتميز الحزب هنا بأنه حزب صفوة ، يضم العناصر الطليعية ويقوم علي أساس المركزية في بنائه الداخلي.
والثاني : هو نمط الحزب الواحد في بلاد العالم النامي وهو لا يقوم علي أساس عقائدي ، وإنما نشأ في الغالب لمواجهة ضرورات عملية التنمية، ولذا أطلق عليه مفهوم الحزب التنموي، ويتسم بطابعه الجماهيري ، ويعبر في التحليل الأخير عن أوضاع النظم السياسية في البلدان المتخلفة وهي تواجه أزمات التحديث.
ويمكن القول بوجود نمط ثالث للحزب الواحد مغاير للنمطين السابقين ، غير أنه أقل انتشاراً منهما ولا يوجد تطبيق له الآن ، وهو الحزب الواحد الذي يقوم في ظل الدكتاتوريات الفاشية ، ويستند الي تراث فلسفي معاد للحرية ، أسهم في ارسائه عدد من الفلاسفة علي مر التاريخ مثل افلاطون ، وهوبز ، وهيجل، وكارلايل ، وكارل شميت. وفي مثل هذا النمط تصبح الدولة هي القيمة الوحيدة المطلقة وهي ارادة الله علي الارض، والقانون ليس إلا التعبير الموضوعي عن روح الدولة، ومن ثم تعتبر طاعة القانون هي جوهر الحرية، ويمتد ذلك الي الايمان بالجنس الممتاز ، والفرد الممتاز الذي يجسد أنبل خصائص الأمة بل هو الأمة نفسها ، ولذلك تغدو ارادته ارادتها. ولذلك فهذا النمط من الحزب الواحد، يرتبط بشخص الزعيم الحاكم، ويقوم علي الايمان به أو التعصب لكل ما يقوله ، وقد عرف هذا النمط في صورته الكلاسيكية في ألمانيا في عهد هتلر ، وإيطاليا في عهد موسوليني في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين، وكذلك في البرتغال، حتي انقلاب عام 1974 وفي إسبانيا في عهد فرانكو .
أولا : الحزب الواحد الأيديولوجي :
يرجع الأساس الذي قام عليه هذا النمط من النظام الحزبي الي النظرية الماركسية التي تقوم - في أبسط صورها - علي افتراض أن تاريخ المجتمع الانساني بوجه عام هو تاريخ الصراع بين الطبقات، وأن هذا الصراع يقود في نهاية الأمر الي انتصار البروليتاريا أو الطبقة العاملة وإقامة نظام سياسي يعبر عن دكتاتورية البروليتاريا. ويتحدد ذلك في سيادة حزب واحد هو الحزب الشيوعي. وقد ارتبطت نشأة هذه النظرية بالنتائج التي ترتبت علي الثورة الصناعية في الغرب وما شهدته من ظلم للعمال في بدايتها، والنمو السريع للمدن ومراكز الصناعة، مما تسبب في خلق مشاكل اقتصادية واجتماعية وإنسانية عديدة. فقد أدي الفصل بين رأس المال والعمل في ظل التنظيم الرأسمالي للمجتمع وتراكم رؤوس الأموال وتركزها الي تباعد كبير بين الطبقات ، فتركزت الثروة في أيدي قلة من المجتمع ، وأصبح علي الغالبية أن تبيع قوة عملها في أقسي الظروف الانسانية ، وتم تشغيل النساء واستغلال الأطفال بأجور زهيدة ، مع عدم تحديد ساعات العمل . ولم تصمد مفاهيم الحرية والاخاء والمساواة ازاء هذه الاوضاع التي لم تكن المساواة القانونية مجدية في تصحيحها من وجهة نظر هذه النظرية .
وكنتيجة لهذا التطور ، أخذت تبرز أفكار جديدة تري أن الديمقراطية لا تتحقق إلا بحل المشكلة الاجتماعية حلا جذريا وامتدت هذه الافكار الي التشكيك في حق الطبقة الوسطي في قيادة المجتمع، واعتبار أن الحريات التي كفلتها الديمقراطية الليبرالية هي مجرد حريات شكلية. وارتبطت بذلك ظهور مفاهيم جديدة للأمة والمجتمع والاقتصاد والحرية والدولة من زاوية هذا الفكر . فالأمة ليست سوي اختراع بورجوازي للسيطرة علي السوق والمجتمع ليس واحدا بل طبقات متنافسة، والاقتصاد ينبغي ألا يؤسس علي قواعد المذهب الاقتصادي الحر، والحرية تمارسها فقط الطبقة السائدة ، والدولة أداة قهر فحسب وستزول بزوال الصراع الطبقي . وكان من الطبيعي في ظل هذه المفاهيم التي عبرت عنها النظرية الماركسية أن تحدث مراجعة لمدلول الديمقراطية. وتقدم المادية التاريخية الأساس الفلسفي لوجهة نظر الماركسية في قضية الديمقراطية والنظام الحزبي .
ساحة النقاش