صدق الشاعر العربى حين قال « لا يدرك الشوق إلا من يكابده .. ولا الصبابة إلا من يعانيها» وهذا تلخيص موجز على أن أصحاب الإعاقات هم أكثر من يعبر عن احتياجاتهم من المجتمع.
حيث تعتبر المعوقات التى يصنعها الناس فى وجه ذوى الإعاقة أقوى أثرا وأكثر خطرا من الإعاقات الجسدية التى تلحق بهم، لأنها تنخر كالسوس فى جسد وقدرات صاحب الإعاقة وتصيب أسرته بالإحباط.. لذلك يحدد الدكتور أحمد مصطفى شلبى - «كفيف»مستشار الصحة النفسية والإرشاد الأسرى –10 «معوقات» لها تأثير سلبي على الطاقة الإيجابية والإنتاجية للأشخاص ذوى الإعاقة، ويطالب المجتمع بالتخلص منها حتى لا تمثل خطرا عليهم وتعيقهم عن نفعهم لمجتمعهم.
فى البداية يقول الدكتور أحمد: لو سألت كل الذين مروا بتجربة الإعاقة لأكدوا لك أن الإعاقة الحقيقية لا تتمثل فى فقد عين أو يد أو ساق، وإنما تكمن فيما يصنعه الناس من عوائق وعقبات، لأن الله سبحانه أرحم بنا من أنفسنا وهو يعوضنا عن هذا الفقد بأشياء كثيرة أفضل منه، كذلك فإن الإنسان بقوة إرادته يستطيع أن يجعل من الإعاقة طاقة تدفعه نحو المزيد من بذل الجهد والعمل والعطاء.
ولهذه الإعاقات الزائفة أنواع كثيرة، أولها: وجود بعض الأفكار أو التصورات الخاطئة فى ذهن صاحب الإعاقة تمنعه من استثمار إمكاناته وقدراته الأخرى والتغلب على ما قد يصادفه من عقبات، وثانيها: عدم قيام بعض الأسر بمسئولياتها تجاه الابن صاحب الإعاقة بل ووضع بعض العقبات في طريقه أحيانا مثل إخفاءه داخل البيت حرجا من الجيران وعدم الذهاب به لزيارة الأقارب، فهم لا يقومون بواجبهم تجاهه بل ويعاقبونه على ذنب لم يرتكبه ، يصدق عليهم المثل العامي (لا يرحموا ولا يتركوا رحمة ربنا تنزل)، وثالثها: أحيانا تكون الإعاقة من البيئة حيث يتعرض صاحب الإعاقة للسخرية أو للإهانة من بعض سفيهي العقل سيئى الخلق، ورابعها: يكون التعويق من بعض الموظفين الذين يرفضون دون تفكير ويحكمون نتيجة لنظرة مسبقة تفتقر إلى أي علم أو منطق فهو مثلا يرفض تعيين صاحب الإعاقة في عمل أو وظيفة دون أن يراه أو يختبر قدراته على أداء هذا العمل، وخامسها: وقد تكون الإعاقة الحقيقية في بعض القوانين الظالمة التي تحرم أصحاب الإعاقة من أداء أعمال معينة أو لعدم وجود قوانين أصلا تنصفهم وتعطيهم حقوقهم.
ويضيف: أما العنصر السادس من هذه الإعاقات المجتمعية فيتمثل فى ثقافة شائعة لدى الإنسان العامى بأن صاحب الإعاقة فيه شئ لله أو ملموس من الجان، فهو عندهم إما مبروك أو ممسوس، ولذلك فبعضهم ينظرون إليه نظرة ملؤها التخوف والريبة،ويتضح ذلك من خلال الكثير من الأمثال العامية التي يستخدمونها، مثل: ( كل ذي عاهة جبار)، أما العنصر السابع فهو يكمن فى بعض الأعمال الدرامية التى تتخذ من صاحب الإعاقة مادة لاستدرار العطف، أو مادة كوميدية للسخرية منه، والثامن يتمثل فى صاحب العمل أو المصنع الذى يتهرب من تطبيق النسبة القانونية المقررة لأصحاب الإعاقة على من يعملون معه، بما يتناسب مع ظروفهم وطبيعة العمل الذي سيقومون به، بينما تجد آخرين ممن يشعرون بوخز الضمير قد يعينه فى أعمال أقل من شهاداته وكفاءته، أو يعطيه مرتبه ويقول له اجلس فى البيت ويكون حضوره إلى العمل أداء للواجب أو لأخذ مرتبه آخر الشهر، وينسى من يفعل ذلك أن الابتلاء معرض له الناس جميعا ولا يختاره إنسان لنفسه، وأن صاحب العمل أو المؤسسة قد حكم بهذه الطريقة على قدراته وعلى أسرة دفعت دم قلبها من أجل تعليم صاحب الإعاقة يحكم عليهم جميعا بالإعدام ويصيبهم بالمرارة والإحباط، وإحقاقا للحق فإن من رجال الإعمال من جربوهم واقتنعوا بقدراتهم، وأعدوا لهم أقساما خاصة بهم عندما رأوا أن أداءهم وإتقانهم للعمل قد يفوق العاديين.
ويكمل:أما العنصر التاسع الذى يمثل تحديا لقدرات ذوى الإعاقة يتمثل فى بعض الدول التى ما زالت تعامل أصحاب الإعاقة وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، فليس لهم حق فى المشاركة السياسية، ولا فى الترشح للمجالس النيابية بل ونادرا ما يتحدث عنهم مرشح، أو يتبنى قضاياهم حزبا، والجمعيات التى تتولى شئونهم معظم أعضاء مجالس إدارتها من غيرهم، وكأن صاحب الإعاقة كما يقال بلغة الأفراح (غائب ونقوطه حاضر) وليس من حقه أن يشارك فيما يخصه، ولا يعين أحدا منهم فى مجالس ومنظمات حقوق الإنسان، وكأنهم لم يقع عليهم ظلم وليس لهم حق.
أما العنصر العاشر فهو التهميش والتمييز وعدم المراعاة: فمن أبسط حقوق صاحب الإعاقة الحركية مثلا أن يجد سلما منزلقا بجوار السلم العادي يستطيع أن يصعد به على كرسيه المتحرك، ويجد حماما واحدا في أي مؤسسة أو مصلحة حكومية يستطيع أن يقضي فيه حاجته كأى إنسان عادى، وهذه أمور بسيطة لن تكلف الدولة وأصحاب الأعمال شيئا.
ويختتم الدكتور أحمد حديثه قائلا: هذه بعض الإعاقات التى تصنعها بعض الدول والمجتمعات وتسهم فيها أحيانا بعض الأسر والأفراد بقصد أو بغير قصد، ولا يلغى ذلك وجود نماذج مشرقة ومبادرات إيجابية من آن لآخر وتعاطفا معهم من الإنسان العادى فى الطريق أو داخل وسيلة المواصلات، لكن حجم المشكلة أكبر من ذلك بكثير، ما نريد أن نخلص إليه أن هذه المعوقات هي الإعاقات الحقيقية وأن آثارها في الإحباط والتعويق لصاحب الإعاقة ولأسرته وللمنظمات العاملة فى هذا المجال يتعدى آثار الإعاقة الجسمية عشرات الأضعاف، وكى نحدث تقدما حقيقيا فى وطننا ومجتمعنا وعلى الدولة ومنظمات المجتمع المدنى أن تضطلع بمسئولياتها فى هذا المضمار.
ساحة النقاش