وصلت إلينا رسالة طويلة من إحدى الأمهات ، هذا بعض منها:
تعبت من كلام الناس فعندي ابن يعاني من إعاقة عقلية كلما رآني أهل زوجي اهتم به قالوا : ماذا ستستفيدين منه، اهتمي بأولادك الآخرين فالمستقبل لهم، وعندما تراني جارتي أُقصر قليلا في حق ابني المعاق بسبب الانشغال أو المذاكرة للأبناء الآخرين تقول :حرام عليك سيسألك الله عن هذا الابن.
أصبح هذا الموضوع يسيطر على تفكيري وسار شبح الذنب يطاردني في أي مكان أذهب إليه: في المطبخ وعلى مخدتي حتى وأنا أجلس بين الناس، فدلوني ماذا أفعل؟
أحيي في الأم الكريمة حرصها على حسن رعاية أبنائها وضميرها الحي وخشيتها من الله تعالى، ولا أحب لها هذه الوساوس التي تسيطر عليها في أحيان كثيرة وتجعلها تشعر بألم الذنب، وأرجو مراعاة الأمور الآتية:
1- أننا نربي أبناءنا ليكونوا نافعين لأنفسهم وليس لنستفيد منهم -كما يقول لك بعض أهل زوجك- فمعظم الآباء يضحون ويبذلون من أجل أبنائهم ولا ينتظرون منهم ربما سوى الكلمة الطيبة.
2- إن الأمومة رسالة كرسالة المعلم والمعلم حين يعطي العلم يعطيه لجميع تلاميذه ومنهم المتفوق والمتوسط والضعيف، والأم حين تعطي فلجميع الأبناء بغض النظر عن ظروف كل منهم لأنهم جميعا أبناؤها.
3- إن الذي يسير وراء كلام الناس لن يستريح أبدا فرضى الناس غاية لا تدرك -كما في المثل السائر والذي ينظر إلى حال النخبة المصرية هذه الأيام تتضح له هذه الحقيقة.
4- إن الغيب والمستقبل لا يعلمهما إلا الله، فنحن نؤدي ما علينا، ولا يدري أحدنا أي أبنائه الذي سيكون فيه الخير، وهل كانت أم طه حسين يخطر ببالها أن ابنها سيكون وزيرا للمعارف وعميدا للأدب العربي؟
وبعد مراعاة ذلك أطلب من الأم صاحبة الرسالة ومثلها ممن تنتابهم أحيانا بعض هذه الأفكار والمشاعر ما يلي:
أولا: ألا تستسلم لهذه الوساوس التي تغذي عند الإنسان الشعور بالذنب المفرط فهي عادة تهاجم صاحبها عندما يكون في فترة ضعف أو يكثر من التفكير وهي تتخذ لها منفذا أو مبررا وهو هنا الشعور بالتفرقة بين الأبناء فعليك أن تتخلصي من ذلك بالتدريج.
ثانيا: أما حل المشكلة فميسور وهو أن تسوي بين أبنائك في المعاملة وتعطي كل منهم حسب احتياجاته: فلا حماية زائدة ولا تفرقة ولا اهتمام بأحدهم على حساب الآخر ،وقد وجهنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أن نعدل بين أبنائنا حتى في القًبلة.
ثالثا: لا تتخوفي من كثرة المجهود فإن الأم حين ترزق مولودا واحدا يفتح له ينبوع حب في قلبها وحين ترزق بأبناء آخرين تفتح لهم ينابيع أخرى من الحب دون أن تؤثر على ينبوع الحب الأول، ومع الجهد يحدث مثل ذلك، والإنسان منا إذا سار مشوارا ووضع في نفسه أنه 5 كيلو مترات ستنفذ طاقته مع نهاية الكيلو الخامس أما إذا وضع في الاعتبار أنه سيمشي 10 كيلو مثلا فإن طاقته ستنفد مع نهاية الكيلو العاشر وهكذا يحدث في بذل الجهد مع الأبناء أيا ما كانت ظروفهم.
رابعا: وقد علمتنا التجارب أن الأسرة إذا عزمت عزما صادقا على أن تربي أبناءها تربية صحيحة وحاولت أن تتعلمها وبذلت الجهد من أجل ذلك فإن أبناءها عادة ما يكونون أفضل مما تتوقع.
لذا أرجو أن ندع وساوس الشعور بالذنب ونستمتع بأداء رسالة الأمومة فهي من أسرار سعادة المرأة والأسرة في هذه الحياة.
مع أطيب أمنياتي بكل التوفيق.
ساحة النقاش