البحث عن السعادة –أسبابها وسبل الوصول إليها- كان هو الشغل الشاغل للفلاسفة وعلماء
النفس في القديم والحديث ، وهو أمل كل أسرة، وحلم الإنسان في كل زمان ومكان.
وقد اجتهد الناس في السعي لمصادر السعادة وتعددت سبلهم إليها والقليل بل النادر منهم من وصل إلى شواطئها:
- من الناس من ظن السعادة تأتي يإشباع اللذات المادية كالطعام والشراب ولم يفكر في شئ سواها، وهي ولا شك أمور هامة ويعدها علماء النفس من الدوافع الأولية لجميع الكائنات الحية، لكنها بمفردها لا تصلح هدفا يميز الإنسان كما أنها متع مؤقتة تزول بزوال أسبابها.
- ومنهم من رأى السعادة في إشباع شبقه الجنسي وجعل ذلك محورا للنشاط والعمل الإنساني، ورغم أهمية الغريزة الجنسيية كدافع أولي في المحافظة على نوع الكائن إلا أنها كسابقتها لا تصلح هدفا بمفرده يميز الإنسان ويستثمر إمكاناته ويفجر طاقاته، وهي لذات مؤقتة تنطفئ بانتهاء دوافععها.
- ويلهث بعض الناس وراء المال ظنا منه أنه هو المنوط بتحقيق السعادة ثم يكتشف في النهاية أنه كان يجري وراء سراب كاذب: صحيح أن المال هو عصب الحياة لكنه وسيلة وليس غاية والواقع يشهد أن بعض المجتمعات الثرية لم تنجح في تحقيق السعادة لأفرادها رغم الوفرة المادية التي تتمتع بها.
ويعتقد بعض الناس أن السعادة في الحصول على المنصب والجاه وهو أيضا اعتقاد كاذب لأن المنصب لا يدوم إلا لسنوات معدودات ويكون الألم لفقده ربما أقسى من لذة الحصول عليه ، ورغم أنه هدف اجتماعي مشروع إلا أن الدراسات تشير إلى أنه والمال قليلا الأهمية كمصدر من مصادر تحقيق السعادة:
<!--ويأتي شهر الصوم كشرطي المرور يضيء أنواره الأحمر والأخضر ويرفع عصاه ويطلق صفارته ويضرب جرسه يفعل كل ذلك كي يطلب منا التوقف والتأمل والنظر.
<!-- إنك تمتنع عن الطعام والشراب في نهار رمضان ومع ذلك فأنت مبتهج وسعيد.
<!--وتبتعد عن الزوجة المباحة لك وأنت مبتهج وسعيد.
<!--وتدفع المال ولا تأخذه في الزكاة وصدقة الفطر والعمرة ونحو ذلك وأنت مبتهج وسعيد أيضا.
<!-- وتصوم وليس في الصيام شهرة لأن الجميع صائمون ولا مجال للافتخار بالصوم بين المفطرين.
ورغم امتناعك عن ذلك كله تشعر بالبهجة والسعادة، تستقبل شهر رمضان بتعليق الزينات وإطلاق المدافع وإضاءة الأنوار وصنع الحلويات ، وتمضي أيام رمضان كالبرق الخاطف، فما السر في ذلك؟
إن شهر رمضان يشعل فينا لذة روحية تتوهج كلما اقتربنا من الله خالقنا (...واسجد واقترب)(سورة العلق:19)
ولهذه اللذة مميزات عديدة منها :
- الديمومة فهي موجودة وقريبة منا لكن لا يشعر بحلاوتها إلا المؤمن...(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني...)(البقرة:186)
- وزمام المبادرة فيها للإنسان فقد روي في الأثر : (ألا إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها) إنها تصحب الإنسان في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة.إنها من سعي الإنسان ومنكسبه.
- إنها تمكنه من الاستمتاع باللذات الأخرى السابق الإشارة إليها.
- كما تشجع فيه طاقات العمل والنشاط. وتساعده على إقامة شبكة من العلاقات الناجحة بتكليفه بصلة الرحم والعطف على الضعفاء، ونحو ذلك.
وهكذا يشعل فينا رمضان لذة روحية جديدة ويعطي للحياة مذاقا ويرشدنا بإشارات واضحة بسيطة إلى المصدر الحقيقي للسعادة؛ فكلما اقترب الطفل من أمه شعر بالراحة والأمان، وكلما اقترب الإنسان من خالقه شعر بالسكينة والاطمئنان.
ساحة النقاش